العيد السوري الحزين.. تدمع له العيون وتقشعر منه الأبدان

يحل عيد الفطر المبارك علينا هذا العام وسوريا وشعبها تعيش واقعاً مراً أليماً، تهتز له المشاعر، وتتفطر له القلوب، تدمع له العيون، وتقشعر منه الأبدان، عيد وبلدنا في رحم الجراح غارق في شلالات الدم، أرواح تزهق في كل مكان، دماء تسيل، أطفال تشرد، بيوت تهدم، بطون تتألم جوع، أعراض تنتهك، ثروات تنهب، أراض تغتصب، حقوق تهضم، شريعة معطلة، وفساد منتشر، وطن مثقل بالجراح، وفي القلب غصة وفي النفس حسرة جراء ما يحدث من جور وطغيان
وطني , على دراجته المثقوبة الإطارين , يطوف الشوارع مذعوراً , بحثاً عن ملاذ , وخلفه يركض موكبٌ من اللصوص بالمدافع , بالهاونات وبالمفخخات , وكلهم يهتفون : يا وطني ! وطني الحزين , وطني الذي جنّ من الحزن.
والنار تأكل كل شيء، ويكاد جلباب الوطن كله يحترق لتذروه الرياح، أتأمل الوطن المذهول من كل شيء حوله وهو يقع، أتأمل الوطن الحزين الذي أصابوا قلبه برمح فلا هو ميت ولا هو حي، صباحات الوطن حزينة وهو الممدد في حجرة العناية المركزة يلوب في وجعه وقد عز الدواء، ومساءات الوطن حزينة فكل يوم رمح يجاور رمحا والآه من خاصرة الوجع عاجزة عن قول آه. السواد يركض بين البيوت والشوارع، ليلبس الدنيا الحداد، آه ياوطن، وجعك صعب، ألمك صعب، حزنك صعب، جرحك صعب، دمعك صعب، صعب، صعب!
من ذا الذي يمكن أن يحتمل دمع حبيبه وهو يتوجع ويئن؟ من ذا الذي يمكن أن يرى نزف قلب حبيبه يهرق على يديه ويفلح في التماسك؟
الثعابين تلدغ، والوحوش تنهش، والرعاع يدمرون الوطن الجميل النبيل، والخونة يهللون كلما سال دم الذمرة في زنازينها لكنها ترشي القتلة لذبح وطنهم البديع من الوريد إلى الوريد صعبة سكاكين الأبناء المأجورين على رقبة الوطن المذهول كيف هان الحبيب لنهوي على قلبه بالطعنات؟ كيف هان الحبيب الحاني الودود لنصرعه بالطلقات؟ كيف هان الوطن؟ كيف هان؟ كيف هان؟ مجرد التفكير في الجواب صعب، صعب، صعب؟

عيد والأسد وشبيحته يقتلون ويدمرون ويتوالى مسلسل فضائح الإجرام، جروح ودماء وتشريد وقتل وعنف وفوضى، والأرض ما زالت مبللة الثرى بدم الشهداء وتختلط الأفراح بصرخات الموجوعين وآلام الثائرين، ونتعايش بمرارة مفجعة مع حملة الابادة والمجازر الدموية والمذابح الوحشية التي يقترفها المجرمون السفاكون ، عيد وسوريا تصرخ وتئن وتنزف مسلوبة جريحة تحت وطأة الأسد المجرم وبأيدي أحفاد القردة والخنازير
عيد وقلوبنا تنزف دما وتعصر ألما على أوطاننا التي هي في أوضاع لا تحسد عليها، جروح جديدة تضاف إلى هذه الأمة المكلومة، والشعب السوري يقتل مثل النعاج، شلالات دم تنزف وتفوح رائحة الدماء في كل مكان، ضحايا وحشية وسادية الحقد ومجاعة وأمة قابضة على الجمر نازفة تدفع الثمن غاليا، ، ودبابات الوطن وأسلحته موجهة لا لحماية الشعوب من الأعداء، ولكن لحماية الأعداء من الشعوب
عيد ووطننا يعاني من القتل والعنف والتفجير تحت رايات جاهلية وعصبية عرقية ليصبح وطنا ممزقا تلعب به حفنة من الملالي في إيران وبعض ناكري الجميل وخونة الوطن الذي سلموا عقولهم لجهلة مجرمين ليغرق الجميع في صراعات دموية، حتى يسهل عليهم اختطاف أوطاننا والسيطرة عليها
كم في وطننا من خائف ؟! وكم فيه من جائع ؟! وكم فيه من مشردين قد مزقتهم الفتن والحروب يأتيهم العيد تحت وابل النيران والبغي والعدوان، باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والغيرة على الدم السوري الذي يباع ويشترى في بورصات السياسة المزورة وقتل يأتيهم من الذين رفعوا يافطة الحرية والعدل والمساواة ولا يطبقونها عليهم!!‏‏
عيدهم ليس عيدا وفرحهم ليس فرحا، والعيد لم يطرق كل الأبواب، أتي العيد لكنهم لم يجدوا طعما للعيد ولم يستقبلوه بالثياب الجديدة والابتسامات، وهل تتسع الحياة للسعادة والابتسام مع العنف وحمامات الدم؟ هل هناك مكان للسعادة حيث يستوطن الحزن والألم؟ كيف نشعر أننا في عيد ووطننا مثخن بأنواع من الجراح، مكلوم في مجالات شتى، نذوق الويلات ونعاني الانهزامات والانقسامات ولا نكاد ننسى مصيبة حتى تباغتنا أخرى، ومستقبل قاتم ينتظرنا، وعدو غاشم يكيد لنا، ومؤامرات تحاك لنا؟ حتى العيد سرقوه منا فجاء ونحن نعزف لحنا جنائزيا ونذرف ينابيع من الدموع الحزينة ونرفع رايات بلون الدم
اختلطت أفراحنا بآمال كبيرة بأن يخلص الله سورية من أزمتها، لتستقر أوضاعها وينعم شعبها بالأمن والحرية والكرامة، العيد هذه الأيام لا طعم له ولا رائحة ولا لون، الأعياد التي كنا نعرفها سابقاً لها معنى خاص ولكنها لم تعد موجودة حاليا، عيد ونحن نردد هذا البيت الكئيب للمتنبي: عيد.. بأية حال عدت يا عيد.
سنحاول أن نفرح بالعيد ويظل للعيد نكهته الروحية المتجذرة في وجدان كل مسلم، وتظل جذوة الفرح والأمل مشتعلة حتى إن تراكم عليها رماد الحزن والألم والأماني المجهضة، يا رب أعد لنا عيدنا الذي نريده في سورية الحبيبة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.