عُرفت ميليشيا القاطرجي في سوريا بأدوارها المشبوهة خارج ساحات القتال حيث تولت حماية قوافل التجارة والتهريب بين خطوط التماس التي تفصل بين مناطق تسيطر عليها جهات متصارعة. وتحت رصد وحماية مقاتلي هذه الميليشيا تضخمت ثروة الأشقاء الثلاثة حسام وبراء ومحمد قاطرجي مستفيدين من شبكات علاقاتهم الواسعة مع مختلف اللاعبين والأطراف في مناطق النفوذ العديدة التي باتت تقسم الأراضي السورية. غير أن هذه الميليشيات وقعت مؤخراً تحت مجهر رقابة إقليمية ودولية وحتى محلية الأمر الذي أعاد تسليط الضوء على أدوارها وارتباطاتها وهدد بشكل أو بآخر احتمال تعرضها للتفكك أو على الأقل لتحجيم نفوذها. ورغم أن الأخوة القاطرجي هم على قائمة العقوبات الأميركية منذ عام 2018 بسبب دورهم الوسيط في نقل النفط بين مناطق سيطرة الحكومة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، غير أن الصفعة التي وجهتها المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، لهذه الميليشيا ترددت اصداؤها على مدى أوسع وأعادت رسم علامة الاستفهام حول مصيرها لا سيما أن قرار الرياض بتصنيفها على قوائم الإرهاب جاء بالتزامن مع جملة تطورات داخلية أعطت مؤشرات على وجود توجه لتطويق هذه الميليشيا وتقزيم أدوارها التي تعاظمت خلال السنوات الماضية. وصنّفت رئاسة أمن الدولة في السعودية عدداً من الأفراد والكيانات قالت إنهم ينتمون لتنظيمات إرهابية، من بينهم ثلاثة سوريين وشركة “القاطرجي” السورية.وقالت في بيان لها، إنها صنفت 16 اسماً منتمياً لتنظيمات إرهابية. ومن بين هذه الأسماء ورد اسما الأخوين براء وحسام بن رشدي القاطرجي، وهما مؤسسا شركة “القاطرجي” التي قامت بتسهيل تجارة الوقود لتنظيم “الدولة الإسلامية”، واتهمها البيان بالتعاون مع التنظيمات “الإرهابية” مثل “الحرس الثوري الإيراني”. القرار السعودي جاء مفاجئاً وغير متوقع، ولكنه جاء منسجماً مع قرار أميركي يقضي بمعاقبة شبكة دولية لتهريب النفط لمصلحة “حزب الله” وإيران، حيث أصدرت وزارة الخزانة الأميركية في اليوم نفسه الذي صدر فيه البيان السعودي قراراً ضد الشبكة الدولية لتهريب النفط وغسل الأموال بقيادة مسؤولي “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني” التي سهّلت بيع النفط الإيراني بقيمة ملايين الدولارات لكل من “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني. وقالت الوزارة في بيان أن الشبكة يقودها مسؤول “الحرس الثوري الإيراني”، بهنام شهرياري، والمسؤول السابق في “الحرس الثوري”، رستم قاسمي، وبدعم من المستويات العليا في حكومة الاتحاد الروسي والأجهزة الاقتصادية التي تديرها الدولة، وتدعم الجماعات المسلحة التي تعمل بالوكالة، والتي تستمر في إدامة الصراع والمعاناة في كل أنحاء المنطقة. ومع ذلك، أثار القرار السعودي بتصنيف ميليشيا القاطرجي على قائمة الإرهاب تساؤلات عديدة لا سيما أن هذه الميليشيا معروف عنها أنها أصبحت ترتبط بالقوات الروسية في سوريا بعدما ابتعدت من الميليشيات الإيرانية لأسباب مختلفة خلال العامين الماضيين. وظهرت قبل صدور القرار السعودي مؤشرات واضحة على وجود تباعد بين القاطرجي والميليشيات الإيرانية في سوريا، ومن أبرزها انشقاق مئات العناصر عن الميليشات وانضمامهم إلى الفرقة الرابعة، وكذلك إخلاء مقار الميليشيا في مناطق سيطرة القوات الإيرانية لا سيما في مدينة البوكمال. وتحدثت تقارير سورية معارضة عن حصول الفرقة الرابعة على ضوء أخضر لتبدأ بتحجيم ميليشيا القاطرجي المدعومة من روسيا، وفق هذه التقارير. وأكد تقرير نشرته شبكة “فرات بوست” في أواخر شهر أيار (مايو) الماضي أن الضوء الأخضر جاء بعد زيارة حسام لوقا في الأونة الأخيرة لدير الزور واجتماعه مع ضباط الفرقة الرابعة حول إدارة معابر التهريب وزيادة نشاط الفرقة الرابعة وتوزيع مخصصات وأرباح التهريب والأتاوات التي تفرضها الفرقة. وأضافت أنه بعد الاجتماع بدأت سياسة جديدة تجاه العديد من الميليشيات التي تنامت على ضفاف الصراع السوري المستمر منذ عام 2011، وقالت إن السياسة الجديدة شملت تغيير المهمات والبدء بضم مجموعات وميليشيات للفرقة الرابعة وهي الخطوة التي سبقها ضم ميليشيا الدفاع الوطني للفرقة الرابعة. وزعمت الشبكة أن الفرقة الرابعة تعمل بتنسيق أيراني وروسي ومدعومة من الطرفين، وأنها تحاول ابتلاع ميليشيا القاطرجي وضمها لأمن الفرقة الرابعة بسبب عدم تنسيق القاطرجي مع ميليشيات إيران، الأمر الذي يثير انزعاج قيادة الفرقة، وفق ما ورد في تقريرها. وذكر تقرير آخر نشر في 8 حزيران (يونيو) أن إيران ترغب في إنهاء دور آل القاطرجي بسبب انتهاء فعاليتهم بعد تعرضهم لضغوط مختلفة من الداخل والخارج، والاستعاضة عنهم برجل الأعمال السوري محمد حمشو. وأضاف التقرير أن إيران تقوم بإعداد خططٍ لتقليص نفوذ القاطرجي من خلال البحث عن مندوبين جدد لمحمد حمشو والسيطرة على طرق التجارة والتهريب ولمواجهة رجال ومندوبي القاطرجي.وتعين على حمشو تشكيل فصيل جديد يتولى مهمات القاطرجي الذي تم تصنيفه على لوائح الإرهاب في بعض الدول، الأمر الذي قد يعرِّض نشاطاته للتقلص، أو قد يدفعه لحل الفصيل. غير أن التقرير شدد على أن القاطرجي ما زال يحظى بدعم روسي يحول دون تنفيذ رغبة إيران بالكامل. وفي سياق تراجع أدوارها، أخلت ميليشيا “القاطرجي” يوم الثلاثاء الماضي، مقرها الرئيسي في مدينة البوكمال الموجود في بناء الفندق السياحي الذي استولت عليه الميليشيا وحولته إلى مقر لها قبل أكثر من ثلاث سنوات. ونقلت الميليشيا عناصر المقر البالغ عددهم 25 عنصراً باتجاه مدينة دير الزور، وفق مصادر محلية، أكدت أن أسباب النقل غير معروفة، حتى الساعة، لكنها تجري في وقت تشهد فيه البوكمال توتراً بين ميليشيا “الدفاع الوطني” وميليشيا “الحشد الشعبي” العراقية، وفق ما ورد في تقرير لموقع “تلفزيون سوريا”. ومن جهتها، اشارت شبكة “نهر ميديا” إلى أن نقل الميليشيا لمقرها جاء تلبية لمطالبة الأمن العسكري عناصر القاطرجي بالخروج، لتحويل المقر إلى مفرزة تابعة له. وأضاف أن مهمة مكتب ميليشيا “القاطرجي” في البوكمال، يقتصر على عمليات تسجيل المتطوعين، وفرزهم وتسليم رواتبهم، حيث يتم فرز غالبية المتطوعين إلى آبار النفط في منطقة الشولا بدير الزور كحراس، مقابل راتب يصل إلى 250 ألف ليرة سورية لكل عنصر. وكان القيادي في ميليشيا القاطرجي، حمود البشير، قد انشق عن الميليشا برفقة حوالى 400 عنصر، الشهر الماضي، وانضم إلى الفرقة الرابعة إثر خلاف وقع مع ابن عمه نواف راغب البشير زعيم ميليشيا أسود العشائر حول حماية حقول النفط ومواكبة صهاريج النفط القادمة من مناطق سيطرة “قسد” إلى مناطق سيطرة النظام بمحافظة دير الزور.
سوريا الأمل