الأسد ونفاذ الرصيد

[بقلم الدكتور محمد حاج بكري]

لو أن بحيازتك هاتفاً محمولاً، وضغطت على أزراره كي تتصل بمن ترغب، وسمعت تلك الرسالة المسجلة اليا “عفواً.. لقد نفد رصيدكم، وإذا أردتم إجراء المكالمات، فإن عليكم إعادة تعبئته” فإنك حتماً ستشعر بنوع من خيبة الرجاء، وقد تلقي بهاتفك المحمول الذي حلَّت عليه لعنة نفاد الرصيد على الأرض وأنت في غاية الاغتياظ إلى حين يتأتى لك إعادة تعبئة هذا الرصيد من جديد..

هذا المثال يمكن سحبه بالتشبيه على حالة تلك الثُلّة المسماة الأسد ونظامه ، والتي عاشت منذ نشأتها وإلى الآن كل عذابات نفاد وتعبئة الرصيد مراراً وتكراراً، والمذهل في الأمر برمته، أنه ولا مرة واحدة قام أنفار هذه الحثالة بتعبئة رصيدهم من جيوبهم الخاصة، وإنما كان مَن يتولى هذه المهمة هو بيوتات صناعتهم أو بيوتات إيوائهم، كما أنه ولا مرة واحدة تمكنوا من توظيف ما عُبئ لهم من رصيد في شيء ذي قيمة من الناحية السياسية، ففي كل مرة كانت تتم فيها تعبئة الرصيد كان أقصى ما يستطيعون القيام به هو ترديد – ودون وعي – الكلمات اليتيمة التي يحويها قاموسهم السياسي التحديث والتطوير والمؤامرة والممانعة ، وهي مسألة ترضي بكل حال أولئك الذين كانوا يعبئون لهم الرصيد والذين يراهنون عليهم في  استمرار إمكانية ما من شأنه تعطيل الإرادة السورية وترويض تطلعاتها بأي شكل من الأشكال، فكانت النتائج كارثية وكاشفة لرغبتهم الأكيدة في اتخاذ دماء االسوريين معبراً لمطامعهم، وإنما أيضاً لكونهم أهون من أن يتجاوزوا بشعاراتهم حالة الفقر السياسي التي يعيشون فيها، والتي جعلت منهم أنفسهم، بالضرورة، عبئاً على كاهل معبئي أرصدتهم..

ورغم ذلك، فقد أدمنوا حالة تعبئة الرصيد وإفراغه من دون أي طائل، وكأن المسألة هي شحن وتفريغ لا إنتاج فيها ولا إبداع، فما أن يفرغ الرصيد إلا ويتفنون في استجداء وسائل تعبئته من جديد،

وهو الرصيد الذي استهلك، كما سوالفه، في سلسلة مطولة  من الإجرام والقتل والتدمير للوطن ومن المزايدات الكلامية الفارغة التي دارت في فحواها حول كلمتي قاموسهم عن المؤامرة الخارجية والتخوين للشعب ، تماماً كما يفعل الصبية الصغار في استهلاك أرصدة هواتفهم المحمولة في سماع الأغاني الهابطة أو الرنَّات المزعجة، بل وحتى هاتين الكلمتين قد فقدا من فرط تكرارهما كل ما توهموه فيهما من رنين، وباتت شواهد إفلاسهم أكثر وضوحا فقلما تجد من بين ما ينشر يومياً في اعلامهم المسموع والمقروء ما يخدم فكرة أو يسوق عبرة، وفي المقابل، كثيراً ما تجد سيلاً من السباب والشتائم المتبادلة وبحق الآخرين، إما إشباعاً لشهوة انتقامية مكبوتة أو استحضاراً لذكريات دفينة معطوبة، وبما يؤشر أن  ليس رصيدهم في البقاء فقط هو الذي نفد، وأغلب الظن ألا يعبأ ثانية من جانب سادتهم الخارجيين، وإنما أيضاً نفد رصيدهم الفكري السياسي المتعب أصلاً.

ومع ذلك لا يزال بعض معصوبي العيون منهم يتصورون أن مقاهي المخابرات العالمية أو كما يدللها البعض بجنات العملاء خالدة، وأن إعادة تعبئة رصيدهم هو احتمال قائم، وإذا حدث هذا فإنهم بالقطع سيكررون الكلمتين اليتيمتين إياهما من دون إضافة أي جديد.. وفي تقديرنا، فإن الأكرم بالنسبة لهؤلاء أن يقبلوا – بدلاً من البحث عن إعادة تعبئة الرصيد – بعبارة “آمنا بنفاد الرصيد” وينتهي الموضوع، ولا داع للرنات الصاخبة أو بروفات الزيف، أو الكلام الفارغ.

تعليق 1
  1. محمد سيسونو يقول

    عصابات الأسد لم تكن يوماً نظام أو تشكل حكومة شرعية وكل من يطلق عليها التسمية نظام يخون الشعب السوري خيانة عظمى. محاكمتها سياسياً هو دليل على أن السياسة أيضاً أداة لتضليل الشعوب فهي أيضاً من المؤامرات ضد الإنسانية مثل عصابات الأسد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.