لقاء الأسد برئاسة مجلس الوزراء

[بقلم د. محمد حاج بكري]

بعد انتصاره على مرض كورونا والذي يضاف إلى قائمة الإنتصارات المتعددة التي حققها في مسيرته الرئاسية بحكم سورية وشعبها قرر الإجتماع برئاسة مجلس الوزراء لإعطاء التوجيهات المبنية على إدراك علمي ومهني بواقع الشعب وأحواله المعيشية.

بصفة عامة جزء اساسي من كوارث الحكم الأسدي ، يعود للأسد ذاته. وذلك من خلال تضخيم ذاته ، التي تتناسب طردا مع مدة بقاءه على سدة السلطة، وبالتالي تتحول النرجسية من سلوك مفرط في حب ذاته وتنزيهها من النواقص والعيوب، وامتلاكها الحكمة والقدرة وفصل الخطاب، الي نوع من النهج االإستبدادي  أو الإعتباطي الذي يتحكم في طريقة إدارة الدولة. أو من ناحية اختياره لأعوانه والمقربين، والذين ترتفع درجة مؤهلاتهم، علي قدر اعترافهم بقدرات الدكتاتور الفذَّة، وبراعة قراءتهم لمزاجه! وتاليا ارضاء نزواته وغروره ورغباته، مهما كانت درجة غرائبيتها، والتسليم بقراراته مهما كانت درجة مفارقتها للواقع من حولها، وجهلها الفاضح أو حتي غيبوبتها عن متطلبات اللحظة التي يعيشها.

هناك ثلاث حقائق مؤكدة. أولها، أن مجلس الوزراء هامشي في قدراته خلبي في تصرفاته  وثانيها، تصميم جهاز اعلام يعبد كائن كالأسد ويسبح بحمد النظام. وثالثها، تشكيل جهاز امن متعدد التراكيب والوظائف لحماية فخامته . ليس مصادفة، ولكنها حاجة اساسية أو طبيعة مكملة لدائرة الدكتاتورية. وأهمية هذه الحقائق ، أنها قد تساعد علي تفسير كثير من الظواهر السلبية والمواقف المتناقضة، والقرارات الإرتجالية أو المتضاربة أو الانفعالية والأصح الفضائحية، التي تتنزل علي الدولة كمؤسسات والمجتمع كحاجات واولويات، لتحيلهما الي عصف مأكول وعظام نخرة.

وفي ذات السياق وكما نكرر دائما ، إن اللقاءات الاعلامية التي تجري مع (فخامة!) الأسد ، ونماذجه المسرطنة ، الغرض منها تضخيمي تبريري تلميعي تغيبي بامتياز و ليس لها صلة نهائيا، لا بالإعلام كرسالة حضارية ولا بمعرفة الحقيقة كحق واحترام لوعي المواطن.

وهذا في حال لم تعكس نوع من مظاهر الانفصام في الثقافة ، حيث تكثر فيها الفاظ التفخيم والتعظيم والفخر والإعتزاز، المفارقة لحقائق الواقع! وكأن قوة اللغة تعويض عن الخيبات الملازمة لأهلها  واستطرادا هو انفصام يطال السياسة والسلطة والإقتصاد ..الخ الشئ الذي جعل سورية ، وكأنها تعيش بقلبين في جوفها، الفشل والعجز علي مستوي المنجزات والنجاح والإبداع علي مستوي الشكليات والشعارات والمظاهر والإحتفالات ا؟! والحال أن نموذج الأسد والإعلام الرسمي ليس بدعة، ولكنه الأسوأ علي مستوي المنطقة! كلها تنضح من ذات الاناء، الناضح بالتضخيم الكاذب والنفاق المرسل والأسئلة الموجهة، أو التي تتطلب نوع محدد من الاجوبة، لا يصدف انها مطلوبة سلفا؟ الشئ الذي جعل المشاهد او القارئ، قبل مهنية الرسالة الاعلامية، يتحسس رأسه،

 وبالعودة الى اللقاء يلاحظ الاتي:

اولا، ملخص الحوار الذي تصدر مقدمة اللقاء، يؤكد ما اشرنا اليه سابقا، وهو أن اللقاء تضخيم لدور الأسد المعرفي بواقع الشعب السوري  والاشادة بدوره وتشخيصه الفلسفي وجهود قياداته، اكثر منه تلمس لجذور المشكل السوري أو تناول لهموم مواطنيه الاساسية! والحال كذلك، بغض النظر عن لغة التفخيم، أو قيام الأسد بتبرير سياساته المعطوبة، التي ارجعت الدولة السورية  الي مرحلة العصور الحجرية.

ثانيا، في تفاصيل  التشخيص الاقتصادي وسعر الصرف وارتفاع الأسعار وتلاعب التجار والاحتكار متناسيا الأسباب الرئيسية ومنها طباعة العملة بدون رصيد وعدم وجود احتياطي نقدي والعجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وتهريب أمواله واموال ذويه خارج البلاد وتوقف عملية الإنتاج وعسكرة المجتمع ورهن أصول البلد وفقدانه لمصادر الثروة والاحتلالات المتعددة لسورية وغيرها الكثير.

ثالثا  كذلك لتبرير أقبح من الذنب، كتبرير نظام الأسد ، وهو يعلن عن موقفه المتخاذل بحجة التدخلات الخارجية؟! والحال، ان استدعاء التدخلات الخارجية هو مكون اصيل داخل المنظومة الأسد ية، وذلك من خلال قصورها البنيوي الذي ينعكس علي ابعاد نظرتها القاصرة وقراءتها الرغبوية للبيئة الداخلية والمحيط الخارجي!  أو من خلال خوفه الذي سوغ له كل التجاوزات. بقول آخر، قفل المجال الداخلي امام النشاط السياسي يفتح المجال واسعا امام التدخل الخارجي  وفي كل الاتجاهات وليس السياسة فقط  اي فعل المصادرة الداخلية، لا يعني امتلاك السياسة والاجتماع والاقتصاد..الخ للطغمة الأسدية المسيطرة، ولكنه يعني اكثر، تسليمها لجهات اقوي تملك القدرة علي التأثير والحماية والرعاية؟ اي يجعل السلطة الضعيفة (اللاشرعية) عرضة لتنافس وتنازع واستغلال اقوياء الخارج. وعموما، في الحالة السورية شكلت روسيا وايران  وبكل ما تحمله من اطماع وممارسات لا اخلاقية، الدرع الحامي والضامن والراعي لمنظومة الأسد ؟ وذلك حتي اشعار آخر، برهن مستقبل الدولة لرضا روسيا وايران ! ومن يري هرولة الأسد تجاه نيل تبريكات داعميه ، يشعر وكأنه راغب في هذا الاغتصاب منذ وقت مبكر وهو يتمنع.

رابعا  لعل من اكثر من عوامل الانفصام تمظهرا، هو حديث الأسد عن التدافعات الكثيرة والحلول الواضحة لقضايا االسوريين  وعن استهداف المنطقة، فهكذا حديث انفصامي لا يتعامي عن جذور المشاكل، المتمثلة في وجود نظام الأسد الاستبدادي ، من خلال سلبه للسلطة واستباحته للدولة واحتقاره للمجتمع؟ ولكنه يفترض ان العلاج من نفس جنس الداء؟! والسؤال الذي يفرض نفسه في هكذا اوضاع متردية، هل الأسد كقائد فاسد وسفاح قاتل، تتحلق حوله بطانة اكثر فساد واجرام، لهم فرصة القيام باصلاح علي اي شكل كان؟ وناهيك عن استحالة الامكانية، هل يمكن ان ترد ارادة الاصلاح مجرد خاطرة في نفوس خربة معجونة في ماء الحقد والكراهية والضلال؟!

خامسا  حديث الأسد يبدو ظاهريا انه اخلاقي، ولكن للاسف هو حديث ينقصه العمق الاستراتيجي وبعد النظر السياسي، وذلك لأن الواقع  

هو في حقيقته حالة عجز او توازن ضعف، وهذا في حال لم يفجر بصورة عاجلة الصراعات الداخلية والخلافات البينية وبشكل اشد ضرواة والسبب انه يحرف الوعي عن جذور المشاكل الاساسية (السلطوية والسياسية والاقتصادية والثقافية) وعليه يصبح حديث الأسد هو حديث ليس عار من الصحة فقط، ولكنه يتقصَّد طمس الحقائق وتشويه الذاكرة وازدراء البصيرة الوطنية

اما ما يخرج الأسد من المسؤولية الوطنية، ويحشره في زمرة النصابين والانتهازية. والسؤال الذي يفرض وجعه، هل انجازاته الموصوفة سابقا ترجع لواجباته ومسؤوليته الاصلية؟ ام هي مطلوبات وضغوط خارجية؟ وتاليا تستوجب الجوائز والعطايا من الخارج؟! والحال كذلك، ما هي واجبات الأسد ومهامه تحديدا، هل هي الطبل والرقص؟ ام اطلاق التصريحات العشوائية والهوجاء في كل اتجاه؟ ام التهديدات المجانية للمعارضين؟ ام قبول التكريمات الاعتباطية في الداخل والخارج؟ ام الافتتاحات الدعائية للخيم الاستهلاكية والمعارض الوهمية، المفتوحة علي اللهف دون رحمة او حياء؟!

سادسا  تحدث الأسد عن تاثيرات العقوبات الاقتصادية، تجاريا واقتصاديا. والسؤال، لماذا كانت مناطحة الصخر منذ البداية؟ ومن يدفع ثمن العنتريات الفارغة السابقة؟ ولماذا لا يعترف الأسد ايضا، انه السبب الرئيسي في حالنا اليوم وليعد الى خطابه الأول المشؤوم وكيف اختار طريق الحرب على الشعب وتأجيج نار الطائفية

وبكلمة واحدة، السلطة مثلت لدى الأسد غاية وليست وسيلة. وباصطدامها مع ممانعات الواقع، شددت من حرصها الامني وصرفها العسكري وزعيقها الدعائي الاعلامي. وبما ان النوازع السلطوية الاكثر شراهة، تستبطن التفوق والتعالي ، كان ذلك سببا كافٍ لاستباحة موارد الدولة بالكامل، واحتكارها. اما التوجه ناحية العمليات الانتاجية والمشاريع الاستثمارية المدروسة، التي تحتاج للصرف والصبر وبذل الجهد والابداع، والاهم شركاء في العملية الانتاجية وعوائدها، فهذا ما يتصادم مع ثقافة السلطة ونزعة التسلط وشهوة الاحتكار، وهذه بدورها تعني فيما تعني، السيطرة والاستحواذ والسيادة، علي الدولة والموارد والمواطنين. والخلاصة، ان اقتصاد نظام الأسد يفتقد للرؤية والمنهج والهدف، او هو اقتصاد اللامنطق اقتصادي، وبصيغة اكثر تخلف هو اقتصاد الفهلوة او وضع اليد! وعليه، ليس مصادفة ان يدور في فلك السمسرة والمضاربة والانشطة الطفيلية. وبكلمة مختصرة، نظرة الأسد لموارد الدولة هي نظرة سلطوية او ملكية، وليست نظرة اقتصادية او تنموية! و ليس هنالك فرصة اصلا امام لا تنمية ولا اصلاح ولا يحزنون، طالما بقي الأسد كنظام ورمز..

اما حديث الأسد واجاباته عن الفساد ومحاربته ، فهو نوع من الاستهبال والاستعباط، عندما لا يصل درجة الاستهتار والاستفزاز؟ ويمكن هكذا اجوبة مفارقة ان تقبل في حالة واحدة، إذا افترضنا ان من ينغمس في مستنقع الفساد، لا يمكن ان يشتم رائحته النتنة؟! بمعني، الأسد كبيرهم الذي علمهم الفساد، اضافة الي انه الراعي الاكبر للفساد، وتاليا كل من يشاركه او يستضيفه او يدافع عنه او يمد له صلات من اي نوع، فهو شريك له في الفساد والجرائم والدمار؟

وبمناسبة سيرة النزاهة والنظافة والطهارة، التي صدعت رؤوسنا نطرح مجرد أسئلة بسيطة للاسد النزيه، السؤال الاهم، هل هنالك داخل الدولة من يجرؤ علي سؤال الاسد  او احد افراد اسرته عن املاكهم او ذمتهم المالية، ؟ وهل هنالك دولة مختطفة ومصادرة بالكامل، تتاح فيها الفرصة او الحق لمساءلة مختطفها؟ ومتي كان سؤال رب الدولة جائز؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.