الاختلافات البنيوية في المجتمعات العربية التي قامت بربيع الشعوب العربية

[بقلم د. باسل معراوي]

أصبح الواقع العربي حديثا زاخرا بالامثلة والنماذج عند التكلم بالعلوم الاجتماعية والسياسية حيث كان الباحثون يلجؤون للواقع الغربي عند شرح نظرياتهم….

ففي مصر وتونس من جهة..وسورية واليمن وليببا وهي الجمهوربات العربية التي انجزت التوريث او كانت في سبيل الوصول اليه عند موت الرئيس الاب..حدثت الثورات..

تمتلك البلدان الخمسة ظروفا سياسية واجتماعية متقاربة..وتمتلك منظمات واتحادات وجمعيات ونقابات وشباب متحمس يجيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حيث بامكانهم الدعوة لتجمع او احتجاج او تظاهر بمعنى تحويل الواقع الافتراضي الى واقع عملي…وعند انطلاق الثورات سارت مصر وتونس في منحى والبقية في منحى آخر..

حيث ليس كل ضغط على الزناد وإطلاق ثورة سيؤدي لتغيير نظام .بل ان اطلاق هذه الثورة في مجتمعات ضعيفة قد يؤدي لتفتت البلد او الدخول في حرب اهلية

والسبب ان هذه الدعوات التي اطلقت للتظاهر صحيح كانت متشابهة بشكلها ومضمونها لكن المجتمع التي تلقاها مختلف.
تختلف بنية المجتمع في مصر وتونس اختلافا جذريا عن بنية وتطور المجتمعات في سوربة واليمن وليبيا والبحرين.

بمعنى ان المجتمع يختلف عن كونه مجتمعا تعاقديا(مدنيا) او مجتمع طبيعي (اهلي).

لو نظرنا للمجتمعان التونسي والمصري سنجد انها تطورت اكثر من غيرها فيها تفرد للفرد وتطورت مؤسسات الدولة وترسخت اكثر وحصلت على شرعية من المجتمع لوجودها ووظائفها بحيث تشكل مايمكن ان نطلق عليه هوية للمجتمع تفوق بل تتفوق العلاقات بين افراد هذا المجتمع على العلاقات الاهلية(الوشائجية)..حيث لانجد مثلا ذكر لاسم العشيرة او القبيلة في مصر الا بجهات محددة وضيقة..ويستعمل لفظ القومي في مصر كناية عن الوطني حيث نجد مثلا تعابير الهيئة القومية للاثار (ويكون المعني المصرية بالذات)والمعهد القومي للابحاث الخ…

بمعنى اذا انتفض المجتمع ينتفض كله كاملا وليس اجزاء منه..بحيث لايرى جزء من المجتمع ان الانتفاضة ضده.
ايضا الدولة(كمؤسسات )متطورة وراسخة الى درجة انها تستطيع ان تميز نفسها عن النظام..وبالتالي يستطيع الجيش ان يتخيل نفسه بدون هذا الرئيس وان يتصرف بولاء للدولة وليس للنظام…

المجتمع المدني القوي يتمايز وبنفرز عن دولة قوية…ان الدول الضعيفة هي الني تنتج مجتمعات ضعيفة تظهر بشكل اوضح في الاطراف غالبها جهوي او عشائري او طائفي.

بحيث دائما الدولة القوية تحتاج مجتمع مدني قوي وهما كالمرآة التي تعكس بعضها.

بليبيا مثلا عندما تمت الدعوة للثورة لم يكن هناك دولة بل طغمة حاكمة والجيش عيارة عن كتائب مسلحة ترتبط بعلاقات عشائرية او ولاءات شخصية للزعيم او احد ابنائه..بشكل يؤكد ان ليبيا ليست دولة بل ترجع الى عصر ماقبل الحداثة.

في البحربن مثلا وقف كثير ممن ايدوا الربيع العربي موقفا مغايرا باعتبارها حالة مذهبية بتحريض خارجي (وقيل التحريض الخارجي عن مصر وليبيا ايضا)..المختلف هنا ان المجتمع المدني البحريني لم بستطيع تمييز نفسه عن الانتماءات الطائفية ولم تتبلور هوية مجتمعية بحرينية مدنية جامعة .فورا الطائفة السنية اخذت موقف معادي للحراك الشعبي وتماهت مع النظام الحاكم(السني)..لانها نظرت الى الحراك بان الطائفة الاخرى من المجتمع تريد سلبها امتبازاتها.

في سورية والتي ايدلوجبتها المرفوعة عربية قومية وتتكلم بالوحدة والاشتراكية غير قادرة على انشاء هوية وطنية جامعة وهي لم تفعل ذلك فقط بل ساهمت بتفتيت الهويات وبروز هويات طائفية وقومية واهلية لاضعاف المجتمع وتمزيقه خوفا من وحدته…بمعنى فشل الدولة السورية من تكوين امة سورية (الدولة الامة)والذي كان ماثلا ايضا في دول الربيع العربي عدا مصر وتونس.

وقد قام النظام السوري بالتعبئة على الهوية الجزئية ولجأ الى تخويف الاقليات الاخرى ..بانشائه مايتعارف عليه بتحالف الاقليات.ساعده في ذلك بروز خطاب طائفي (ردا على خطاب طائفي من جهته)..اصبح يقدم تعابير النظام النصيري واخواننا النصارى الخ..

لكن لابد من الاشارة لحالتين في منتهى الاهمية تصدى فيهما المجتمع الاهلي لدور المجتمع المدني ..

ففي تونس وعند اندلاع الاحتجاجات اثر احراق البوعزيزي نفسه كصرخة احتجاج والم على واقع مؤلم.

خلال الاسبوع الاول الذي قاد الاحتجاجات واستمر بها هم اهل البوعزيزي واقربائه وابناء حيه وبلدته…هذا الاسبوع من الاستمرار الذي كان مطلوبا وحاسما في انتشار الاحتجاجات في بقية ارجاء تونس.

نفس الشيئ حدث في سورية عندما طالب وجهاء درعا من عاطف نجيب اطلاق سراح الاطفال المعتقلين..اهانهم واسمعهم كلاما قاسيا بل مشينا ابت نفوسهم الحرة من احتماله ..الامر الذي ادى لاندلاع الاحتجاجات الشعبية في درعا فقط ثم تضامن نواحي وبلدات حوران معها الى ان تم انتقالها كالنار في الهشيم في بقية انحاء سورية.

وانني على يقين تام بان مسالة الهوية والمجتمع المدني التي فشلت الدول العربية في حلها ستحلها الشعوب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.