[بقلم د. باسل معراوي]
لاشك ان الانظمة الديكتاتورية تلجأ فيها الطغمة الحاكمة لصناعة عدو داخلي او خارجي (ان لم يكن موجودا) واذا كان موجود فان اتفاقاته السرية معه من تحت الطاولة وعدم فتح معارك حقيقية معه بل التواطئ على تسليمه الحقوق سواء كانت اراضي او منابع مياه او طاقة او مواقع استراتيجية والاكتفاء بمعارك كلامية على الاعلام ومحاولة بناء وعي جمعي بل وعسكرة للمجتمع للتصدي للعدو وهذا يترتب عليه عدم اعطاء اية حقوق مدنية او ديمقراطية او صنع تنمية حقيقية .وابقاء حالة الطوارئ سارية بحجة ان المرحلة الان تتطلب حشد كل الجهود والطاقات للمعركة..هذا ما استعمله النظام السوري كخطاب اعلامي وممارسة عملية طيلة الفترة التي اعقبت تسلم حزب البعث للسلطة بانقلاب عسكري تم في 8 اذار 1963..وتكرس بعد وصول حافظ اسد للسلطة واستمر في عهد وريثه..بان كل الجهود والامكانات منصبة لمواجهة العدو الصهيوني…وبعد اندلاع الثورة الشعبية السورية باذار 2011..اتت فرصة ذهبية للنظام السوري للحديث عن مؤامرة كونية تستهدف الدور والفعل المقاوم لسورية (والتي صمتت جبهاتها لنصف قرن عن اطلاق اي رصاصة لتحرير الارض السورية المحتلة من العدو الاسرائيلي)..
بدا الانهيار الاقتصادي والمالي للنظام السوري باسرافه باستعمال موارد الشعب السوري في حربه على الشعب نفسه..وحصل مايعرفه الجميع من قتل وتدمير وتهجير…وكان يعد حاضنته من الموالاة والسوريبن الذين مازالوا قابعين في مناطق سيطرته ان التضحيات التي تم تقديمها لن تضيع هدرا وسينعمون بالامن والرخاء فور انتهاء المعركة (على الارهاب)..وكما يزعم النظام ان المعركة شارفت على الانتهاء وحصل عكس ذلك اذ وصل الشعب السوري..والذي يقبع في مناطق سيطرته خاصة الى مستويات قياسية من تدهور المعيشة وصلت بالتقديرات الاممية الى اعتبار مايقارب ال90% من الشعب السوري تحت خط الفقر.. بل خط الجوع..وازدياد ال10% المرتبطة بالنظام من دائرته الخاصة ثراءا فاحشا….
وإزاء انسداد اي افق بتحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي خاصة بل ربما تدهوره اكثر…وبما ان الشمالين الشرقي والغربي تتواجد بهما قوات عسكرية وقوى محلية مدعومة من الولابات المتحدة وتركيا والتي يستحيل تحقيق اي انتصارات عسكرية على جبهاتهما..لجأ النظام الى مناطق هشة عسكريا وغير محمية من دول خارجية .ولايوجدفبها قوات عسكرية او شبه عسكرية بل مجموعة من المدنيين تحمل سلاحا خفيفا فرديا يستعمل للدفاع الشخصي عن الببت والعائلة..
وجد النظام ديدنه في درعا البلد والتي كانت من ضمن مدن وبلدات حوران الاخرى والتي ابرمت بالعام 2018 اتفافات تسوية ومصالحة برعاية دولية وضمانة روسية وتم الحفاظ على حد ادنى من التخلص من سبطرة القوات الامنية على الارض والسكان ..مع علم الجميع ان النظام خرق معظم البنود الواردة بالاتفاق من ناحية عدم اطلاق سراح اي معتقل من المنطقة الى اغتيال معظم الشباب من الذين كانوا سابقا في الجيش الحر ووثقوا بتعهدات النظام
كل ذلك كان يجري بعلم الضامن الروسي .يبحث النظام في درعا عن نصر مزعوم على حساب فتية اثروا الموت على الاستسلام او المذلة ..ليقدم هذا النصر لحاضنته وليوصل رسالة ان الانتصارات تتوالى ونحن في حالة حرب ويجب ان لا نلتفت الا للمعركة وتحمل الوضع المعيشي المزري
يرى البعض ان من اسباب افتعال النظام لحرب درعا هو ادراكه بل يقينه ان هناك توافقا امريكيا روسيا حصل بعد قمة بايدن بوتين الاخيرة في حزيران الماضي في جنيف.وانهم اتفقوا على سياسة الخطوات والتي تتراكم لتؤدي الى حل شامل.
وتجلت الخطوة الاولى بتمرير الروس للقرار 2585 القاضي بتنظيم آلية ادخال المساعدات الاممية عبر معبر باب الهوى..مقابل تضمين القرار الاممي فقرة التعافي المبكر والتي تتيح اعفاءات من قانون قيصر وتمويل دولي لاعادة ترميم او اعمار بعض المحطات الكهربائية والطرق والمدارس وغيرها من انواع البنية التحتية باشراف الصليب الاحمر الدولي وتنفيذ شركات روسية تستفيد من الريع المالي الناجم عن ذاك
ويرى البعض ان الخطوة الثانية بعد انجاز الاولى هي توصل الروس لاتفاق وقف اطلاق نار شامل على كل الجبهات والافراج عن المعتقلين بسجون النظام مقابل سماح الولايات المتحدة باعمار بنى تحتية مهمة تتيح عودة اللاجئين والنازحين الى مناطقهم التي تم تهجيرهم منها..
لم يرق ذلك التعاون للنظام اذ لم يستشر به وتم تجاوزه تماما فرغب في تعطيله بافتعال احداث درعا الاخيرة لاحراج روسبا امام امريكا والاثبات لها ان روسيا ليست شريكا يمكن الاعتماد عليه ولابد لامريكا من فتح قنوات الاتصال المعطلة حاليا مع النظام ..اذ ان روسيا غير قادرة على ضمان تنفيذ اتفاق بحي بمدينة فكيف لها ضمان خطوات اتفاق سياسي لحل الازمة السورية كلها
ويشير بعض المتابعين انه بسبب ان عمق القرار السياسي للنظام السوري هو ايراني وقوات الفرقة الرابعة والميليشيات الاخرى المحاصرة لدرعا هي محسوبة على الطرف الايراني..
لايستبعد ان يكون ذلك في سياق الصراع وتبادل الرسائل الجاري الان بين امريكا وحلفاءها من العرب واسرائيل وبين ايران…فوصول القوات المحسوبة على ايران وسبطرتها المطلقة على كامل الحدود مع اسرائيل والاردن هي ورقة قوة في وجه الولايات المتحدة اذا ماتم استئناف الجولة السادسة من مفاوضات الاتفاق النووي بفيينا
لذلك لجأ النظام للانقلاب على الاتفاق المبرم اخيرا برعاية روسية بحجة ان الاتفاق يشمل حي درعا البلد فقط وليس حيا طريق السد والمخيم المحاصرين معه الان
يسعى النظام لكسب الوقت وانهاك المدافعين واذلال الروس ولن يقبل مع حليفه الايراني من اقل من حل على طريقته هو يتيح تهجير الكتلة السكانية المعارضة له الى الشمال السوري ..وعدم وجود اي قطعة سلاح مع سكان مناوئين له
ومن المتوقع بعد ان ينهي موضوع درعا الذي استهلك نصف هذا العام باشغال الراي العام للموالاة به ..الانتقال بعذ ذلك الى منطقة ريف حمص الشمالي وافتعال حوادث تؤدي لتكرار سيناريو درعا ولكن بشكل اخف لعدم وجود ذلك البعد الدولي الذي تتمتع به درعا..اذ لايوجد الا الضامن الروسي ..
ويمكن اذا تسنى له ذلك ان ينتقل بعد ذلك الى محافظة السويداء الخارجة فعليا عن سيطرته بادخال داعش موالية له او افتعال مناوشات بين البدو واهل الجبل ..لخلق ظروف تدخل تتيح له احكام السيطرة على المحافظة وبالتالي كامل الحدود الجنوبية المحاذية لاسرائيل.
تحليل جيد بارك الله بك دكتور