[الدكتور محمد حاج بكري]
كيف فعلتها يا صديقي …. تسللت خارجاً في خريفٍ حزين ، كيف ترجلت وتركتنا في إعصار الفوضى هذا ، ألم تعلم أن رحلتنا لم تنتهي بعد، ونصنا لم يكتمل ، وثمة مستقبلون يلوحون لنا على أرصفة لم نصلها بعد , أما كان لك أن تنتظر قليلاً …. أعلم أن الحزن قد فطر قلبك ولم يعد قادراً على استقبال كل هذا الهم، نصده من اليمين فيأتينا من الشمال ومرة أخرى من الأمام و الخلف، وأنت تذود عن حلمك كما تذود اللبؤة عن أشبالها .كل الأشياء كان يمكن إعادة صياغتها بسيف الزمن القاسي، إلا حلمك ثابتاً كان وسرمدياً في عليائه . كم حزنت وفرحت وضحكت وغضبت، أخطأت وأصبت، وعشت حياتك ما وجدت إليها سبيلًا.
وعندما ينقشع غبار اللحظة لا نجد إلا جوهرة واحدة بين يديك تقدم إليها وحدها قرابين المحبة الأخيرة والصلاة الأخيرة والتنازل الأخير ، ألا وهي (سوريا) مفتاح أسرارك وموجتك النقية الصافية.
لم نكن نتوقع بأن القدر يأخذك منا ويلغي بدوره كل المواعيد التي من المقرر ان تجمعنا سوية مرة ثانية, وتحول هفوات الشوق الى أنين وحسرات على فراقك, ذلك الفراق الذي امسى سفينة مكسورة الشراع، يمثل لسان طاقمها تلك الدموع الجياشة.
بأي الكلمات أرثيك
وبأي العبارات أنعيك
أنت يا من علمتنا قيم الوفاء والاخلاص والعطاء والتضحية
والان لا أجد الكلمات التي تقال في رثائك
كل الافكار والحروف تبعثرت
والكلمات تاهت
تاهت في طيات ذاك الزمان
الزمان الذي كان يجمعنا ومازال حول قضية ومصير شعبنا في الوطن
وها نحن اليوم قد افترقنا جسديا
بقضاء الله وقدره وغدرات الزمن…………
يا أيها الثائر ………..
المناضل …………
يا رجل الوطن والامة وأحد أعمدة المسيرة الوطنية……..
حقا لا اعلم ما به قلمي يقف عاجزا عن وصف ما أنا فيه
فهو مهما كتب ومهما عبر لن يمنحك حقك
فأنت لا الكلمات ولا المشاعر يمكن أن توفيك حقك¨
نعاهدك الالتزام بكل المبادئ التي اقسمنا عليها
نعاهدك ان نمضي قدما الى الامام لتجسيدها على الواقع
نعاهدك باننا لن ندخر جهدا لتحقيق طموح وتطلعات
أبناء شعبنا السوري في الوطن
فلا يسعني إلا أن أقول رحمك الله وغفر لك
إلى رحمة الله وجنات خلده
العزاء والصبر لأسرتك ولأهلك وإلى جميع الرفاق
العزاء لنا جميعًا وإلى جميع أبناء شعبنا في الوطن والمهجر
ستبقى حيًا إلى الأزل في الذاكرة
إن أصعب لحظات العمر أن تفقد رفيق نضال تقاسمت معه مرارة الأيام وحلاوتها، وعشت معه تجارب العمل الوطني والجماهيري.
الإستاذ ميشيل إنسان بسيط مثل وردة، شهم كحصان جموح، دائم الحركة كنحلة. فلاح مع الفلاحين وابن مدينة مع المدنيين ومثقف مع المثقفين- متواضع كأنه ناسك في معبد، صلب عندما يتعلق الأمر بقضية شعبه كأنه الفولاذ. نظيف اليد والقلب والروح. كان أبعد الناس عن طريق الفساد الذي جرف الكثيرين فاغتنوا على حساب معاناة شعبهم، بل عاش وقضى نقيا. يحمل الهم العام ولا يتهرب من مسؤولية ولا يتكل على غيره في إنجازها. لم يغلق نوافذ العقل ولم يكتف بالعمل الميداني، بل جمع الاثنين معا، وهو يحمل الهم العام وينزل به إلى الميدان.
رحل المناضل بكل هدوء مخلفاً من ورائه تاريخ ناصع البياض وترك في قلوبنا حزن وألم على فراقه وهذه هي سنة الحياة التي علمتناء أن مثل هؤلاء الرجال لا يموتون بل يرحلون عنا أجساداً وتبقى ريحتهم العاطرة تفوح بعبق تاريخهم النضالي الفواح في القلوب والعقول ، وأينما ظلوا وأمسوا وعاشوا ، بل ويتعدى ذلك الى حيث ذهبت وستذهب أخبار تاريخهم العابق، المستمد من شذرات الوهج النضالي المعطاء ديمومة واصالة ..
الأحلام لا تموت مادام الرجال يعملون لتحقيقها.
هو رجل دولة ومناضل بحجم وطن. رحل وكانت آخر كلماته أن اتحدوا “لن تقهروا الاستبداد منفردين أو متفرقين .. لن تقهروه إذا لم تتّحدوا في إطار وطني، وعلى كلمة سواء، وأقصد على رؤيةٍ وطنيةٍ جامعةٍ .. رؤية غير هوياتية، وغير أيدولوجية، ففي وحدتكم خلاصكم، فتدبّروا ذلك، متغلّبين على كل الحساسيات والعصبيات والحسابات الشخصية والفئوية، مهما كان نوعها، أو تصنيفها..” هذا هو الفكر وبعض من الرسالة التي آمن بها الرحل. لروحه الرحمة