حرب الدول العميقة

الحرب في أكرانيا طويلة وتستنزف الجميع.
الحرب تستنزف روسيا بشدة وتستنزف أوربا وأميركا.
الدولة العميقة في أميركا اليوم هي التي تقاتل وتتخذ القرارات ورموز هامة من هذه الدولة العميقة حول الرئيس بايدن أصلاً.
بوتن استطاع اخضاع الدولة الروسية العميقة لإرادته بنسبة كبيرة لوجوده على رأس السلطة التنفيذية من فوق ومن الداخل لأكثر من 22 سنة بلا انقطاع.
واستطاع بوتن أن يخضع الدولة العميقة إلى حد كبير والأربعة الرئيسيون الذين يستشيرهم أو يملي عليهم هم وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية ورئيس هيئة الأمن الفدرالي الروسي التي كان يترأسها بوتن من قبل .
ولكن خطر زوال بوتن ما زال بأيدي المتنفذين في الدولة العميقة إذا ازدادت الأمور سوءا من النواحي الاقتصادية والعسكرية والسياسية والنفسية وهذا ما تسعى إليه أميركا وحلفائها وتسعى إلى مخاطبة الدولة الأكثر عمقاً في روسية بشكل سري أو غير مباشر…ودائما كان للولايات المتحدة نفوذ منظور وغير منظور داخل روسيا وداخل اقتصاد روسيا وداخل عائلات المسؤولين الروس فعدد من أفراد عائلات المسؤولين الروس أصلا في أميركا ودول الغرب.
عندما دخلت روسيا أكرانيا باتجاه العاصمة كييف استنفرت كل قواعد الناتو بإشراف أمريكي سريع وعاجل وكانت قواعد النيتو في أوربا كخلايا النحل باستنفار كامل أي 24 ساعة لسبعة أيام في ألاسبوع.
وأرسلت الولايات المتحدة مئات صواريخ ستنغر المضادة للطائرات ومئات صواريخ جازفين المضادة للدروع إلى أكرانيا بسرعة قياسية غير مسبوقة في سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه وأوعزت الولايات المتحدة إلى كل الدول الاوربية المجاورة التي تملك هذه الصواريخ إلى ارسال كل ما في جعبتها إلى أكراني فوراًا مع الخبراء في الإطلاق والتدريب تحت مسمى فيلق المتطوعين الذي كان أسرع وأكبر فيلق متطوعين أجانب تشكل في العالم.
وكان وجود ضباط بريطانيين على الأرض الأكرانية في وقت مبكر قد أجبر رئيس وزراء بريطانيا أن يقول أن هؤلاء قد تمردوا وتطوعوا بدون إذن أو أمر رسمي.
أما استخدام الاقمار التجسسية العسكرية الامريكية ذات المدار المنخفض فلا أحد يستطيع ان يجزم بأي معلومة تفصيلية عن عددها وقدراتها سوى أن نتوقع أن كل بقعة صغيرة في أكرانيا تغطيها الأقمار الصناعية على مدار اليوم والأسبوع تصويرا وتوجيها وتنصتاً.
فإذا علمنا أن أميركا في حرب العراق 2003 قد استخدمت 12 قمرا عسكريا تجسسيا ضد قدرات الجيش العراقي التي كانت مستنزفة لاثني عشر سنة…فماذ نتوقع في حرب أكرانيا ومساحة أكرانيا تقارب مساحة العراق وسورية سويةً والقدرات التي تواجهها أميركا هي قدرات ثاني قوة عسكرية في العالم.
قام حلف النيتو وخبراء النيتو في القواعد وعلى الأرض داخل أكرانيا بالمهمة كاملة في البداية وقاموا بتدريب الأكرانيين وكانت مهمة الأكرانيين بعد تدريبهم كمثل يا جندي هناك خلف البيت أمامك دبابة فالتف عليها من اليمين واضربها بجازفين وهو مضاد الدروع الأحدث في العالم …. اضرب تحت اشرافنا وتوجيهنا ….
ووجهت الأقمار العسكرية الطائرات المسيرة لضرب أرتال من الدروع الروسية دفعة واحدة.
وكشفت الأقمار عورات الجيش الروسي الذي اكتشف قادته فجأة أن قطع غيار كثيرة مسروقة من الدروع والدبابات وأن الصيانة كانت وهماً وأن الفساد قد نخر الجيش الروسي نخراً وانكشفت (صفقات قطع الغيار الجديدة مقابل الفودكا)…الفودكا التي كانت المشروب الروحي الذي يمكّن الجندي الروسي من القتال…فلا وجود لكراهية الخصم المطلوبة بشدة في الحروب.
وكان لابد من حجب المشاهد والتفاصيل عن الإعلام فهناك رجال غرباء لا يجب الالتقاء بهم وأسلحة حديثة لا يجب أن يصورها أحد فلم نر في هذه الحرب مراسلاً حربياً حقيقيا واحداً…
وكل ما استطاعت الجزيرة وغيرها تغطيته هو من مراسلين على بعد كيلومترات عديدة أو عشرات من الكيلومترات عن خطوط القتال أسموا أنفسهم مراسلين حربيين.
وكانت الصور الوحيدة المسموحة للعرض هي من وزارة الدفاع الأكرانية.
وعندما اكتشف بوتن حجم الكارثة باتجاه كييف انسحب وحشد باتجاه شرق وجنوب أكرانيا وهناك الأرض مديدة منبسطة .
وكانت أميركا مستعدة و النيتو مستعد أيضا.
فسمعنا فوراً بمدافع الهاوتزر الأمريكية بجيلها الجديد الذي يمتاز بالخفة وسرعة الحركة مع تقنيات طورت في كوريا الجنوبية فزودت المدافع بنظام ملاحة يشبه ال GPS. وربط الراصد والرامي بالأقمار الصناعية للتوجيه والتصحيح.
ومرة أخرى كان أسرع إرسال لأسلحة ثقيلة بهذا الكم في التاريخ حيث وصلت خمسون قطعة مدفعية فعلاً لأكرانيا وتتبعها أربعون.
بعد دخول الشهر الثالث للحرب على أكرانيا نستطيع أن نقول أن بوتن قد دخل في مستنقع أكراني خطير ومديد…وفُرضت على روسيا عقوبات غير مسبوقة ويبدو أن القطب الأميركي وأتباعه الغربيين يريدون أن تنهزم روسيا في أكرانيا وأن لا يخرج بوتن من أكرانيا إلا مستنزفاً مقصوص الجناحين….ويصرحون بأن الحرب ستطول حتى يحصل ذلك.
وليس أمام بوتن حينها إلا استخدام القنابل النووية التكتيكية التي تدمر كييف وما حولها فقط وعندها قد تتحرك الدولة الأكثر عمقاً في روسيا فتعصي أوامر الإطلاق وتنقلب على بوتن…
الانقلاب الداخلي على بوتن هو أملٌ ومسعىً للولايات المتحدة تتمنى حصوله بأقرب فرصة فالاستنزاف الاقتصادي الشرس يطال أميركا وأوربا وكل العالم.
ويبقى سؤال مهم كبير هل سيستثمر أحد على الأرض السورية هذا الوضع الدولي المناسب المستجد الفريد….أم سينتظر الجميع ساكنين حتى تعود ناتاشا من طرف بوتن حاملة السيف لتقطع الرؤوس المنتظرة.

د.أسامة الملوحي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.