ليست القبيلة أو العشيرة حزباً سياسياً ولا فصيلاً عسكرياً بل إنها مجموعة بشرية تسكن الأرض وتستمدّ هويتها منها ..وهي تعطي الشرعية والمشروعية للغير ولا تطلبها من أحد…لذلك لاتخسر العشائر حروبها ولو خسرت مرة واحدة لما بقيت في أرضها قد تنكفئ في معركة أو مرحلة ولكن أهل الأرض لايخسرون حروبهم ..لذلك واهم من يظن أنّ العشائر يُمكن أن تُهزم … وقد يتم فرض ما لايناسبها عليها لفترة من الزمن ولكن الحمم ستنفجر بالتأكيد من فوهة البركان عند إزدياد الضغط …
وبعد أن أرغت واأزبدت عصابات قنديل في تسلّطها على منطقة تضم طيف واسع من المكونات عاشت مع بعضها بإخاء وسلام لقرون طويلة ..ولايسجل تاريخ الجزيرة والفرات اي خلاف أهلي أو نزاعاً قام بين العرب والكرد والتركمان والآشوريبن والسريان…وكانوا يأكلون من نفس الأرض ويشربون ماءاً من نفس الغيمة…وكان الفرات وطنهم وموطنهم…
أثبتت عصابات قنديل أن الأيدلوجيا لاتتواءم مع الجغرافيا ولا ترتبط بها ولا تتعايش معها …أحضروا معهم من جبال قنديل كل الأفكار الماركسية البائسة بل البائدة وحاولوا فرضها على المجتمع المحلي …مكنتهم القوات الامريكية من الأرض ومن رقاب الناس ..وكانت في البداية تقتضي مصالحها التعاون مع هكذا تنظيم متماسك وصلب وشمولي وغريب عن المنطقة ومكروه من أهلها ولايرى سبيلاً لبقائه والحفاظ على مكاسبه إلا بالتماهي أو الإنخراط الكامل بالأهداف الأمريكية …لذلك لم تعتمد الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش على قوى جاهزة ومن اهل الأرض ولها حواضنها المجتمعية …فلم تتحالف مع الجيش التركي القوي في هذا المشروع لأنه لن يكون أداة طيّعة يُنفذ ولا يعترض ..ولا وافقت على التحالف مع قوى وفصائل عربية وكردية محلية لقتال التنظيم الإرهابي…
ولن يظنّن أحد انّ الولايات المتحدة كانت بغافل عما تصنعه تلك العصابات من سياسات على الأرض بطريقة إدارتها لشؤون السكان وتجاوزها على كل الخطوط الحمر من أعراف وتقاليد بل وقيم دينية أيضاً…كما أنّ تمكين الولايات المتحدة لتلك العصابات لم يقتصر على القوة العسكرية فحسب بل مكنتها من إستغلال الثروات في تلك البقعة الغنية سواء كانت في ظاهر الأرض أو باطنها
وبالتأكيد وبما أنّ الولايات المتحدة دولة غير عقائدية وتجري وراء مصالحها ولا عداوة دائمة أو صداقة دائمة لها مع أحد ..فإن تبدّل وتغيّر الظروف سيقتضي تَغيّر المصالح والتخلي عن أدوات قديمة لم تعد لها فائدة ضمن المتغيرات الجديدة والبحث عن حلفاء جدد يكونون هم الأساس في السياسات القادمة لإمتلاك هؤلاء الحلفاء الجدد ميزات لاتمتلكها الأدوات القديمة..
وبالتأكيد كانت الولايات المتحدة تعلم بدقة ممارسات قيادة مجلس دير الزور العسكري السيئة بحق سكان المنطقة العرب وتعلم مدى كره العشائر لأحمد الخبيل والذي تسلّط على رقاب الناس من قبل قسد ….ولم تَسعَ إلى تغيير ذلك المجلس العسكري بالرغم من قدرتها على ذلك بجرة قلم أو اتصال تلفوني …وتعلم مدى تعنت عصابات قنديل ورفضها الحوار البنااء مع بقية كرد المنطقة (والتي تدعي تمثيلهم وحمايتهم) حيث باءت كل جلسات الحوار مع المجلس الوطني الكردي بالفشل بل تم ممارسة القتل والإعتقال وكمّ الأفواه وحرق المقرات كما نعلم جميعا….
ويعلم الجميع مدى سطحية بروبوغاندا عصابة قنديل بأنّ العرب يُشكّلون الأغلبية العددية في قوات سوريا الديمقراطية حيث وهذا صحيح بالمظهر وليس بالجوهر..حيث كانت قوات قسد هي الخيار الوحيد لأبناء العشائر العربية لتحرير مناطقهم من داعش ومنهم من إستمر معها كمصدر للعيش والرزق برواتب ضئيلة قياساً لم تنهبه عصابات قنديل من النفط السوري ..ومنهم من رآها أهون الشرّين عندما كان يقارن بين العيش شرق الفرات أم غربه تحت وصاية الإحتلال الايراني…
وهذه الكذبة أنّ العرب يُشكلّون أغلبية عددية في قوات قسد ليس بإختيارهم طبعاُ إنما املتها الظروف عليهم …وقد اثبتت أحداث السنوات السابقة عدم توقف الإحتجاجات السلمية والتمرد المدني على ممارسات عصابة قنديل بكل المظالم كفرض التجنيد الإجباري وفرض مناهج تعليمية لاتُناسب بيئة المنطقة والمصاعب الحياتية المعيشية …وبالطبع لكل إحتلال خارجي أعوانه وعيونه وأدواته من سكان المنطقة التي يحتلها فقد تمكّنت عصابة قنديل من شراء ذمم شيوخ قبائل وعشائر عربية وأغلبهم تم صناعة مشيختهم وزعامتهم حديثاً وبسبب توفر المال والجاه والسلاح
كانت كل الظروف الموضوعية لإندلاع إنتفاضة العشائر جاهزة وتبقى الظروف الذاتية أو الشرارة التي ستولد الإنفجار ….
كان أبو خولة الخبيل طامحاً وطامعاً أكثر مما ظنّت عصابة قنديل التي صنعته ..فأخذ يتمرد على بعض من قرارتها ويحاول تمييز نفسه عنها بتقديم نفسه كوجه عربي شريك وليس تابع لها وقام بتمرد مسلح على معلميه منذ مدة قريبة وحقق مكاسب وتوهّم أنه بإمكانه أخذ حصة أكثر مما خصص له …وبالطبع لم تنقطع الشكاوى عليه من سكان المنطقة وسوء إدارته وتصرفاته ولم تلقَ إستجابة لا من التحالف ولا من عصابة قنديل
كانت تَنضج ببطء تغيرات في سياسة الولايات المتحدة في سوريا وفي شرق الفرات خصوصاً أولها التقارب مع أنقرة وبالتأكيد سيكون ذلك على حساب تنظيف المكون الكردي السوري من عصابات قنديل وتغلغل كوادرها كالعلق في جسم قسد ..ودفع الكرد السوريين لفتح قنوات إتصال حقيقية مع أنقرة وإشراك المكون العربي أكثر فأكثر بإدارة المنطقة وقرارها السياسي والعسكري ..والبدء بتنفيذ وعود لطالما أعربت الولايات المتحدة عن النيّة في تنفيذها في إجراء تنمية إقتصادية ومجتمعية في المنطقة مع الشروع ببناء نموذج حوكمي مقبول يحارب الفساد ويتيح للمجتمعات المحلية حكم نفسها بنفسها عبر إختيار من يحكمها….
وتحتاج المنطقة لبروز زعامة شعبية عشائرية عربية تلقى دعماً وتأييداً محلياً وعربياً وتركياً تَمثّلت ببزوغ نجم شيخ عشيرة العكيدات إبراهيم الهفل البعيد عن أي إرتباط مع نظام الأسد والميليشيات الإيرانية والذي كان على خلاف مع أحمد الخبيل الفاسد..ويلقى قبولاً من دول الخليج كوجه عربي بارز في تلك المنطقة والتي تمتد اواصر الروابط العشائرية بين العشائر العربية على امتداد الخليج العربي وسوريا والعراق…
لم تعتقل عصابة فنديل أحمد الخبيل بعد إستدراجه إلى إجتماع في إستراحة الوزير بالحسكة إلا بقرار أمريكي (كما يعتقد البعض) حيث تبين للإستخبارات الأمريكية مدى عُمق علاقة الخبيل وإرتباطه بالمشروع الإيراني لتهريب المخدرات عبر الحدود العراقية السورية وقد يتعدى الأمر للتورط بما هو أكبر….وبما أنّ القوات العشائرية العربية ستكون رأس الحربة في المشروع الأمريكي القادم لإغلاق الحدود العراقية السورية ..فإنه ينبغي التخلص من قيادة قذرة مكروهة شعبياً ومرتبطة بعلاقات وثيقة بالعدو…وتولية مكانها قيادة عسكرية عربية لمجلس دير الزور العسكري بعد إعادة هيكلته والحصول على دعم شعبي للمجلس الجديد من شيوخ مشهود لهم بالنزاهة مثل الشيخ ابراهيم الهفل والشيخ حاكم البشير من شيوخ قبيلة البكارة العربية..
وفي النهاية حاولت عصابة قنديل سحق المقاومة العربية (والسلاح أحد اوجه تلك المقاومة وليس كلها ) ولم تتمكن من ذلك وستدور الدائرة عليها لتضافر جهود العرب (من اهل المنطقة) والترك والأمريكان أنفسهم لتحجيمها إانشاء مجلس دير زور عسكري جديد يتبع إسمياً لما يسمى بقوات سورية الديمقراطية وبكون عملياً الذراع الأرضية للإمساكى بالمناطق بعد عبور النهر من الشمال إلى لجنوب وتحرير البوكمال مع إخوانهم من نفس العشائر تقع الآن تحت سيطرة نظام الأسد والميليشيات الإيرانية وتتوق للحرية والتحرر..
المقال التالي