يعتبر التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية إلى جانب النظام المجرم بنهاية شهر ايلول 2015 مفصل تحول هام بمسار الصراع السوري ..ليس لما تمتلكه روسيا من قدرات عسكرية وسياسية فقط و يصعب هزيمتها بل الى الرضى او التفويض او التسليم الدولي بادارة روسية للملف السوري .حيث تغاضى المجتمع الدولي عن كل الجرائم التي اقترفتها القوات الروسية عدا بيان من هنا وتنديد من هناك وتعاطف خجول مع الضحايا يصدر احيانا..
تغيرت موازين القوى بذلك التدخل وكان واضحا انه خلق عذرا للمقصرين بمساندة الثورة السورية سهٌل له الابتعاد عن ذلك اللهيب وان كان يتمنى مستنقعا افغانيا لروسيا بسورية في قرارة نفسه…بدى وقتها انه ليسقط النظام السوري يجب ان يتم هزيمة روسيا لذلك بدأت المقاربات للملف السوري للتكيف مع التعامل مع واقع جديد وبدأنا نسمع من الغرب اصواتا تدعو لتغيير سلوك النظام وليس إسقاطه…
ادركت تركيا انها يجب عليها التعامل مع الواقع الجديد لدرء الاخطار عنها وعن حلفاءها فاصلحت علاقاتها مع روسيا وتجاوزت مسالة اسقاط المقاتلة الروسية بالاجواء السورية وايضا اغتيال السفير الروسي في موسكو..وبدات مشوارا من التفاهم مع روسيا التي ضمت لها ايران ايضا ضمن ماعرف بمحور استانا…
انتقلت تركيا بعد التدخل الروسي من التدخل بشكل غير مباشر عبر دعمها لاصدقائها من السوريين الى التدخل المباشر بنفسها واقدمت على اربع عمليات عسكرية لخلق منطقة آمنة في الشمال السوري لم تستطيع الحصول عليها من الامم المتحدة وبالذات الولايات المتحدة الامريكية التي وضعت الفيتو على اي منطقة آمنة تطالب بها تركيا لحماية السوريين من الابادة التي كان يقوم بها الطيران الروسي وحلفائه على الارض من الميليشيات الطائفية وبالتالي حماية الداخل التركي من موجات اللاجئين السوريين التي تتدفق اليه…ولافشال مشروع عصابات قنديل بجعل مايسمى روج آفا حقيقة قائمة على الارض وليست احلاما يحلم بها اشبال اوجلان
كان الفاعل الروسي هو المحدد لمسارات الحرب في سورية ..واكتفت الولايات المتحدة بالتموضع شرق الفرات بحجة مكافحة الارهاب دون تقديم اي حلول بل تعطيل الحل الروسي الذي كان كارثيا وهو السيطرة على كامل الجغرافية السورية واعادة تعويم الاسد وحسم المسالة عسكريا…ولاشك ان التموضع التركي في الشمال الغربي لايقل اهمية عن التموضع الامريكي في الشمال الشرقي في تعطيل الحل الروسي
أسباب الاستدارة التركية الاخيرة باتجاه النظام السوري
لاشك ان السياسة التركية تناغمت مع التغيرات الجيوسياسية الاخيرة في المنطقة ..واصلحت علاقاتها المتوترة مع الدول الرئيسية بالاقليم(المملكة العربية السعودية ودولة الامارات ومصر ودولة الاحتلال الاسرائيلي)..ولا يمكن المقارنة باسباب التوتر او القطيعة التركية بين تلك الدول والنظام السوري ..فلا تشترك تركيا مع تلك الدول بحدود مشتركة ولا بمسائل تتعلق بالامن القومي او مشكلة لاجئين ..بل كانت خلافات سياسية واصطفافات ومحاور مؤقتة هشة ويمكن اعتبارها خلافات سياسية زالت بزوال اسبابها وبدا ان صفحة جديدة تفتحها انقرة مع المحيط الاقليمي بحكمة وتروي فاصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية لايعني تأزيم العلاقة مع ايران والتطبيع الكامل مع الدولة العبرية لايعني اي تغير بالموقف الداعم للقضية الفلسطينية
إن عمق المشاكل وتداخل القضايا والملفات مع النظام السوري في العقد الاخير يجعل من تطبيع العلاقات بين انقرة ودمشق يكاد يكون مستحيلا ..وارى ان من اسباب تلك الانعطافة التركية اتجاه النظام عاملان هامان وكلاهما مرتبط بالداخل التركي:
1—ان تدفق اربعة ملايين لاجىء سوري الى تركيا من دولة مجاورة تعرضت لهولوكست ليس عددا كبيرا قياسا الى عدد سكان تركيا الكبير ..خاصة إنهم يعملون وياكلون من عرق جبينهم ولايشكلون عالة على الحكومة التركية ولكن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن التركي وعدم امتلاك احزاب المعارضة التركية لمشروع انتخابي مناهض لحزب العدالة والتنمية جعل من ورقة اللاجئين مشروعها الانتخابي والمعول عليه بفوزها بالانتخابات القادمة وتمكنت خلال السنتين الاخيرتين من تعميق خطاب الكراهية والعنصرية اتجاه اللاجئ السوري وتمكنها من اقناع الراي العام الشعبي في غالبيته من ان سبب الازمة المالية والمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا وتنعكس عليه هو سياسات حزب الحكومة المسؤول الاول والاخير عن ملف اللاجئين..
وان خطط المعارضة لحل تلك الازمة فيما لو وصلت للسلطة هو فتح قنوات من التواصل والحوار مع النظام السوري …وبالتالي يرى البعض ان خطوات الحكومة التركية تصب في ذات الاتجاه لسحب تلك الورقة من يد المعارضة بل وقيام اجهزة الدولة التركية التي تخضع لسياساتةالحكومة التركية الحالية بالتضييق على اللاجئين وترحيلهم للشمال السوري
2– لم نسمع بتلك التصريحات التركية من قبل ولو تلميحا وانا ارى انها مفاجئة وليست نتيجة سياقات متوقعة بدليل انتفاض الشارع السوري ضدها لانها وقعت عليه وقع الصاعقة..
ولفهم اسباب تلك الاستدارة والتي بدات تلوح بالافق بعد قمتي طهران وسوتشي ..لابد من الاخذ بعين الاعتبار عوامل مهمة اولها ان الرفض الامريكي والاوربي للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري كان حازما وهو لم تتوقعه انقرة والتي بدأت علاقتها بالتحسن مع الناتو بعد الغزو الروسي لاوكرانيا وبروز اهمية تركية الجيوسياسية في الصراع الغربي مع روسيا حيث كان رفع الفيتو التركي عن قبول فنلندا والسويد في حلف الناتو مؤشر عن شهر عسل قادم مع الامريكان ..ولم يحصل ذلك..بل ان القادة الاتراك يمكن ان يكونوا قد توصلوا لقناعة كاملة ان سر الدعم الامريكي لمايعرف بقسد بعد القضاء على تنظبم داعش هو سعي الغرب الى انشاء دويلة كردية على الحدود الجنوبية لتركيا تهدد بتقسيم او اثارة نزاعات في شرق تركيا مستقبلا
ويمكن ان يكون ادراك الرئيس الروسي لقرب حرب باردة او ساخنة تطال الوجود الروسي خارج روسيا قد تكون على وشك الانطلاق(وسورية هي ساحة مثالية لذلك) وبالتالي لابد لافشالها من اجراء اتصال تركي مع النظام السوري لتبريد الخلافات والتعاون معا ضد قوات قسد المدعومة امريكيا او التي هي راس حربة اي مشروع امريكي في سورية وقطع المحاولات الامريكية للتقريب بين المعارضة السورية(حيث لازالت الولايات المتحدة تعتبر قسد من المعارضة السورية) شرق الفرات وغربه والتنسيق بينهما ضد النظام السوري وبالطبع داعمه الروسي ..
وتعويضا عن العملية العسكرية التركية التي ترمي بالدرجة الاولى لحل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا..حيث لايمكن للعملية تلك من تامين ذلك ..حيث ان القوات التركية وحلفاؤها السوريين يفرضون سيطرتهم على مناطق شاسعة لكنها قد تستهدف ناريا باي لحظة (وهو مايحدث بالفعل)..لذلك لضمان منطقة آمنة بالمعايير العملية لابد من التفاهم مع النظام للوصول لوقف لاطلاق النار طويل الامد يراعاه الروس ويفرض على الميليشيات الايرانية عدم خرقه ..وبذلك يتم خلق بيئة آمنة لعودة من يرغب من اللاجئين السوريين في تركيا الى المناطق الهادئة والتي يمكن للحكومة التركية بناء المساكن التي وعدت بها..
ويمكن ان نرى ارتفاع في وتيرة التقارب التركي مع النظام له سقف معين ..مثلا يمكن فتح المعابر الداخلية بين مناطق النظام والمناطق التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني ..وممكن ان يتم تبادل تجاري رسمي والتعامل مع البنك المركزي للنظام السوري وطبعا التجارة التركية مع النظام لم تنقطع يوما عبر ميناء مرسين..
وقد نرى اعادة افتتاح للقنصليات التركية في حلب ودمشق دون افتتاح لسفارة وممكن حصول لقاءات بين مسؤولين اتراك واخرين من النظام …
كل ذلك يجري في ظل الشعور التركي ان انسدادا مزمنا حل بالمسألة السورية وهذا امر تراه انقرة في ضوء رمي حجر في بركة ماء…ولا يخطر على بال احد تخلي تركيا عن المعارضة السورية (العسكرية والمدنية)او التخلي عن حماية المناطق التي تخضع الان للحماية التركية الى حين بروز افق جديد لحل سياسي في سورية..
د باسل معراوي لموقع “سورية الأمل”