يقولون إنّ الروس لاينامون إلا على وسادة رجل قوي من إيفان الرهيب إلى بطرس الأكبر مروراً بستالين ووصولاً لبوتين…وهم كباقي الشعوب الشرقية يُقدّسون الطاعة بل العمياء منها غالباً.. لذلك لم تتسلّل الديمقراطية إلى مجتمعاتهم بثورات عُنفية أو إصلاحية بل في بعض الأمكنة التي مكّنت الولايات المتحدة ذلك النمط من الحكم لأنه حليف موضوعي للغرب بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وفي ذروة الصراع مع المحور الشرقي في الحرب الباردة أكبر دول العالم مساحةً حيث تَبلغ مساحة روسيا 17 مليون كيلومتر مربع ربعها فقط يقع في الجغرافيا الأوربية…لم تعرف روسيا نظام الحكم الديمقراطي ولم يألفه الشعب الروسي ..فبعد عهود القياصرة الطويل…سرق البلاشفة الثورة الروسية عام 1917 وأسس لينين الاتحاد السوفييتي كاول دولة شيوعية بالعالم تتبنى الماركسية عقيدةً ومنهجاً ..لم تُعمّر الإمبراطورية السوفيتية أكثر من ثلاثة أرباع القرن وإنهارت من الداخل كبيت عنكبوت ..مع أنها القطب الأعظم الثاني بالعالم وتملك أعتى ترسانة نووية ولم تُطلق عليها رصاصة واحدة …تكاملت ظروف ذاتية وموضوعية أدّت لإنهيارها … وبعد اقل من عقد من الفوضى إعتلى بوتين عرش الكرملين قادماً من المؤسسة السوفيتية الوحيدة التي بقيت سليمة بعد الإنهيار الكبير أتى من عالم الkgb وكان شاهداً أيضاً على سقوط جدار برلين والخروج الروسي من القارة الاورببة مدحوراً بل غير ماسوفاً عليه لم يُعامل الغرب روسيا المهزومة (وهي أمّ الإتحاد السوفييتي البائد ووريثه الشرعي) كما عامل ألمانية واليابان بعد تدميرهما على يد القوة الأمريكية الجبارة في الحرب العالمية الثانية ..حيث تمكّنت من تحويل العدو المهزوم إلى صديق ثم حليف محتمل وصولاً للحليف الكامل حيث تُعدّ ومنذ زمن بعيد كلاً من ألمانية واليابان من أوثق حلفاء الولايات المتحدة ..وبدرحة أقل حدث الشيئ نفسه مع فيتنام بعد حرب دامية قَتل الأمريكيون نصف مليون فبتنامي وخسروا 60 ألفا من جنودهم وشكلوا مايعرف بالعقدة الفيتنامية عند الأمريكي…..حيث تُعتبر فيتنام الآن الشريك الإقتصادي الثاني ( بعد الصين) للولايات المتحدة عامل الأمريكان الروس بإستخفاف وإزدراء وبالغوا بشعور النصر الناجم عن تحطيم (او تَحطّم) إمبراطوية الشر بدون تكاليف …والتفتوا إلى إستقطاب العلماء والكفاءات والحفاظ على الصواربخ والتكنلوجية النووية وإبعاد ايدي المافيات عنها…كان الإعلام الامريكي ينقل شامتاً مشاهد طوابير الخبز في موسكو وإمعاناً بإذلال الإمبراطورية المكسورة كانوا يقدمون مساعدات من الطحين لتخفيف الزحام عن الأفران عَاملَ الأمريكان روسيا المهزومة بالحرب الباردة كما عامل الأوربيون المنتصرون ألمانية المهزومة بعد الحرب العالمية الأولى…ومن برلين صعد هتلر ومن موسكو صعد بوتين حاملاً معه كل عوامل الإنتقام والثأر للهزيمة لم تبدأ الألفية الجديدة إلا وقد أنهى بوتين بقسوة حرب الشيشان وأنهى دور عصابات المافيا الروسية التي عاثت بالبلاد فساداً ودان الأمر لقيصر روسيا الجديد القوي والحديدي والذي يخشاه الروس ويحبونه بذات الوقت..فقد وجدوا فيه بطرس الأكبر الذي سيعيد مجد القيصرية العظيم… تملك روسيا عوامل القوة الخمسة الرئيسية فهي تملك الثروات التي في باطن الأرض(نفط–غاز–معادن……) وتملك سطح الأرض القمح والحبوب الاخرى…..وتملك السلاح النووي وصناعات الفضاء…وتملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن…إضافةً لإمتلاكها مرجعية دينية شرقية هامة حيث تُعتبر حامية وراعية الكنيسة الشرقية الأرثذوكسية في العالم لم يَعرف كيف يُوظّف بوتين تلك العوامل لتحقيق حلمه..واستعجل كثيراً بالوقت فقد كان بإمكانه وضع خطط للأجيال اللاحقة لإستعادة روسيا لدورها ومجدها ويبدو أنه أرادها له وحده يريد أن يُحقّقها في حياته فأنشأ إقتصاد الدولة الرأسمالية الإحتكاربة الفاسدة والمعتمد على أوليغارشية تُحيط بالكرملين فاسدة بالطبع وكان ذلك الإقتصاد الرأسمالي يقوم على بيع الريع (نفط..غاز……معادن…..قمح….اخشاب الخ) وبعض الصناعات العسكرية والتقنيات النووية….ويصل الريع إلى المركز…ويقوم بدوره بتوزيعه إلى الأطراف …وبذلك تكون الدولة مركزية صلبة يحكمها شخص واحد ولو كان الشكل الإداري أو السياسي للدولة مؤلف من جمهوريات أو فيدرالي الطابع….لم يَخلق بوتين إقتصاداً صناعياً حديثاً قائم على التصنيع …بل لم يَبنِ أي متشآت صناعية وكل ماهو موجود الآن هو من تَركة الحكم الشيوعي كانت تلك البلاد الغنية الشاسعة تُحكم من رجل واحد تحيط به ثلة من الأصدقاء المقربون أما باقي هياكل الدولة فهي صورية ..وكان يفغيني بروغوجين أحد أهم أولئك الأليغارش المحيطين بالقيصر كان بوتين متمرداً على النظام الدولي وتحت دعاوى الأمن القومي غزى بلداناً مجاورة ..كان ينطلق من عقلية تاريخية ويمزج الدين بالسياسةو يًخلط القومية الروسية مع الأرثذوكسية لتحقيق أحلامه التاريخية الإمبراطورية…ولأنه حانقاً على التاريخ القريب ويتوق لمراحل تاريخية بذاتها أراد استحضارها من التاريخ فتمرد على الواقع الراهن للوصول للإمبراطورية الروسية المُتخيّلة التي تليق أن يجلس على عرشها ويحفظ له التاريخ ذلك…وهذا المتمرد لايستطيع خلق رجال دولة يتعاملون بمنطق ومسؤوليات الدولة مع الداخل والخارج ..فإعتمد على كل العوامل مادون الدولة مثل تحقيق الأهداف الروسية عن طريق شركة فاغنر كعصابة مالية أمنية إجرامية عالمية …إختار لقيادتها أقرب أصدقائه والذي بحكم نشاته وطبيعة مهامه إنقلب على معلمه ويحاول القيصر الإيهام عبر إعلامه أنه كان يتلقى تقارير كاذبة عن حالة جهزوية جيشه وفعالية سلاحه…وتوق الشعب الأوكراني ليكون تحت وصايته…هل كان القيصر ينتظر تقارير إستخبارية من برلين ولندن وباريس وواشنطن تُخبره أن تلك العواصم ستجبن على التصدي له كما فعلت بغزواته السابقة …وأنّ إختراق القارة الأوربية بالعمق سَيمرّ كإختراقه لسورية وليبيا وبعض الدول الإفريقية كثيراً من التهويل والقليل من مرتزقة فاغنر… إنها حسابات الديكتاتور المتغطرس والذي سيقفز من أوهام التاربخ إلى أحلام المستقبل دون المرور بحقائق الواقع…ولن يكون تمرد فاغنر سحابة صيف ومرت بل بركاناً ألقى ببعض حممه من فتحة صغيرة..ولازالت الحمم البركانية تغلي تحت السطح وتبيّن هشاشة القشرة الأرضية الرخوة و التي تُغطيها أو تَحجبها من الإندفاع للخارج[ لايستطيع بوتين أن يتخلى عن فاغنر والفاغنارية …إنها طريقه الوحيد لتحقيق أحلامه ..لايستطيع العمل إلا مع الميليشيات الخارجة عن الدول الوطنية والتي هي من فواعد النظام الدولي …سيحاول بإسلوب الحرباء ان تغير فاغنر جلدها ورأسها ولكنها ستبقى الحرباء…ويملك فاغنر إسلامية سنية بقيادة قاديروف قد تُكلّف ببعض المهام الخارجية والداخلية ايضاً …وسيزيد من عمق التحالف مع ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وأذرعه بالقارات الخمس في هدف مشترك يجمعهما وهو تحدي النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ومحاولة تحطيمه إن تمكنوا من ذلك… سيغرق بوتين في مستنقع أحلامه …وإن نجا الآن من تمرد صديقه..إانه لن ينجُ هو ولن تنجُ بلاده من مصير سلفه العظيم الإتحاد السوفييتي على مبدأ او مقولة يراها البعض صحيحة التاريخ يُعيد نفسه….وسينفجر الإتحاد الروسي نتيجة عوامل ضعفه الذاتية والموضوعية والتي كان الطغيان يحجبها…سَتسّرع الحرب بتهيئة اللحظات التاريخية لإكتمال نضوج الشروط الموضوعية لتشظي الإتحاد الروسي..