إنتخابات 2021 في سورية (2)

[بقلم د. محمد حاج بكري]

الجزء االثاني:

فماذا كانت المحصلة ونوع الحصاد؟! وهل بعد كل هذه المسيرة المكللة بالاكاذيب والضلال، تبقت مصداقية في صحيفة هكذا نظام عارٍ من الفضيلة ومعادٍ للصالح العام وهل من الناحية الموضوعية النظر للأسد ونظامه من خلال المبادرات المطروحة في كل مرحلة، أم النظر اليه من خلال مجمل المراحل، خاصة وان مرجعيتها الحاكمة لكل المراحل، تتمحور حول السلطة حصريا، بغض النظر عن افرازات هذه العقيدة السلطوية، علي احوال الشعب وتماسك الوطن
بعد هذه الخلفية القاتمة، والتي علي ضوءها يعاد او من سياقها يتم اخراج لعبة (انتخابات2021) كحيلة مستجدة، تستجيب لمرحلة الأسد الراهنة من التلون، هذا من ناحية، ولرهان النظام علي هشاشة قطاع في المعارضة، من ناحية اخري. وكل هذا لا يستغرب في منظومة تعتاش اصلاعلي هكذا حيل والاعيب، لا تستحق حتي التنويه او الانشغال، من فرط ما اصبحت مبتذلة وتثير السخرية والمرارة!

وعليه، يجب الانتباه،وخاصة في مجال اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض و حتي لا نغرق في لجة هذه الاحلام الوهمية والافكار الرغبوية، او التصورات الجوفاء التي لا تسندها اي حوامل واقعية، وهذا عندما لا تكون هي نفسها، تعبير عن حالة الشيخوخة المبكرة، التي اصابت وعي وارادة قطاع كبير من المعارضين النشطين، او هي في حقيقتها خيانة لذاكرتهم او استعلاء بحكمتهم! وكأن مهمة المعارضة هي رؤية حصيلة جهدها كانجاز عاجل، وان كان مغموس في ذل التخاذل والارتهان لقانون الاستبداد العقيم، او الاكتفاء بمجرد اصلاحات شكلية لا تستهدف جوهر الاستبداد، بوصفه اساس كل المصائب التي يرزح تحتها الوطن. وغير كونها مكاسب عاجلة (اصلاحات شكلية او تنازلات صورية) ومشكوك في نجاعتها، في زحزحة صخرة الاستبداد، إلا انها تقطع الطريق امام اي احتمالات لتغييرات جذرية، مهما كانت صعبة الوصول او طويلة المسير، الا انها تظل الوحيدة القادرة علي اعادة الاوضاع الي نصابها،من خلال التراجع  خطوات الى الوراء عن هذه المبادرات والهيئات التي لم تقدم سوى التسويف والمماطلة وبالتالي ضمان سلامة الاجيال القادمة من عدم الشراب في نفس الاناء المسموم، الذي تجرعته اجيال الحاضر واصاب حضورها بالشلل والاكتئاب.
أولا يسعى النظام جاهدا من أجل الانتخابات وحتي يكسبها طعم ولون خاص، بدلا عن المشاركات الباهتة وعدم الاهتمام من المواطنين، الذي وسم الانتخابات السابقة، علي الطريقة الاسدية بالطبع، والتي حاول فيها بكل الحيل لمغازلة واغراء الجمهور بالحضور، ولكن من دون فائدة! الشئ الذي سيجعل فوزه في انتخاباته الخاصة، بطعم لم ينجح احد، وكانه عزاء في جنازة وليس ثقة في فوز! بدلالة، نادر جدا ما يتحدث االنظام  عن مسالة الشرعية التي اكتسبها عبرها، وهذا عندما لا تتحاشي ذكرها، وكانها عار وليس انتصار! وهذا ناهيك عن غياب كل مايمت لتبعات العملية الانتخابية بصلة، سواء علي مستوي المؤسسات او القوانين او الممارسة او هامش الحريات أو الرقابة الدولية وحتى الداخلية والشفافية والمصداقية والنزاهة ..الخ، والحال كذلك، ما قيمة الانتخابات
و من المعلوم بالضرورة، ان العملية باكملها مصممة بمحاولة لاعادة الشرعية المفتقدة والروح المعنوية للاسد  بصفة خاصة ومنظومته بصفة عامة! اي اعادة تأهيلهم شرعيا ومعنويا، عسى ولعل يتم ردم الهوة الهائلة، ليس في نقص الشرعية فقط، ولكن في الفشل الذريع والشامل والاخطاء الكارثية والجرائم الممنهجة، التي تخترق منظومتهم راسيا وافقيا وزمنيا. وما يجهله او يعرفه المهرولون نحو المشاركة، ان هذا الانخراط في المعمعة الانتخابية، يجبرهم على مهادنة النظام والتخفيف من حجم اخطاءه وجرائمه، بل ويصل الي التملق بطرق ملتوية، حتى يتمكنون من تبرير هرولتهم وتبيض مواقفهم! اوليس اللعبة الانتخابية في حد ذاتها عامل مشترك بينهما، وتاليا لهما مصلحة مشتركة في الدفاع عنها بكل الوسائل
السلطة لا تمثل للأسد وسيلة الاحتكار والامتيازات والمحافظة عليها فقط، ولكنها غاية في حد ذاتها وآلية حماية من المحاسبة والقصاص اي امتلاك السلطة مسالة وجودية وليست تفصيل عابر والحال كذلك فمن الطبيعي ، ان يعمد نظام الأسد ، لتفريغ عناصره للسيطرة علي العملية الانتخابية، و تصبح الانتخابات كمهرجانات التسوق، في افساح المجال امام  التزوير المستباح ونهب واهدار المال العام، او كمدخل لغسيل الاموال، او غيرها من مداخل الفساد المباح! وتاليا تتحول الي آلية افقار للشعب المفقر، و انهاك للاقتصاد المنهك! وليست وسيلة اصلاح كما يحلم الواهمون

ثانيا، ما هو ضرر الأسد واتباعه؟ اليس مصيبتنا معه في تلاعبه بالشعارات والمواقف، وعدم استناده على اي مرجعية وطنية، إلا مصالحه الخاصة، وكذلك غياب المحاسبة عن ساحة اعضاءه، وتحمل مسؤوليتها عن اعمالها. بل من الاكرم للمشاركين اللذين قبلوا مبدأ المشاركة في الانتخابات بعلاتها، المعلومة للجميع ، ان يحترموا خياراتهم التي آمنوا وبشروا بها، ويواصلوا في طريقهم حتي النهاية، وبما فيها تهنئة االاسد علي فوزه وان تمَّ بنسبة 110%. لان في ذلك اتساق مع طرحها يجلب لها التقدير

وكأن الغرض من الانتخابات هو الفوز فقط على اعتبار السياسة لعبة نخبة وتدوير للمصالح بينها، وذلك باستغفال الشعوب وشغلها بالشعارات الكبيرة، التي لا تعقبها إلا الاعمال الصغيرة والنتائج التافهة!
في هكذا انتخابات تجري، في ظل بيئة اسدية استبدادية مُسيطر عليها بالكامل، ، وإلا اختلت (نواميس) القيم والمعايير، واصبح كل فرد او تيار مرجع ذاته، وهي مرجعية محصلتها النهائية، هي مصالحها الضيقة، التي بالقطع لا يمكن لها ان تتقاطع مع المصلحة العامة في كل الاوقات. والحال كذلك، المقاطعة نفسها موقف، وان كان من منطلق العجز في تغيير البيئة الانتخابية، إلا انه اكثراتساق مع القناعة الانتخابية ذاتها. اي بوصفها ممارسة طوعية اساسها حرية الاختيار، ولذا هي تأنف حتى من شبهة الاستبداد، الذي يمكن ان يحشر انفه في حق ممارستها، ناهيك عن تحكمه السافر في كل مفاصلها. في هذا الإطار، لابد من التذكير مرة اخري، ان الإنتخابت الحقيقية والمطلوبة ليست غاية في حد ذاتها، ولكنها جزء من منظومة كاملة، تستهدف اعادة تأسيس الدولة السورية علي اسس حديثة، ترد للمواطن كرامته وللوطن قيمته، بعد ان تضع اقدامهما على طريق التحرر والرفاه، والانضمام للأسرة الدولية من موقع المصالح المتبادلة والندية. وهذا ما لن تنجزه إلا انتخابات تستند على دستور محايد وتوافقات وطنية، تشترك في تنظيمها كل الفاعليات الوطنية دون تمييز او محابة لأى عنصر من مكوناتها او طرف من اطرافها! وليست انتخابات مصممة (موجهة) من قبل نظام قمعي، بغرض تجميل صورته، شانها شان صناعة المكياج، الذي ينتهي مفعوله بانتهاء الحفل! والحال هذه، ليس مصادفة ان تصبح مثل هذه النوعية الانتخابية الاخيرة (صالونات التجميل) فرصة ذهبية للمطبلاتية والعطالة والمنافقين ان يشتهروا ويثروا وترتفع اسهمهم ومكانتهم مجانا؟!
وثالثا، بعد ان زادت الازمات السياسية استحكاما والحلول الاقتصادية استعصاءا، بسبب غشاوة الحوار التي القت بظلالها عليها، او اكسبت الاخطاء والفشل والفساد شماعة او منحتها منفذ، وإذا كان كل ذلك حدث، لمجرد حوار لا يمس سلطة الأسد وامتيازاته بالشيئ الكثير، فماذا نتوقع من انتخابات تتقصد الحفاظ على جوهر السلطة (وإلا لا معني لها)! فهل والحال هذه، يسمح نظام الاسد باي مخاطرة تستهدف وجوده حصريا؟ حتى يجوز السؤال، عن ترك المساحة وسهولة الفوز وغيرها من تعبيرات السذاجة والتفاؤل الكاذب المهم، إذا صدرت هذه التساؤلات عن قناعة وليس محبة في الجدل او احباط من بقاء الاحوال على حالها! فعندها نبشر الأسد بطول سلامة، إذا كان هذا كل رصيد دعاة المشاركة في الانتخابات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.