الارتباط الوثيق بين سورية وأوكرانيا إنعكس على الساحة السورية بقمة جدة الاخيرة…
فان تعقد قمة تاريخية تضم تسعة دول عربية مستقرة..وغاب عنها الدول التي تدور في المحور الايراني او غير مستقرة داخليا او لاتتشاطر نفس الرؤية مع الحاضرين..
قمة تهتم بكل مايتعلق بشؤون المنطقة والعالم ويغيب عنها ملف نازف وعذابات وانٌات وآهات وظلم ومعتقلات…الملف السوري ورد بشكل خجول مرة على لسان ولي العهد السعودي ومرة على لسان الامير القطري وتمت الاشارة اليها بالبند رقم 13 اشارة سريعة …مع علمنا جميعا ان الحاضرين في جدة والمستهدفين من عقد المؤتمر هم جميعا منغمسون بالملف السوري ولهم مواقف واضحة ومعلنة من الصراع الدائر.
كان يقينيا للشعب السوري والثورة السورية تحديدا انه اعتبارا من 30 حزيران 2012 وصدور اعلان جنيف عن القوتين الاعظم بالعالم…ان المسالة السورية تم تدويلها ولم يعد للسوريين الاثر الاكبر في حلها
هل يدور الصراع الدولي في سورية ام على سورية؟ قد تختلف القراءات لكنها تتفق ان السوريين هم الوقود وان بلادهم هي الملعب..
بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية والرغبة الدولية بتعهيد الملف السوري للدور الروسي بانتاج حل توافقي بلاغالب ولامغلوب ..لم يتمكن (او لم يرغب ) الرئيس الروسي في ذلك وحاول حسم الملف لصالحه ولم يسمح له بذلك دوليا…فدخل الملف السوري تماما بما يعرف بادارة الازمة لارتباطه او تشابكه بكل الملفات الاقليمية والدولية…
كان الامل ان تحين اللحظة او الفرصة التي يتم التقاء مصالح جميع الاطراف فيها على الحل اوحل..
كانت ادارة الازمة كلها منوطة بالقوتين الاعظم روسيا والولايات المتحدة..وكانت مظاهر ذلك بتريد حرارة النزاع وتوقف خطوط القتال دون هدنة ..والاستمرار بادخال المساعدات الدولية والمسارات الدولية للحل باشراف اممي ودون ارادة حقيقية بالوصول لحل…حيث كان الطرف الروسي مازال يحلم بحسم الملف لصالحه والاستفراد بسورية وجعلها نقطة الارتكاز الرئيسية في مشاريع عودة روسيا الى الساحة الدولية كقطب عالمي
بعد الغزو الروسي لاوكرانيا ..بدأت حقبة دولية جديدة…اساسها الصراع على تعدد القطبية الدولية واصرار الولايات المتحدة والغرب عموما على عدم التفريط بها ..وكانت المعركة العسكرية باوكرانيا بين الولايات المتحدة والناتو بالوكالة والجيش الروسي بالاصالة ..هي جزء من الحرب الكونية الدائرة لعزل روسيا عالميا عن الاقتصاد والسياسة والديلوماسية وتجفيف الحلفاء واحاطتها بالاعداء (وهي الطريقة المثلى او المفضلة و التي تنتهجها الولايات المتحدة بحرب خصومها…
من الطبيعي ان تنهار كل التفاهمات والتوافقات وحتى ادنى اشكال التواصل ببن الاتحاد الروسي والولايات المتحدة(وفي سورية كانت تلك التفاهمات غير المكتوبة هي من يرسم الهدنة الهشة القائمة )..
ولاكتمال الاستراتيجية الامريكية بعزل روسيا عن العالم وبناء الجدار الحديدي حولها ..لابد من إخراجها ليس من نظام سويفت المالي او سوق الطاقة العالمية و..الخ بل من اماكن نفوذها الاستراتيجية في الشرق الاوسط حول منابع الطاقة العالمية وخطوط نقلها ومن الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط احد ينابيع الغاز في العالم …
إن وصول الطاقة من الشرق الاوسط الى اوربة والاستغناء على الطاقة الروسية هو جوهر الصراع في الشرق الاوسط الان…وهو الشعار الذي عقدت قمة جدة تحت سقفه…فلايمكن الفصل بين الامن والطاقة…
لم تخف أجندات المؤتمر وتصريحات الرئيس بايدن ذلك…ان الشرق الاوسط يجب ان يكون خاليا من النفوذ الصيني والروسي والايراني…
نجح مؤتمر جدة قبل ان ينعقد كان جليا حجم الاخطار المحدقة بالمنطقة ..وان إضعاف النفوذ الايراني او الروسي في المنطقة سيكون الهدف ..وقد بدات اولى نتائج القمة بالظهور حيث اعلن ولي العهد السعودي زيادة انتاج المملكة من الخام الى 13 مليون برميل يوميا وهي الطاقة القصوى اليومية لبلاده وبذلك عمليا يكون قد اطلق رصاصة الرحمة على منظمة اوبك بلس والامال الروسية بابقاء سعر برميل النفط مرتفعا اولا ..ولايؤدي زيادة العرض الى الاستغناء عن النفط الروسي
ملامح ظهور المسرح السوري كحلبة للصراع الدولي
إن سورية هي الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط التي يتواجد فيها العدوان معا ..حيث تحتل ايران وروسيا ثلثي الارض السورية ..لذلك إن إخراج روسيا من سورية سيعني إخراج روسيا من الشرق الاوسط وشرقي البحر الابيض المتوسط وارجاع روسيا الى حدودها…
1– كان واضحا اللامبالاة الامريكية من تجديد قرار دخول المساعدات الانسانية الاممية الى سورية وقد حاول الروس المناكفة واجهضوا القرار الغربي الذي هو استساخ للقرار الماضي الذي وافقوا عليه..آملين بذلك إتصالات أمريكية معهم لثنيهم عن استخدام الفيتو…
لم تجر اي اتصالات امريكية روسية بهذا الشان وتم اعتماد المشروع الروسي (والذي لايختلف جوهره عن المشروع الغربي الا من ناحية المدة) ومع ذلك لم يرن هاتف المندوب الروسي بمجلس الامن لتتكلم معه المندوبة الامريكية للتفاهم على حل وسط
2– كان المقال الذي كتبة الرئيس الامريكي بنفسه بجريدة الواشنطن بوست قبل قيامه بجولته الشرق اوسطية يشي ان الملف السوري ليس من الملفات التي سيبحثها بجولته بغض النظر عن الامن والطاقة وازمة الغذاء العالمية ذكر الرئيس الامريكي المشاكل او الصعوبات التي تمر بها الملفات التالية(الملف اليمني والفلسطيني واللبناني والليبي والعراقي..)دون ذكر الملف السوري …مما يعني ان لاافق لاي مشروع سياسي جاهز الان او في المستقبل القريب..طالما ان الروس موجودون في سورية على الارض عسكريا وسياسيا
3— كان قرار المبعوث الاممي للملف السوري غير بيدرسون بتاجيل الدورة المقترحة القادمة للجنة الدستورية إلى أجل غير مسمى هو إطلاق رصاصة الرحمة على المسار الوحيد المتبقي من مرحلة ادارة الازمة بالتفاهم بين الامريكي والروسي
4– لذلك من البديهي ان لا يتضمن البيان الختامي لقمة جدة اي إشارة جدية لمقاربة سياسية للملف السوري ..
لقد تبلور محوران واضحان في المنطقة الاول بقيادة الولايات المتحدة ويضم دول الخليج العربي ودول محور الشام الجديد والغائبان الحاضران تركيا ودولة الاحتلال الاسرائيلي..يقابله محور الشام القديم طهران- دمشق –بيروت..صنعاء…مع الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الايراني كلها بما فيهت حركة حماس مدعومة من ايران وروسيا والصين…
ان سورية ستكون الساحة المفضلة للحرب الباردة والرمادية للمحورين المتصارعين ..ويمكن ان تكون الحدود الاردتية حتى البوكمال مرورا بالتنف ساحة جس النبض الرئيسية وتوجيه الرسائل وبالونات الاختبار ..
ولاشك ان تحرير اراض جديدة من سلطة قسد وضمها لمناطق الجيش الوطني وحليفه الجيش التركي سيصب في خانة الصراع الدائر الان ..بما يضعف من النفوذ الايراني والروسي في سورية ..
تشبه (بكل اسف) الحالة بسورية حالة اوربة عشية الحرب العالمية الاولى ..كل الخصوم موجودون على الارض وكلهم ايديهم على الزناد..وقد فات زمن التفاهمات وان اي خطا غير محسوب من اي طرف قد تغجر الموقف كله وليس معروفا الى اين سيصل الشرر بعده.
د.باسل معراوي لموقع “سورية الأمل”