أكبر أعداء الثورة غالبا ما يكون الثوار أنفسهم، فالثورة لدى الكثير من قادتها هي صك على بياض حتى لكل ما هو أسود.
يتصور الثوار أنهم وحدهم من دخل لعبة الموت من أجل غيرهم، وهم من لهم الحق في صياغة لعبة الحياة بدل أولئك الغير.
المعادلة الصعبة، وحتى المميتة هي أن شرعية الثورة تأتي من الظلم في المرة الأولى.
أما في الثانية فيستمد الظلم شرعيته من الثورة.
تبدأ القصة بتمجيد الثورة، والتهليل لها، ثم الإساءة لما قبلها، وحتى لما يحتمل أن يكون بعدها.
وبمنطق نحن من كسر القيود، أو من حطم الباستيل، أو من حررناكم، يصبح الثوار هم من يعرف مصلحة الشعب أكثر من الشعب نفسه، وهم من يرسم علاقاته ومنظومته القيمية، تبعا لما يرددونه، ويسمعونه هم فقط. وتتحول ثورة الشعب إلى ثنائية (ثوار وشعب)، ثم إلى أوصياء وقصر.
وتحت لافتة تحقيق أهداف الثورة تصبح سلطة الوصاية سلطة مطلقة فوق كل سؤال، ومعصومة من كل نقد.
وتحت لافتة حماية الثورة تبدأ صناعة الأعداء، أنصار الملكية، أو الرجعية، أو الطابور الخامس، أو الثورة المضادة، أو أتباع النظام السابق، وغيره، وتتحول هذه المفردات إلى اتهامات جاهزة تلاحق الكل، بعد حملة شيطنة واسعة.
هكذا تتآكل هيبة الدولة أمام هيبة الثورة، وتتمدد سكاكين الثوار إلى رقاب الثوار أنفسهم، في صراع على من يحكم دولة ولاية الوصاية الثورية أو القيادة الثورية.
ويتحرك تاريخ الثورات على شكل دائرة مغلقة، ليتكرر كولاج الدماء والدموع في كل مرة.
فقد تدحرج رأس دانتون تحت نفس المقصلة التي تدحرج تحتها رأس لويس السادس عشر وهو يقول: “أن الثورة تأكل أولادها”.
ولم يكن الفأس شعار لعلم البروليتاريا، بل هو الذي يحطم رأس تروتسكي، لتنتهي الثورة الدائمة، كثورة عائمة بالدماء، فهي على رأي ستالين، لا تصلح لها قفازات الحرير.
ويتحول رفاق أتاتورك في حفلة عشاء صاخبة إلى وجبة شهية لرفيقهم الذي قال في صباح اليوم التالي: “أن الثورات العظيمة لا بدَّ أن تكون معمدة بالدماء”.
وينتهي كل شي بنابليون الذي ينط مرة من الشباك، وفي كل مرة من داخل بيت الثورة.
فالثوار لا ينامون في قبورهم فقط كما قال ارنست منديل، لأنهم غالبا ما ينمون على قبر الثورة.