روسيا والحرب في وعلى سورية

[بقلم د. جمال الشوفي]

ما فتىء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، منذ العام 2108 بالتصريح بان الحرب في سوريا انتهت وأن البلاد تعود تدريجيا الى الحياة الطبيعية، سوى بعض بؤر التوتر هنا وهناك! ربما تصريحات لافروف هي الأكثر “صدقية” بمعناها لا بحيثياتها، ومصداقية التصريح فقط في كلمة” الحرب” دون زيادة أو بهارات سياسية كالحرب على الإرهاب والانتصار لسورية “الديموقراطية” و”العلمانية”، أو شيء من النكهة الروسية بأنها حرب على أعداء سورية المقاومة والممانعة، فهل انتهت الحرب في سورية فعلاً؟

مضت خمس سنوات ونصف على الحملة العسكرية الروسية على سورية ومدنها الثائرة، تلك التي أرادها بوتين بداية أنها لن تستمر أكثر من أربعة أشهر فقط بدعوى محاربة “الإرهاب” المجتاح سورية، حسب وصف الساسة الروس. وربما لم يكن يحتاج أي محلل عسكري أو سياسي، لا في وقتها ولا الآن، بالكثير من الجهد للتنبؤ بإمكانية التفوق العسكري الروسي خاصة الجوي منه من جهة، ومن جهة أخرى عدم وجود أية قوة مكافئة ولو بحدودها الدنيا عسكرياً من جهة أخرى، هذا اذا ما أضفنا لها الكثير من معايير السياسة الدولية المواربة و”غاضة” البصر النسبي عن مجريات العمل العسكري في سوري، سوى باكتفائها السعي الحثيث لتقاسم النفوذ الجيوبوليتيكي وفق احداثياتها العالمية الجديدة، على حساب اجهاض التحول السياسي السوري وعلى حساب شعبها المطالب بالحرية والدستورية والعدالة وسيادة الدولة والقانون. كما ولا يمكن تجاهل ابداً أدوار الكثير من المعارضات السياسية السورية بتلويناتها الأيديولوجية، ذات “العبرة” التاريخية، ومساهماتها في تردي ملفها السياسي وانجرافها طوعاً، بحسن نية أو عن سوئه، في معادلات الجيوبوليتيك الشائنة في تقاسم النفوذ العالمي عبر سورية كل حسب الجهة التي تمده و”تعشمه” بحصة في ملف سورية القادم سياسياً، روسية كانت أو تركية أو أمريكية أو غيرها، فهل انتهت الحرب في سورية؟

الحرب قد تنتهي عملياتها العسكرية حسب زعم الروس، لكن هل تكتفي الحرب بالعمل العسكري فقط وتوقيع نصرها العسكري؟ الحرب في نتائجها تعني أولاً ملايين المشردين والمنكوبين واللاجئين، مئات المدن والبلدات المدمرة، الحرب ثانياً تعني مستوى حياتي خارج التصنيف العالمي معاشياً وتعليمياً وقضائياً في الداخل السوري، والحرب ثالثاً تعني زيادة “فطرية” (تكاثر الفطر السريع) في نسب الافساد وتجار الحروب والأزمات سواء كانت بالأسلحة والمخدرات والاتجار بالأعضاء البشرية وكل موبيقات الدنيا، والحرب رابعاً تنامي تعطش المسؤولين للتربح بأية طريقة على حساب البلد ومواطنيها، فها هو وزير تربيتها (هزوان الوز) الذي صرح قبل عامين عن المدرسين حين احتجوا على قلة رواتبهم، بما في معناه (اللي مش عاجبه يستقيل) فيما يشبه الشعار “على المخلص للبلد وحربها على الإرهاب ضرورة تقديم مصلحة الوطن على الذات الفردية” وكل هذا بين مزدوجين حكماً! فها هو يهرب، حسب مصادر إعلامية، بنحو 350 مليار ليرة سورية خارج البلد، ومثله الكثيرون من يهربون تباعاً بأموال طائلة من سورية، والتي لا يعلم المواطن فيها ولا بمصادرها، وهل هو بمفرده ام معه شركاء، ونوعية الصفقات التي جمعت هكذا مبلغ، إلا كأخبار مسربة! ومثله، الوزير الوز، ستكشف عنه الأيام تباعاً، فهل انتهت الحرب فعلاً؟

طبعاً ومما لا شك فيه اليوم، تحاول روسيا، بالتوافق و”التناحر” مع كل من تركيا وايران، الوصول لكيفية إدارة ملفات نواتج الحرب العسكرية سياسيا، بحيث يتم التوافق على تحديد أدوار اللاعبين السياسيين في ملف اللجنة الدستورية المعطلة لليوم وفق مجريات وقائع الأرض العسكرية وثقلها، وبالمقابل في محاولة كل طرف، خاصة الروسي، لتقليص باقي نسب الأطراف المشاركة فيه لما يضمن مصلحتها بشكل رئيسي في ملف سورية الأممي، وهي اذ تقوم بعملية بزار سياسي دموي مع تركيا في ملف ادلب ومحاور الخطوط الدولية الواصلة بين كل من حلب واللاذقية ودمشق، تبازر الولايات المتحدة ومن خلفها القرارات الأممية على شكل الوجود الإيراني في سورية وكيفيته السياسية والعسكرية! فهل تنتهي الحرب يا سيد لافروف؟

الحرب غير المعلنة لليوم هي تلك التي أرادتها الإدارة الروسية صريحة بتدخلها المباشر والواضح في سورية، والمترافقة مع تدخل العديد من الدول الأخرى إقليميا ودولياً عبر أذرع عسكرية وميليشوية في العمق السوري، وجميع هذه الأطراف تتفق على مأساة الشعب السوري وكارثته، لكنها تختلف على شكل وكيفية نتائج هذه الحرب اقتصادياً وسياسياً، هي حرب متعددة الأوجه والصفات، فان كانت في عمقها حرب ضد الشعب السوري وثورته الكليمة، إلا أنها أيضا حرب روسية وحلم بوتيني بالتنافس على موقع الريادة العالمية مرة أخرى بعد أن فقدتها بانهيار الاتحاد السوفيتي 1989، وحرب إقليمية متعددة الأطراف الإيرانية والتركية والخليجية سواء على خطوط الغاز والطاقة البرية الممكن مرورها عبر سورية لأوروبا وبقية دول العالم، أو على الصراع المقيت الإيراني بالوصول للبحر المتوسط وحلم الدولة الفارسية مرة أخرى، وحرب بالعمق أيضاً على مخلفات وتركة التأخر التاريخي العربي المتمثل بصراع ديني على سدنة الحكم الإسلامية من جهة، وصراع الأحزاب السياسية الأيديولوجية على مواقع السلطة ومراكز قرارها ونفوذها الاقتصادي والسياسي، فهل انتهت الحرب فعلاً؟

ذات زمن مضى، تساءلت مع الآخرين فيمن تساءلوا: ماذا سيكتب التاريخ بعد مئة عام عن مجريات الحدث العالمي في وعلى سورية اليوم؟ فبغض النظر عن كم التفصيلات الهائلة في موقعة ادلب والبوكمال والجنوب السوري خاصة السويداء المرشحة حاليا لمواقع عسكرية ساخنة، وعن موضوعة اللجنة الدستورية، وعن مرجعيات سوتشي وجنيف في الحل السوري، والذي لم تعد تكفيه مواقع استانة  ك”فضّال” سياسي بينهما، بل تتمدد نحو لقاءات موسكو وأنقرة ذاتها؛ فما لم يكتب التاريخ أنها حرب متعددة الأطراف، لم تنتهي لليوم رغم تصريحات لافروف وغيره، بأعتى وأقذر أساليب أباطرة السياسة والعسكر العصريين على أطفال وشعب وسورية، فبئس كل ما نكتب، وبئس هذا التاريخ بزوره ومكره وبهتانه….

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.