ألقت السلطات الألمانية القبض على سوري “للاشتباه القوي بارتكابه جرائم حرب وضد الإنسانية في سوريا”، في الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2015. وتأتي هذه الخطوة الألمانية استكمالا لخطوات سابقة استهدفت أشخاصا سوريين ثبت انخراطهم سابقا ضمن ميليشيات النظام السوري، وضلوعهم على مدى سنوات الحرب في تنفيذ جرائم تعذيب واختطاف وقتل، استهدفت المعارضين.
ممثلو الادعاء الألماني أوضحوا في بيان، إن المشتبه به الذي يدعى “أحمد.ح” عمل كقائد محلي لميليشيا “الشبيحة” المندمجة في “قوات الدفاع الوطني” في حي التضامن الدمشقي.
وعملت هذه الميليشيا بحسب موقع “الحرة” نيابة عن النظام السوري، وجنبا إلى جنب مع الفرع “227” التابع للمخابرات العسكرية السورية، على قمع حركات المعارضة، واعتقلت بانتظام الأشخاص بشكل تعسفي، من أجل ابتزاز عائلاتهم للحصول على الأموال. بالإضافة إلى ذلك، نهب رجال الميليشيا منازل وشقق المعارضين للنظام على نطاق واسع وباعوا البضائع المسروقة.
وشارك المتهم “أحمد.ح”، بحسب الادعاء الألماني شخصيا في الإساءة إلى المدنيين في مناسبات مختلفة.
وفي إحدى الحوادث عام 2013، صفع وجه رجل احتجزته الميليشيا وأمر أعضاء آخرين في المجموعة بضرب المعتقل بوحشية بأنابيب بلاستيكية لساعات.
في خريف 2014، قام “أحمد.ح” مع رجال ميليشيات وموظفين آخرين في جهاز المخابرات العسكرية السورية بلكم وركل أحد المدنيين عند نقطة تفتيش في حي التضامن الواقع في جنوب دمشق، كما أمسك بشعر الضحية وضرب رأسه على الرصيف، ثم قيده قبل أن تقتله الميليشيا. وبين ديسمبر 2012 وبداية عام 2015، اعتقل المتهم 25 إلى 30 شخصا على حاجز تفتيش في حالتين وأجبرهم لمدة يوم على نقل أكياس الرمل إلى خط المواجهة القريب، بحسب البيان الألماني.
مذكرة الاعتقال الألمانية بحق المشتبه به بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية، بناء على تحقيق ومعلومات قدمها “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، وهو مركز حقوقي مقره واشنطن.
وفي التفاصيل قال المركز الحقوقي في بيان، الجمعة، إنه في مايو 2020 تلقى إفادة من أحد الشهود بأن أحد الجناة الذي يُزعَم ارتكابه انتهاكات فظيعة خلال خدمته في ميليشيا “الدفاع الوطني” التي كانت نشطة في منطقة التضامن مقيم في ألمانيا.
المشتبه به والذي يدعى “أحمد.ح” الملقب بـ “التريكس” (جرافة)، كان قد سافر من سوريا إلى ألمانيا وطلب اللجوء فيها، وقام بالاختباء هناك.
بعد ذلك اتجه المركز الحقوقي إلى عملية جمع البيانات المتاحة، والبحث عن الشهود المعنيين، وإجراء تحقيق مفتوح المصدر، ونجح بالعثور على شاهدين ذوي صلة وجمع شهادتيهما.
وفي أوائل عام 2022، أبلغ المركز “السوري للعدالة والمساءلة” الوحدة الخاصة في مكتب الشرطة الجنائية الفدرالية الألماني (BKA) عن المشتبه به وتبادل البيانات ذات الصلة معهم.
في عام 2023، حصل على أدلة مصورة (فيديو) تظهر مشاركة المشتبه به في الانتهاكات، وهو ما دفع الادعاء الألماني لإصدار مذكرة توقيف بحقه خلال الأيام الماضية.
ويقول مدير المركز الحقوقي، محمد العبدالله، بحسب المصدر نفسه إن الملقى القبض عليه ورغم أنه لا يحمل أي رتبة عسكرية إلا أنه كان نشطا في “الدفاع الوطني” وعمل ضمن صفوف الفرع “227” التابع للمخابرات العسكرية سيء الصيت.
ويوضح أنهم قاطعوا معلومات الشهود مع الأوراق الثبوتية الخاصة بـ”أحمد.ح”، بالإضافة إلى اللقطات التي توثق ظهوره مع عناصر الميليشيا في حي التضامن في أثناء ارتكابهم الجرائم ودفن جثث الضحايا في حفر، وذلك بالفترة الممتدة من 2012 إلى 2015.
يعيد إعلان إلقاء القبض على “أحمد.ح” من جانب السلطات الألمانية التذكير بـ”مجزرة حي التضامن” التي حصلت في عام 2013، وتم الكشف عنها في شهر أبريل 2022.
وتتقاطع المعلومات الخاصة بالمشتبه به مع المجزرة بورود ذكر “حي التضامن” من جهة والفرع “227” الأمني التابع للمخابرات العسكرية، من جهة أخرى. ووثق تحقيق المجزرة وأعده الباحثان أنصار شحّود، وأوغور أوميت أونجور، العاملان في “مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية” في جامعة أمستردام، الجريمة بالفيديو وباسم مرتكبها وصورته.
حسب ما أورد التحقيق، آنذاك، فإن المنفذ الرئيسي للمجزرة في التضامن هو العنصر في مخابرات النظام “أمجد يوسف”، والذي كان يشغل بعد عام 2011 منصب صف ضابط “محقق” في فرع المنطقة أو الفرع “227”، وهو فرع تابع للأمن العسكري “شعبة المخابرات العسكرية”.
وكان تسجيلٌ مصور وحيد قد أظهر كيف كان “يوسف” يقتاد مع شخص آخر رجالا معصوبي العينين ومكبلي اليدين إلى شفا حفرة، ومن ثم يدفعهم إليها ويطلق النيران على رؤوسهم وأجسادهم.
لكن إلى جانب هذا الفيديو، الذي نشر وكان أساس الكشف عن المجزرة، وصل إلى يد معدي التحقيق والمحققين 27 تسجيلا آخرا، فيما تحفظوا على نشرها “لاعتبارات إنسانية من جهة وحقوقية من جهة أخرى”، بحسب موقع “الحرة”.
وكان أحد هذه الفيديوهات قد تم الاعتماد عليها في إثبات ضلوع “أحمد.ح” بارتكاب جرائم ضد الحرب وضد الإنسانية في حي التضامن وفي محيطه بمناطق جنوب دمشق، حسبما يوضح الحقوقي العبد الله.
وتظهر إحدى التسجيلات التي لم تنشر، وسبق وأن استعرضت تفاصيلها مجلة “نيولاينز” كيف قتلت سبع نساء يرتدين الحجاب والمعاطف، التي تميز ملابس النساء المحافظات “بشراسة وكراهية”.
كما جاء في تقرير المجلة الذي نشر في 27 من أبريل: “إحداهن صرخت صرخات استغاثة، ولكن نداءها لم يصل إلى أذني قاتلها، بل أجابها بالشتم وتم جرها من شعرها وإلقاؤها في الحفرة”.
جانب آخر من تسجيل مختلف أظهر “امرأتان تصرخان بلا حسيب ولا رقيب عندما يركلهما أمجد يوسف في القبر ويقتلهما، بينما تواجه أخريات مصيرهن في صمت”.
وفي مقطع فيديو إضافي لم ينشر أيضا تدور الكاميرا حول مجموعة من الأطفال القتلى، بما في ذلك الأطفال الرضع الذين تعرضوا للطعن أو الاستهداف بالرصاص، ويرقدون في غرفة مظلمة بينما يتحدث ماسك الكاميرا بإيجاز: “أطفال أكبر الممولين من حي ركن الدين. تضحية لروح الشهيد نعيم يوسف”.
ولخص معدو التحقيق بالنسخة التي نشرتها “نيولاينز” مشاهد وحشية من الإعدام الميداني بعبارة أن “معظم الضحايا يموتون في صمت (…) قليل من التسول والبكاء والصياح؛ يحاول الآخرون المساومة أو التسوية”، ولا أحد يسلّم روحه بسلام.
المقال السابق
المقال التالي