الحياد في الحالة السورية

مامعنى الحياد في القضايا السياسية ؟ 
بإيجاز أن يتخذ الشخص أو الجماعة موقعًا بين خصوم سياسيين بحيث لايميل لأي طرف منهم ،
وكي نقول عن الأفراد أو المجموعات محايدين سياسياً لابد من توافر بعض المعايير الاي تسمح أصلًا باتخاذ موقف سياسي ، بدءاً من مناخ ديموقراطي ونظام سياسي يسمح بحرية التعبير و إبداء الرأي من خلال دستور محترم من قبل سلطات ألدولة ووجود مؤسسات دستورية تحمي هذا الحق و قضاء عادل يستطيع الفرد – المواطن مراجعته عند انتقاص حقوقه الدستورية ..
وهذا يعني أن الموقف السياسي يتطلب إرادة حرة و قناعة  كي يعتد به ويمكن اعتباره يمثل صاحبه !
وبالنظر لحالتنا السورية عشية قيام الثورة وبكل بساطة نرى الحقيقة الساطعة كالشمس في رابعة النهار ؛ فالنظام السياسي نظام قمعي ،دكتاتوري ، هرمي ، يقوم على سلطة مطلقة لأجهزة سلطوية تحتكر السلاح و تتمتع بحصانة فوق العادة أمام القضاء والشعب وبعيدًا عن أي مسائلة !
تتركز القوة القهرية وتنحصر بيد الرئيس و عدد من مواليه والمقربين منه وتتحكم هذه المجموعة بكل شيء داخل الجغرافيا السورية و بالشعب السوري حتى خارج هذه الجغرافيا ، لما يمكن أن يؤدي أي تصرف غير محسوب و لا يلقى قبولًا من أجهزة المراقبة والمتابعة أي أجهزة الأمن بفروعها وأشكالها حتى لو من مخبر بغيض دون أساس من الصحة،  وله أهل وأقرباء يقبعون تحت هذه السلطة ، يجعله يفكر ألف مرة قبل أن يتفوه بكلمة ولو بسيطة ضد هذه المنظومة المتسلطة ، حيث أدوات الردع موجودة بحيث يتم حرمانه من أبسط حقوقه وهي الحصول على جواز السفر أو تجديده حتى منعه من الدخول أو السفر !
وعلى هذا وبعد انطلاق ثورة ١٨- آذار عام ٢٠١١ و كسر حاجز الخوف خرج الكثير من الشعب السوري عن صمته ليكون له موقف واضح -وإن لم يكن سياسيًا في غالب الأحيان – بل موقف دفاع عن الحقوق وموقف أخلاقي إلا أنه خارج عن المألوف المُلقن عادة على شكل هتاف للقائد والزعيم و أبو الوطن وأمه و المنزل الذي قالوا عنه (الأسد أو نحرق البلد) .
ومع تصاعد القمع وتطور انتفاضة الكرامة لتصبح ثورة شعبية بدأت المواقف الواضحة لدى البعض وغابت الجرأة عن الكثير الكثير خاصة مع الاتهامات بالعمالة و المأجورين و المندسين ….الخ 
مما جعل الكثير من المكبوتين غير قادرين على البوح في ظل توحش القوى المسلحة وقيامها بالقتل والتعذيب والاعتقالات دون حسيب أو رقيب.
وأصبح السوريون مصنفون على ثلاث قوالب جاهزة دون تدقيق بالمفاهيم والمعاني وهي ثوار ومعارضين ، وموالين ومؤيدين ، ورماديين أو حيادين .
وبرأي هذه تصنيفات شكلية أكثر منها واقعية نظرًا للظروف العامة التي تحكم الشعب السوري بكل أطيافه وهذه الظروف الغير طبيعية لايمكن أن تنتج تصنيفات طبيعية فهل يملك من ينتمي للجيش والقوات المسلحة القدرة لأن يكون صاحب  إرادة وقرار في موقفه إلى جانب الثورة دون مجازفة خطيرة على حياته وعلى أسرته وعائلته ؟ و يمكن لهذه الحالة أن تنسحب على كل الموظفين على إختلاف مراتبهم الوظيفية وعلى الحزبيين ومواقعهم أيضًا.
فمن يتخذ قرار يترتب عليه تبعات خطيرة وتحضير و قد ينجح أو ينتهي به المطاف معتقلا أو مقتولًا.
ومن يصمت فهو أيضًا تحت خطر الاتهامات بإنه من المنطقة الفلانية أو من الحاضنة …… فلا يكفي الصمت أحيانا بل لابد من النفاق والمزاودة …
وفي ظل الخوف والترهيب لا مواقف واضحة بل  مصالح ضيقة و مزايدات فارغة المضمون وليس من المنطقي أن تحسب على الشعب السوري هذه التصنيفات و القول أنها تمثله واقعًا ،على الأقل إذا سلمنا بوجودها شكلًا فنسبتها غير قابلة للقياس أو الحساب .
و اذا قيض للسوريين أن يصرحوا برأيهم  دون طرح مسميات الثورة و المعارضة  بل تحت عنوان التغيير والحياة الكريمة والعدالة … لوجدنا أن في أغلبيتهم الساحقة هم مع التغيير و أن القلة القليلة هي مع الامتيازات التي تتمتع بها و التي ترتبط مصالحها مع الدائرة الضيقة التي تمسك بالسلطة وتغتصب الدولة وتعادي الشعب بكل أطيافه ، ولافرق عندها من أين كنت وإلى  من تنتمي و لا حدود بين  المواقف السياسية المتعددة مادامت قد تحد من هذه السلطة وتهدد بقائها.

 وعلى الرغم من كل هذا الواقع المر والغير صحي لايمكن  القبول والتبرير لجرائم الحرب من تعذيب واعتقال و قتل بشتى الوسائل بمافي ذلك قصف الطيران على المدنيين واستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل سلطة الأمر الواقع تحت مسمى الموقف السياسي أو الصمت تحت عنوان الحياد !
فالقضايا الإنسانية والأخلاقية لاتحتمل الحياد ولا يمكن القبول بها تحت أي مسمى. . 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.