مائدة رمضان المستحيلة

بدأ أمس شهر رمضان في العالم العربي والإسلامي، وفي العالم أجمع، مناسبة قد تكون عادية ومتوقعة ومنتظرة بالنسبة لأي انسان آخر، لكن بالنسبة للسوري، اللاجئ والنازح والمنفي، فهي مناسبة ضمن مناسبات كثيرة تذكر بالوطن وتضغط على جرح في القلب.
 
فمناسبات كعيد الأم، بكل ما يملك هذا العيد من عواطف جياشة تجاه الأم والأمومة، لا يمر دون أنهار من الدموع تذرفها الأمهات على أبناء قتلوا، واعتقلوا، ونزحوا ولجؤوا، ولا يمر أيضا دون أن يغرس خنجره في كل ناحية من قلوب أبناء فقدوا أمهاتهن، أو أصبحوا عاجزين عن معايدتهن إلا عبر صوت ضعيف يقطعه وفيديو يشوشه النت السوري غير البريء.
ولا ينجو عيد رأس السنة، وعيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد المعلم حتى ولا عيد الشجرة من هذه المقتلة التي جعلت الأعياد ترتدي السواد، فلم تنج عائلة في سوريا من فقد أحد أبنائها بصورة ما، فقتلت كل الأعياد في سوريا
بل أن الظروف المعيشية والاقتصادية التي تنغص حياة السوريين قد جعلت من الأعياد عبئا، تشيح معه الأم والأب بنظراتهم بعيداً عن عيون أطفالهم الذين يكبرون دون أن يروا اللحم والدجاج والخضراوات والفواكه إلا في الصور الافتراضية والأسواق حيث يستطيعون رؤية كل ذلك دون أن يتمكنوا من لمسه فما بالك بتذوقه.
هنالك جيل كبر بين العام ألفين وأحد عشر، والعام ألفين واثنين وعشرين، كبر على ضنك وضعف، لكن هذا لم يمنعه من إدراك ما حوله، وقمة الإدراك تحول الهجرة من هذا الوطن إلى حلم لكل من يمشي على ترابه.
 حقيقة مؤسفة تلخص ببساطة عدم رغبة الشعب السوري، بأبرز مكوناته: الشباب، ببناء مستقبلهم بعيدا عن كل أسباب الفشل التي يعيشونها من قبل القائمين على تسيير أمورهم، فشل اقتصادي واجتماعي وسياسي، تحولت البلاد معه إلى غابة حرفيا، يأكل فيها القوي الضعيف، بلاد يضرب فيها المثال بانعدام الحقوق، بانعدام الحرية، وبالفشل على كل المستويات.
 
قد يبدو لأي مراقب من خارج الجملة أن المنطقي أن يقوم الشعب، العدد الأكبر، بإزاحة القلة المتحكمة الفاسدة، ليقوموا ببناء أحلامهم ومستقبلهم هنا، في وطنهم، لكن المنطق ليس سوريا.
 
المجتمع الدولي سلم مقاليد الأمور لهؤلاء ليتحكموا برقاب العباد ومحصلة قوى السوريين كانت قريبا من الصفر، لأن عزوم القوى الدولية كانت أكبر من قدرتهم على الاقناع، اختار المجتمع الدولي مجرمين يعرفهم فهو سيركن للمعلوم وان كان سيئا.
من هنا فإن صفة اللاجئ تنطبق علي أنا في فرنسا، كما تنطبق على السوريين الذين لا يأمنون على أنفسهم ولا على أطفالهم، السوريون داخل البلاد لاجئون دون بطاقة إقامة، لاجئون بموت مؤجل، الموت قد يكون مرات بسبب عدم توفر الرعاية الصحية، نقص الغذاء، أو بفقدان الأمل برؤية ابن سافر ولم يعد يستطيع العودة.
الشتات هي أكثر الصفات التي تطبع الوجود السوري، الشتات الذي يجعل من كل فرد من العائلة في بلاد، ويجعل من سفرة رمضان البسيطة والعفوية في بلاد العرب والمسلمين أمراً مستحيلاً .
فهل يكون للقدر، وللسوريين قدرتهم على تغيير المستحيل؟
ربما نحن بحاجة دعاء مستجاب ليلة القدر، أو بانتظار تغيير في القرار الدولي وصناعة وطنية للقرار السوري، ربما حينها فقط، تصبح مائدة رمضان ممكنة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.