إنتخابات 2021 في سورية (3)

[بقلم د. محمد حاج بكري]

الجزء الثالث:

رابعا، ان النظام الحاكم هو حالة ثقافية ونفسية، تسيطر على النخب المتعلمة والطبقة العسكرية، وعلي ضوء هذا التفسير، يصبح الهامش الحقيقي، من هم خارج هذه الدائرة، بغض عن النظر عن اصولهم او مناطقهم! وبما ان النظام ( حالة تمحور حول الذات، او منطلق الفعل وردات الفعل تدور او تتغذي علي المصالح الخاصة حصريا، قبل ان يدفعها الغرور لفرض مرجعيتها او معاييرها وقيمها) بهذا الوصف، فهو يمثل اس البلاء الذي سلم المواطنين للشقاء، وقذف بالدولة السورية الي المجهول! والاسوأ ان من بين شقوقه وترسباته تم افراز منظومة الأسد النازية، اي بوصفها اكثر تجلياته تطرفا وعدمية.. المهم، حرف القضية وادخالها في هذا النفق المفتوح علي التيه، والسؤال المعكوس او الموجه ، كم من الاستفتاءات الهزلية قامت او اجراها نظام الأسد ، ولكن احوال الاطراف لم تتغير، وهذا ان لم تكن ازدادت سوءا والحال هكذا، من يضمن ان الاستفتاء القادم (ان لم يسبقه طوفان كل مقوماته متوافرة) والذي لا يحتاج لذكاء لمعرفة نتيجته (كما يحدث في المسابقات التلفونية الفضائية بأسئلتها الساذجة وجوائزها المغرية المسيلة للاتصالات) ان تستمر علي ذات المنوال! اي من يمنعها من زيادة وتيرة حربها علي الاطراف، اذا كان ذلك يخدم قضية بقاءها في السلطة، خاصة وهي تتلفح بغطاء الشرعية الانتخابية المختوم بدمغ المشاركين؟!

خامسا، بمعني، هل انعدام البديل (المثالي) مبرر للقبول بكل البدائل، وهو ما يعني بشكل او آخر، الاستجابة لشروط السلطة المستبدة، وبما فيها التصديق او التعامل مع الانتخابات وهامش الحريات..الخ من دعوات او شعارات، حق يراد به باطل، قبل ان تناقض طبيعتها وتتلاعب بمدلولاتها ووظيفتها! اي تجعلها تعبر عن كل شئ إلا حقيقتها، او بصريح العبارة تكتب نهايتها بيدها! اي هو استجابة لمشاعر يأس، أكثر من كونه مقاربة عقلانية تروم الخروج من الازمة المستحكمة والمستطيلة؟! وهذا بدوره ما يضعف حتى المبادرات الصعبة والاحتمالات العسيرة، في انجاز حل حقيقي وجذري، ولكنه وحده الكفيل بقطع دابر المراوحة، بين وعود النظم الاستبدادية الفارغة، وهرولة المعارضة المرهقة للقبول بكل التنازلات! وهو طريق قدره الوحيد المرورعلي جثة النظام رفعت الاقلام وجفت الصحف. وبكلمة مختصرة، عدم دفع استحقاقات الحلول الجذرية، يعني استنزاف كل الطاقات والتضحيات والتطلعات المستحقة، في سبيل القبول بالفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع! والسؤال، هل الفشل في مرحلة او عدد من المراحل، يعني التسليم ورمي كل الاسلحة؟ او يعني تحول الحق الي باطل، والباطل الي حق، وهل يجوز تبرير كل هذه التحولات الدراماتيكية، بحجة ان السياسة فن الممكن، وتحتمل تفاسير لا حصر لها، وتاليا المسؤولية تقع على عاتق المفسرين/المستغلين؟! اما الاسوأ من كل ذلك، فهو تجميل وجه الاستبداد الكالح مجانا

سادسا، ماذا يستفيد الأسد من الانتخابات، او كيف تتضرر المعارضة منها؟ وهنا نصل لنقطة تحرير الخلاف. في البداية لا اعتقد ان هنالك خلاف حول ان منظومة الأسد، مجردة من السياسة والوطنية والقيم الايجابية! وهي في محصلتها النهائية تشكيل عصابي، استمرأ انتهاك حقوق المواطنين، وحرمة كيان الدولة، بعد ان صادرهما بالكامل، لصالح اشباع رغبات اعضاءه المريضة! والحال كذلك، كل ما يخدم هذه المنظومة، هو بالقطع ضد المعارضة وقبلها مصالح المواطنين! وعليه، ليس هنالك منطقة وسط او نقاط تقاطع من اي شكل او نوع بينهما! وإلا أصبح لا محل لا لوجود قيم او معايير او مصلحة عامة من الاساس. واي محاولة للالتفاف على هذه الحقيقة الساطعة، او محاولة تجميلها بوهم حدوث تغير ولو طفيف، في جوهر نطام الأسد الاستبدادي! ما هي إلا محاولة يائسة لإنكار واقع ظالم وجائر، ينذر بالخطر على حاضر المواطنين ومستقبل الوطن! وهذا غير انها ليس بإستطاعتها ان تكون بديل عمل وطني، لبديل يعتقد السادة (المشاركون) انه غير موجود ولا سبيل لإيجاده! وكان الحياة توقفت او ممكنات ومحاولات الشعوب لتحرير نفسها، كتب عليها الفناء، والاصح حكموا عليها بالإعدام.

وبالعودة الي الفائدة العائدة علي الأسد نجدها تتمثل في الانتقال من الحالة العصابية الاجرامية التي تعكس حقيقتها، الي وضعية الشرعية الانتخابية المزيفة لحقيقتها، بل والمكرمة لتاريخها الدموي الإجرامي ، قبل ان تعود عليها بمكاسب لا حصر لها، اقلها تجاهل جرائمها السابقة، والتستر علي تجاوزاتها اللاحقة؟ وكله بفرية الشرعية الانتخابية وهذا قمة التغبيش للوعي والتزوير للإردة، الذي يقع فيه المهرولون للمشاركة؟ ولذا نجدهم يجهدون انفسهم، لتسويق هذه التجارة البائرة او السلع الفاسدة، بمبررات وحجج لا حصر لها، وعلي راسها الاتكاء علي معاناة المواطنين وفشل المعارضين. وخلاصة هذه الجزئية، ان الانتخابات حل لازمة النظام، وليس حل لمشاكل المواطنين والبلاد بصفة عامة. وبما ان النظام هو اساس المصائب والمؤسس لكل الصعوبات الاقتصادية والاختناقات السياسية، فتاليا حل ازمة النظام تعني، تكريس للصعوبات وتفجير للازمات وتفاقم للمشاكل بمتوالية هندسية! وبكلمة واحدة انغلاق سبل الحل نهائيا، والعكس صحيح. وعليه، الانتخابات ليست بديل ولكنه تعطيل.

ومن جانب آخر، الانشغال بهذه القضايا المزيفة والمفتعلة، يصرف الجمهور عن الاستفادة من اسوأ مراحل النظام والمتمثلة في حصارها في زاوية أزمتها الاقتصادية المستحكمة، مع انعدام الحلول امامها بعد وصولها الي طريق مسدود، وقبلها استنفادها كل الفرص المتاحة، سواء ببيع ممتلكات الدولة وهدر مواردها، او برد دول العالم طلباتها (تسولاتها) المتكررة للمال، او بسقوط ورقة الحصار، وانكشاف سوءة الاقتصاد في العراء؟! كما انها لن تقوي على محاربة الفساد، بوصفه احد اركان الايمان في النظام! وزاد الطين بلة، وضع ميزانية (بطريقة غير فنية، وليس لها صلة بالواقع، وليس مصادفة ان تضع عبء الفشل كله على الفقراء، لتحول الحياة الي جحيم لا يطاق! اي في دولة طاردة بكل المقاييس، بسبب انعدام فرص الحياة اللائقة، يُفرض على المفقرين والمعدمين تمويل اجهزة الدولة المترفة؟! وعموما، مع هذه الميزانية الهلامية التي تحاكي نفخة المشروع الحضاري الكاذبة، لا سبيل امام السلطة الاسدية الفاشية إلا التهور والجنون، وهو ما سيعجل بنهايتها القريبة، او أقله بداية النهاية! وهذه ليست من باب الامنيات الطيبة، بل العكس هذا ما يحمل مخاطر تتناسب مع شكل النهاية ووسائلها، وطريقة تعامل الفاعلين السياسيين معها! ولكن ما نقصده، وبحسابات بسيطة نجد، من ناحية اقتصادية لا سبيل لبلوغ العام2021 بهكذا قدرات اقتصادية متهالكة وطاقات سياسية مستنفدة، إلا في حالة وجود نجدة خارجية، مشكوك فيها، بسبب تذبذب مواقف النظام وانعدام مصداقيته! بمعني، النظام فقد قدرة السيطرة على الاقتصاد، وهذا من اكبر ابواب عدم الاستقرار، الذي تباهي به الانظمة المستبدة، وتستعيض به عن الشرعية. ومن ناحية اخري، ازدياد الضغط الداخلي والخارجي والفشل على كل الاصعدة، سيزيد من تناقضات النظام الداخلية، وزيادة صراعات مراكز القوي وجماعات المصالح، وقد يؤدي هذا في اي لحظة الي ظهور تغييرات مفاجئة، تحاول انقاذ ما يمكن انقاذه، بعد تغيير جلد النظام وادخال تعديلات تحاول ارضاء الداخل الغاضب والخارج المتحفز! وعموما، هذا النموذج الاخير في حال حدوثه، لن يخدم لا قضية الديمقراطية ولا المشاركة ولا اعادة بناء الدولة ولا أموال إعادة الإعمار !

آخر الكلام
بما ان مصداقية الانتخابات عام 2021 مشكوك فيه، بسبب هكذا اوضاع هشة موصوفة اعلاه، فمن باب اولي الالتقاء علي كلمة سواء، والالتفات لما يمكن انجازه في هذه الظروف، وما هي افضل المكاسب التي يمكن الحصول عليها والاستثمار فيها، من اجل عودة الدولة للمواطن والتآلف الى المجتمع وماهي الطريقة المثلى لتعاد الثقة بين مكونات الشعب ويبدو ان سوء الحظ لا يلازم الوطن فقط، ولكن كل ما يتعلق به. وهل هنالك سوء حظ أكبر من وطن، وهبه الله كل اسباب العملقة والتطور، لتتسلط عليه حفنة مارقة تعيث فيه تحطيما وفساداوارتهانا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.