[بقلم د. محمد حاج بكري]
الجزء الأول:
هل يصح لنا كسوريين ان نتداول كلمة انتخابات وهل بالفعل هناك متنافسون وبرامج ورؤيا وأحزاب وكتل ضغط وبالأصح هل عرفنا انتخابات منذ مجيئ ال الأسد الى السلطة ام أن الشعار المتداول على مدار نصف قرن من الزمن الأسد للأبد لازال ساري المفعول بنكهة فيها من الهزل والسخرية مايدعك تجمع بين الضحك والبكاء على وطن مغتصب
نظام الأسد ليس قويا، ولكنه يستفيد من امكانات الدولة ومقدراتها وسيطرة الجهاز الأمني عليها وحالة الضعف المؤسساتي والفساد والهشاشة السائدة، والتي استثمر فيها طويلا. الأسد ليس اكثر من آفة متطفلة تعيش علي امتصاص دم الأعداء وهم (المواطنين) وانهاك عافية الجسد وهو (الدولة).
وبالطبع دون وضع أي اعتبار لآثار ذلك على الشعب ليس علي الضحايا فقط ولكن علي وجوده لأنه من غير شعب معافى وسليم ودولة متكاملة ومتماسكة لا يوجد إلا الفراغ والذي ينتج لا محالة من تشظي المجتمع وتفكك وانهيار الدولة وفشلها ومن ثم استدعاء كل من هبَّ ودبَّ، للانقضاض والسيطرة علي الدولة المنهارة، واخذ مصالحه مهما بلغت منها بثمن مجاني، وهذا عندما تتحول الي ساحة منازعات دولية، بقدر ما يدفع شعبها الثمن غاليا (من فقدان امنه وشبابه ونهب ثرواته) وبقدر ما يصبح ابعد ما يكون على التحكم بمصيره، ناهيك عن عدم المقدرة في الدفاع عن كيانه ومصالحه.
وبما ان النظام هو الأقوى والأقدر نسبيا في حالة الضعف السائدة، بسبب السيطرة على الدولة فهذا ما يجعل مبادراته هي صاحبة الصوت الأعلى رغم خواءها المضموني، ويعلم الجميع بمآربه من هذه الإستحقاقات المشبوهة وعلى رأسها الانتخابات المقررة لإعادة انتخاب بشار الأسد والاصعب والأمر عندما تقابل هذه المناورات (الصفقات المريبة) بالتهليل والتكبير والمدح والتسبيح، ممن يفترض انهم الاكثر خبرة ودراية بخفايا وخبث منظومة الأسد وخاصة من الموالين بعد أن ذاق الجميع المر والعلقم ، والتي لا تختلف عن الكيان الصهيوني في نظرته المتوحشة الإستعدائية والاستعلائية والاستغلالية للفلسطينين، ولكن من دون ان ترقي لوعي وحنكة الكيان الصهيوني، الذي يجيد قراءة الاوضاع الداخلية ويستفيد من مزايا الاوضاع الخارجية، التي تخدم اهدافه علي المدي الطويل. اي يستثمر في المعرفة والتخطيط الاستراتيجي، وليس في الكذب والفساد والشعارات الجوفاء، الوا قع فيها نظام الأسد، والتي يبدو انها اخذت من الصهيونية اسوأ ما فيها. وباختصار اجتمعت في نظام الأسد خصلتان، الحقد الفائض على الشعب السوري بكافة مكوناته وعدم الاكتراث لعواقب الاخطاء والجرائم والكوارث (ادمان المغالطة والمكابرة والمتاجرة).
وهذه التكتيكات المراوغة التي اتبعتها منظومة الأسد منذ بزوغ نجمها المشؤوم في سماء البلاد هي في الحقيقة لا ترقي ل(نظرية المؤامرة/الماسونية) التي تفترض وجود جهاز عقلي او منظومة مفكرة، تمتاز بالتخطيط والانضباط، وحساب كل صغيرة وكبيرة، بل علي العكس، سلوكياتها وممارساتها اقرب للنزعة الحيوانية والكائنات البدائية، التي تعتمد علي غريزتها في حماية نفسها وحفظ وجودها. بمعني، بقدر ما هي حساسة تجاه المخاطر الآنية، وما هي متبلدة تجاه الاخطار بعيدة المدي التي تستهدف وجودها وهذا غير نفورها من العمران والتنمية والرفاهية واندفاعها بكل تهور وجنون لاشباع رغباتها بصورة مفرطة وليس مصادفة ان تقوض هذه المسالك الطفيلية السمسرية الشرهة، كل ارث الماضي وفرص تنمية الحاضر. اي كما ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، هي ايضا غباء محكم وتبلد محير، او هي تعطيل لجهاز العقل وتدبير التعقل، وانفتاح اعمى تجاه تعظيم وسائل الحماية العارية وتكريس للقوة الخشنة، والتي لمفارقة الاقدار تصبح هى ذاتها وسيلة نهايتها الدامية، اي ردة الفعل من ذات الفعل، وعلى الباغي تدور الدوائر
المهم، ما ساعد الأسد علي التكسب السهل او استمرأ التكتيكات المرواغة للبقاء، جزء منه هو وجود عناصر وتيارات معارضة، لها قابلية الانجذاب لهكذا الاعيب مفضوحة بل وللمزيد من السخرية، قد تَمنح (الالاعيب) نوع من المشروعية والنزعة الوطنية، وذلك عندما تصر علي ان الهدف من الرضوخ للمبادرات الكاذبة، هو المصلحة الوطنية العليا، ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين ، الذين يرزحون تحت نير الفقر والبؤس والتهجير وحذف الخدمات من ساحة حاجاتهم الاساسية ولكن بعد الانخراط في تلك المبادرات واكتشاف (المكتشف مسبقا) من سراب الوعود والاماني السندسية، او فشل المنخرطين في قنص الفوائد المرجوة او انخفاض سقفها (وبعضهم اي فتات يرضيه لقلب مواقفه وتحوله الي أسدي شرس) نرجع فورا لمحطة البكاء والعويل وشتم االأسد ورجالاته ووصمهم بالغدر وخيانة العهود، ..الخ مما يعلمه الجميع، من غير ان يتعظ من هم علي الدرب سائرون؟! هل نحتاج لأدلة مع اختلاف مراحل الأسدية ، حتي لايذكرنا البعض بإسطوانة تغير الظروف واليكم بعضها:
بدأ انظام الأسد اول خطوات التلاعب بالمعارضة والشعب، من خلال الموافقة وتحت الضغط المصطنع على المؤتمرات والإجتماعات جنيف واستانة وغيرها ودعى لها افراد وكيانات من مواقع عديدة ، وأُدعي حينها بوجوب محاربة الإرهاب والحفاظ على الدولة السورية ماذا حدث بعدها؟ تم تسعيِّر الحرب والقصف والإستخدام المستمر للأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والطيران والمدفعية وكل مايملك من أسلحة ذات الطاقة الهائلة للإفناء ؟
وايضا تم بعدها الشروع مباشرة في تطبيق سياسة التهجير باسم التحرير، والمراد بها اعادة امتلاك اصول الدولة وموارد المواطنين، وذلك بالتوازي مع حرمان المواطنين من ابسط حقوقهم الاساسية، بل تعدي الامر لتصفية مؤسسات الدولة من كل العناصر المناوئة والمشتبه بها، كتمهيد لسياسة التمكين او غنم مؤسسات الدولة بوضع اليد (في اعادة لمنطق الغزو ومسلك الغارات وثقافة السلب والنهب، اي ردة نحو التخلف والهمجية) وبعدها تناسلت مبادرات التأييد وخاصة العشائرية وغيرها ،
وذلك بالتزامن مع وصول الحرب لذرى عليا من العنف والعنف المضاد، وما يستتبع ذلك من اكلاف هائلة في الارواح والموارد، وآثار الحروب الاليمة، التي لا حصر لها، علي الضحايا وبيئاتهم ومستقبل الدولة ككل وليس بمستغرب ان هنالك افراد وكيانات متبلدة الحس والضمير، اغتنت واشتهرت بسبب الاستثمار في تلك الحروب، والاتكاء عليها لتسويق العنصرية والفتن، من اجل التكسب منها سياسيا واعلاميا وماديا (النازيون الجدد، ولو انهم اقل مخاطرة بامتيازاتهم، واكثر شراهة لتعظيم ثرواتهم!). وهي ذات الفترة التي انفتح فيها النظام علي اغراء المعارضة، بالدخول معها في اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض دون ان تردع مؤسسات الثورة لدغة نكوث او لطمة غدر المرة تلو الاخري) وهم يهرولون من اتفاقية لاخري ومن مبادرة لغيرها، ومن دون ان يثمر هذا الحج ولو ثمرة متعفنة، بعد كل هذا الطواف حول كعبة، لا تحوي سوي الآيات الشيطانية والشعوذة والفجور؟ بل حتي القرارات التي فرضتها القوي الدولية لم تنجُ من اساليب التلاعب في التنفيذ، واستبطان الغدر لافراغها من مضمونها حتى تم شبه الاجهاض عليها. وقد ساعد في ذلك، تقاعس وقلة خبرة متصدري المشهد في امور الحكم