بدعوة من معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية شاركت يوم 14 اكتوبر /تشرين الأول 2021 في مؤتمر سياسي علمي عنوانه: “الأوروأطلسي وروسيا: الخطر من الجنوب” وأقيمت الجلسة في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية (مغيمو).
وقد تقدمت بمداخلة بعنوان: “السياسة الأمريكية والروسية في سوريا” وعلقت على مداخلة أحد الخبراء المرموقين في روسيا والمعروف عالمياً وهو السيد أندريه كورتونوف مدير المجلس الروسي للشؤون الدولية. وكان عنوان مداخلته” نموذجان: الأول هزيمة أمريكية في أفغانستان والثاني انتصار روسي في سوريا”.
وساتوقف عند مداخلتي أولا ثم تعليقاتي على مقالة السيد كورتونوف.
تساءلت بداي لماذا عنوان الجلسة العلمية هو الخطر م نالجنوب؟ أليس الاخطار التي شهدها المشرق والجنوب اغلبها من الشمال والغرب؟ لنتذكر ماذا فعلت امريكا في افغانستان والعراق وغيرها. لقد جاءت امريكا بحجة نشر الديمقراطية واسقطت نظام صدام حسين متهمة ايهاه زورا بان لديه اسلحة دمار شامل واتضح لاحقا انها كذبة كبيرة والأنكى من ذلك أن أمريكا سلمت العراق لنظام الملالي الايراني على طبق من ذهب. ونعرف جميعا ماذا حصل في العراق وهو اغنى دولة عربية واقواها عسكريا وعلميا. لقد دمر الجيش العراقي وقتل أغلب العلماء العراقيين وقتل حوالي مليون عراقي وتم نهب ثروات العراق النفطية كلها من قبل المحتلين الايرانيين والامريكان وحول جزء كبير منها الى ايران لتمويل الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. واليوم العراقيين ليس لديهم الماء ولا الكهرباء ويسود الظلم والجوع والتمييز الطائفي في وضح النهار. أي أن امريكا وحلفائها حولوا اقوى دولة عربية الى حظيرة لايران ومنبع للطائفية.
ويدعي الغرب أنه ينشر قيم الحرية والديمقراطية في المشرق والجنوب ولكنه حقيقة ينشر الدمار والنهب ويدعم الانظمة الاستبدادية ولا تهمه إلا مصالحه الخاصة والجيوسياسية والتي لا تخلو من اهداف معادية لحضارات شعوب المشرق: العرب والمسلمين والصينيين وغيرهم.
وقبل أن نتحدث عن الموقفين الأمريكي والروسي في سوريا، نقول أن النظام الاسدي منذ تأسيسه عام 1970 تم الاتفاق مع قوى دولية مؤثرة تعطي ضمانات لبقاء النظام بشرط أن يقوم بأدوار معينة مثل حماية حدود اسرائيل وقمع اي تحرك شعبي نحو الديمقراطية فلا يجوز ان تكون هناك دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط غير اسرائيل! لذلك اتضح للسوريين أن لا أحد يريد مساعدة الشعب السوري لتحقيق طموحاته المشروعة في التخلص من نظام شمولي فاسد وفي بناء دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الانسان.
ونتذكر كيف وقف نظام الاسد مع أمريكا في العراق وكيف قتل الفلسطينيين خدمة لاسرائيل وكيف أهان اللبنانيين ونهب ثرواتهم بضو اخضر امريكي وكيف حارب العراق وبعث له انتحاريين ليموتوا ويقتلون بنفس الوقت الابرياء في بغداد ومدن العراق تحت شعار محاربة الاحتلال الامريكي وهذ حجة مزيفة. وكيف حارب تركيا باستخدام ورقة حزب العمال الكردستاني حيث قتل آلاف الشباب الكرد بدون جدوى.
كما أن النظام الاسدي قام بتحويل سوريا الى سجن كبير وحرم السوريين من ابسط حرياتهم الانسانية واملدنية والسياسية ونهبت عائلة الاسد ومن حولها من المرتزقة ثروات البلاد وامتلأت السجون بأحرار سوريا. فقد قتل حتى اليوم حوالي مليون سوريا ودمرت البنية التحتية وتم تهجير 14 مليون سوري من منازلهم جوء الى خارج البلاد وجزء الى مناطق أخرى خارجة عن سيطرة النظام.وهناك مئات الالاف من الاطفال المحرومين من التعليم وتدهورت الاوضاع الصحية وانتشرت المجاعة والمرض وانعدم الأمان. واصبحت سوريا محتلة من عدة دول ومن ميليشيات داعشية قومية وطائفية .
وماذا فعلت امريكا في سوريا؟
كأن الغرب بقيادة أمريكا توازعوا الأدوار حيال الوضع في سوريا. ففي البداية أوهمونا أنهم مع الشعب السوري وكفاحه المسلح ضد نظام قمعي مارس أبشع أنواع الاضطهاد الوحشي ضد الشعب السوري، لكن الدور الأمريكي لاداراته المختلفة كان عدم السماح باسقاط نظام الاسد واتخذت واشنطن سياسة “إدارة الازمة” بدلا من حلها وانهاء معاناة الشعب السوري.
وجدير بالذكر أن قضية محاربة ظاهرة الارهاب اصبحت مثل قميص عثمان أي حق يراد به باطل. فبحجة مكافحة الارهاب الذي جلبه الى بلادنا دول واجهزة استخبارات عالمية واقليمية ويحركونه كما يريدون ومتى يشاؤون.
ولمحاربة الارهاب يجب فهم اسباب هذه الظاهرة وهي الفقر والاوضاع المعيشية وضعف الوعي والتعليم وانتشار الافكار المتطرفة على خلفية العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية االسائدة في منطقتنا في ظل أنظمة فاسدة وقمعية في نفس الوقت.
وماذا فعلت روسيا في سوريا؟
دعمت نظام الاسد القاتل لشعبه بكل ما تستطيع وفي كافة المجالات وحققت بالفعل تصرا عسكريا لا يشرفها لأنها دولة نووية عظمى حاربت فصائل معارضة باسلحتهم المحدودة فهم لا يملكون الطائرات.
ويبدو أن تدخل روسيا العسكري كان برضى أمريكي وغربي بحجة محاربة الارهاب وهذا كذب فالحقيقة انهم لا يريدون ان يسقط النظام ليس حبا برأس النظام ولا بحاشيته بل بالدور الذي يقوم به من خدمات للدول الكبرى والاقليمية على حساب الشعب السوري وشعوب المنطقة.
والسؤال الذي يراودني دائما هو : لماذا لم تقدم روسيا اي مبادرة للحل السياسي في سوريا سو ترديد شعارات جوفاء تتحدث عن القانون الدولي وسيادة الدول وحق الشعب بتقرير مصيره وهم اول من يخرق كل تلك القوانين والقيم العالمية.
والى اليوم لا تمتلك امريكا ولا روسيا اي مبادرة للحل في سوريا فهما متفقتان على ما يبدو في اضعاف سوريا وتحويلها الى دولة فاشلة لكي يتمكنوا من فرض الحل الذي يريدونه على مقاسهم .
تعليق على مداخلة الخبير الروسي كوروتونوف:
يتحدث كورتونوف عن “هزيمة أمريكية في افغانستان وانتصار روسي في سوريا”.
- لكنني اعتقد أن الولايات المتحدة لم تهزم في افغانستان وانما فعلت مثل العراق اقطت النظام وسملت العراق لايران ومعروف ماذا فعلت ايران من تخريب في المنطقة امام اعين الغرب كله. اي ان الولايات المتحدة سلمت السلطة في كابول لحركة طالبان (المصنفة ارهابية لدى الغرب وروسيا) والدليل هو ان كمية مرعبةى من الاسلحة بقيمة 85 مليار دولار تحولت الى ايدي طالبان. وبالتالي برأيي ستقوم طالبان (السنية) مستقبلا في آسيا الوسطى وتجاه الصين بنفس الدور التخريبي الذي لعبته ايران الصفوية الشيعية في المنطقة العربية. اما روسيا في سوريا فبالرغم من نصرها العسكري يصعب الحديث عن وصول روسيا الى تحقيق استقرار في سوريا. فسوريا دولة فاشلة محطمة اقتصاديا ومجتمعيا وهذا خطر على مصالح روسيا نفسها. وروسيا وايران عاجزتان عن تقديم الدعم الاقتصادي للنظام لاعادة اعمارا لبلاد وبالتالي سيبقى الوضع في حالة كارثية ومتردية ويشكل قنبلة موقوتة ليس ضد الشعب فقط وانما ضد النظام وحلفائه قبل غيرهم.
اذا امام روسيا تحديات كبيرة وهي ماذا جنت في سوريا سوى استخدام 350 صنف جديد من الاسلحة جربتها على الارض السورية وكانت نتائجها كارثية بالنسبة للسوريين.
ويقول الخبير كورتونوف: أن الاسد لديه حاضنة شعبية لا يستهان بها واثبتت ذلك الانتخابات الرئاسية الاخيرة في سوريا!
- لكن الخبراء يقولون ومنهم مقربون من الجهات الرسمية الروسية تحدثوا بضمير وقالوا ان الذين انتخبوا بشار الاسد لا يزيد عددهم عن 2 مليون ونصف. بينما اعلن نظام الاسد انه حصل على اصوات اكثر من 13 مليون. وهذا كذب طبعا لأن منبقي في ظل النظام عددهم لا يزيد عن 9 ملايين ويستطيع نصفهم المشاركة في الانتخابات ولذلك جاءت تلك النتيجة المتدنية. بينما السوريين تعودوا على اكاذيب النظام ومسرحياته الانتخابية على مدى 50 عاما.
- ولذلك من المؤسف ان نسمع خبراء معروف عنهم نظرتهم الموضوعية للاحداث بأن يرددوا اكاذيب النظام حول حاضنته الشعبية المزيفة.
- لا يتحدث الروس عادة عن ثمن كل ما جرى في سوريا من خسائر بشرية ومعاناة انسانية بسبب وحشية النظام الذي يسعى البعض الى تلميع صورته ونسيان جرائمه الكبرى ضد الشعب السوري.
اذا ما نظرنا الى ما جرى في سوريا وادوار اللاعبين الكبارو الاقليميين نقتنع بأن هناك تفاهم دولي اقليمي على تحطيم البنية التحتية واجراء تغيير ديموغرافي وفرض شكل جديد للنظام السياسي وكذلك فرض خارطة جديدة في المنطقة تعيد النظر باتفاقية سايكس بيكو التي رسمتها فرنسا وبريطانيا على اسس جغرافية. اما خارطة اليوم فترسمها امريكا واسرائيل وروسيا ولن تكون على اسس جغرافية بل على اسس اثنية وطائفية ودينية.
والسوريين ليس لهم غير النهوض من تحت الرماد ورفع راية الوطنية السورية عاليا. سوريا لكل السوريين . سورية حرة ديمقراطية.