إدارة الفوضى من أفغانستان إلى لبنان

مفهوم إدارة الفوضى – المعنى السياسي
هي إيقاض المتناقضات في المجتمع أو المجتمعات ذات الإستقرار الهش و البنية الغير متجانسة ، من خلال تغذية وإنعاش المذهبية و الطائفية والنزعات القومية العنصرية و الإقليمية والعشائرية و العائلية ،
فضلاً عن الإنقسامات الايدلوجية بين الأحزاب والتنظيمات التقليدية ، مما يغيب مفهوم الهوية الجامعة ، ويؤدي إلى ضياع مفهوم الوطنية و المصالح المشتركة و ينجرف العامة  بإتجاه التركيز على الإختلافات وتجاهل المشترك الذي غالباً مايكون أعمق وأشمل ، وذلك من خلال إستغلال الغرائز والإنجرار وراء غريزة القطيع ، حيث يصبح الأغلبية يتكلمون بالخطاب المنغلق  إما على الدين أو الطائفة أو القومية وماإلى ذلك ، و لا آذان صاغية للأصوات العاقلة حول القيم المشتركة وأهمها الإنسانية والمساواة في الحقوق والواجبات. وتغيب حقيقة التنوع في المجتمع التي هي إغناء و إثراء وليس عامل تفتيت و إضعاف .
 يتم إدارة هذه الفوضى بدراسة بنية المجتمعات دراسة معمقة و معرفتها أكثر مما يعرف أفرادها عن نفسها ، و يرافق ذلك إستحضار أحداث تاريخية و شواهد يتم تحويرها و تضخيمها لتصبح وكأنها قضية الحاضر وبإحتراف المؤسسات الإعلامية يتم  تسليط الضوء عليها و تحويلها إلى صراع وجود  يكاد يظن المرء أنه يعيشها الأن وإن لم يتخذ موقفاً مناسباً فقد يخسر قضيته ووجوده!.
وفي ظل هذا الشحن المعنوي والدفع الغريزي تصبح التصرفات الطبيعية مألاً للشك والتفسير ! ويتم إسقاط الإختلافات في وجهات النظر على شخصية الخصم و خلفيته وأصوله ، وغالباً مايتم إرجاعها وفهمها على هذا الأساس وليس على أساس أنها إختلاف فكري أو إختلاف في وجهات النظر ليس أكثر .
وبوجود بيئة حاضنة من الأمراض الإجتماعية المورثة، ووجود أنظمة قمعية و تسلط وإقصاء من الأنظمة الديكتاتورية وإعتمادها على الولاء المرتبط إما بالطائفة أو العشيرة أو الإقليم ، تُستباح الجغرافيا الوطنية والشعب والدولة و الماضي والحاضر ،و يصبح المستقبل  خارج  الإرادة الوطنية وفريسة سهلة للأطماع الخارجية والقوى المتربصة التي تراقب و تعمق و تفتعل الأحداث وتتغاضى عن الأصوات العاقلة وتلمع وتبرز الأكثر تشوهاً وتطرفاً ، وعند إنطلاق أي حراك وطني ورفض السلطة الديكتاتورية الإستجابة تكون المرحلة مناسبة لتعميق الهوة و البدء بما يمكن تسميته (إدارة الفوضى ).
 ومن هنا جاءت مشاريع (الفوضى الخلاقة) التي تعتمد على نضج التناقضات حيث يتم إنتاج ودعم  تنظمات متطرفة وتركها تقوم بالفظائع و القتل الطائفي والعرقي بحيث تظهر أن الحياة المشتركة والعيش المشترك أصبح من المستحيل! و من ثم تقديم الحلول على شكل جرعات وحسب مصالح القوى الفاعلة صاحبة هذه المشاريع ويتم تسويقها و توريتها بدهاء ضمن سياسة الإغراق الإعلامي الذي يركز على السلبيات و الفضائع و يدعو للإحباط والإغتراب النفسي الذي يجعل الأكثرية تنقاد لأي حل ، وتقبل بأي شكل تتفق عليه الدول صاحبة المصالح ، ويجعل الكثير يتحدث بأسف ،تحت عنوان :(كنا عايشين) .
بالنتيجة مفهوم إدارة الفوضى: يعني القدرة وممارسة النفوذ على  القوى المتشظية والمتنافرة كلها أوبعضها و تسخيرها لخدمة مشاريع القوى الكبرى الفاعلة والمخططة لهذه الفوضى ، ضمن تطور مفهوم الحروب الحديثة وهي أحدث طرق إستغلال مقدرات الدول الأخرى عن طريق مايعرف باسم (الحروب الذكية) أو (الجيل الرابع من الحروب ) 
(دع عدوك يقتل نفسه بنفسه ويدفع لك تكاليف الحرب ).
نحن نعلم أن الفوضى الخلاقة كمشروع هي كوحش مفترس يمكن أن نكون جميعاً شعوبًا وأوطانا ضحيته وفريسته ، و ربما أننا وقعنا فريسة مشروع الإستراتيجية الأمريكة للقرن الواحد والعشرين ، القرن الأمريكي بإمتياز ، الذي بدء بتحويل العراق إلى دولة فاشلة ومختبر لتسعير المرجل الطائفي ، وكسر المعادلات الوطنية وًجعلها غير قابلة للحل ، مشروع الفوضى الخلاقة من وجهة نظر الإمبريالية والذي بشرت به وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية السابقة غونداليزا رايس .
وهي ماطورته الاستراتيجية الامرييكة حديثًا ضمن البراغماتية المعهودة لتصبح تحت عنوان (أعطي الحرب فرصة ) وهي باختصار التعامل مع نتاج الفوضى بعيداً عن ما روجت له في الإعلام عن نشر الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان بل على عكس ذلك وهذا مايفسر الانسحاب من أفغانستان و التعامل مع طالبان ربما لاستخدامها أو الاستفادة منها في سياسياتها المستقبلية في منطقة وسط وشرق أسيا .
 وفي الحقيقة هي فوضى مدمرة للقيم الإنسانية و مدمرة للنتاج الحضاري الإنساني الذي توصلت إليه البشرية في القرن المنصرم ، من مبادئ حقوق إنسان و المنظمة الدولية ومجلس الأمن الذي على الرغم من تسلط الدول الكبرى إلا أن الجميع كان يتمنى إصلاحه للقيام بدوره .

وفي ظل ماسبق تقع علينا كأفراد وجماعات في هذه المنطقة المستهدفة مسؤلية تاريخية فلايمكن الإستسلام في وجه هذه المشاريع المدمرة بل علينا العمل على تدجين هذه الفوضى وتحويلها لإمكانية تغيير شاملة ، وهنا لا أطالب بمشاريع كبرى ولا شعارات ،بل إستغلال الفوضى لإعادة تنظيم  أنفسنا ضمن خصوصيتنا وبما يتناسب مع طبيعتنا والبدء في المستوى البسيط والانتقال من المحلي على مستوى الحي والحارة والقرية ومن ثم المدينة والمحافظة والوطني …الخ .
والعمل على التوعية وتفعيل المجتمع المدني وترك حرية الحركة ومرونتها لهذه  المجموعات الصغيرة والخلايا  بحيث لايمكن لأي قوى خارجية أن تسيطر عليها كلها أو معظمها وبذلك يكون لمن إستطاع أن يفلت من السيطرة و على الأغلب هم الشرفاء والوطنيين المؤمنين بالتغيير إمكانية تعطيل أي مشروع على الأرض مهما كان مدعوماً و مخططاً له .
 وهذا كفيل أن يخرجنا من دائرة الإحباط التي تولدت  كنتيجة للشعور بالعجز أمام التدخلات الدولية و ماكينتها الإعلامية الرامية أصلا لتغذية الشعور بالعجز والاستسلام لتمرير مخططاتها ، وتعميق حالة الاستلاب هذه التي بدونها لايمكن تطبيق أي مخطط خارجي مهما كانت ضخامته الامكانيات المسخرة لتحقيقه ..
وأخيرًا لدينا أهم مانحتاجه لننتصر، 
لدينا القضية العادلة والهدف والكوادر البشرية التي هي الأساس والغاية ، فليبدأ كل منا بنفسه وضمن دائرته الصغيرة ، ولسنا بحاجة – على الأقل حالياً – لقيادة علياً أو جهة ممولة ، يكفي التنسيق مبدئيا والتعاون  بين العاملين في ذات المجال  و البدء بخطوات من الواقع وعلى أرض الواقع في كل بقعة من سورية سواء المناطق  التي تقع خارج سيطرة السلطة الحاكمة والتي تحت سيطرتها في ظل عجز واضح عن قيام الدولة المغتصبة عن القيام بوظائفها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.