حتى الخبز أصبح صعب المنال لفقراء سورية…
حكومة بشار الأسد استبعاد نحو 600 ألف عائلة من الدعم وبيعها بعض المواد الغذائية (خبز، سكر، أرز، شاي) والمشتقات النفطية (مازوت وبنزين وغاز منزلي) بأسعار محررة وغير مدعومة، لتنفلت الأسعار وتتنامى السوق السوداء التي حددت سعراً ثالثاً للسلع الأساسية، بحسب مصادر من العاصمة السورية دمشق
ورفعت وزارة التجارة الداخلية بحكومة الأسد، أمس، سعر ربطة الخبز (1100غرام) للخارجين عن الدعم من 250 إلى 1300 ليرة سورية، بعدما رفعت أخيراً أسعار المشتقات النفطية بالسوق السورية بنحو 40%، ليصل سعر ليتر المازوت إلى 1700 ليرة وسعر البنزين إلى 2500 ليرة. كما بدأ منذ أمس فرض سعر أسطوانة الغاز المنزلي بـ30 ألف ليرة (الدولار = 3650 ليرة)
وشهدت الأسواق السورية، أمس الثلاثاء، ارتفاع أسعار السلع بين 10 و30%، بعد تطبيق قوائم التسعير الجديدة، ليصل سعر كيلوغرام البطاطا إلى 2700 ليرة والبندورة إلى 2000 ليرة. كما قفز سعر كيلوغرام لحم الخروف لنحو 35 ألف ليرة وكيلوغرام الدجاج إلى 25 ألف ليرة.
تخفيف خسارة الحكومة
تدعي حكومة الأسد أن هذه الإجراءات تأتي لتخفيف الخسارة عن الحكومة التي تستورد المشتقات النفطية، بعد تراجع الإنتاج السوري من نحو 385 ألف برميل نفط يومياً عام 2011 إلى أقل من 30 ألف برميل حاليا، وتراجع إنتاج القمح من نحو 3.5 ملايين طن إلى أقل من 400 ألف طن استلمها نظام الأسد في الموسم الماضي من المناطق التي يسيطر عليها
اتفاقات تعزّز هيمنة روسيا على الاقتصاد السوري
ويرى الاقتصادي السوري حسين جميل أن “معظم السوريين بالداخل فقراء”، معتبراً أن رفع الدعم عن شرائح واسعة من المجتمع كانت تحمل سابقاً بطاقة ذكية، وبيعها السلع بأسعار السوق “جريمة تفقير” إضافية بحق السوريين، لأن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وفق بيانات المنظمات الدولية، فعلى أي أساس اعتبر النظام أن هؤلاء ليسوا بحاجة للدعم والمساندة
ويتوقع الاقتصادي السوري أن استبعاد نسبة 15% من قوائم الدعم اليوم خطوة كبيرة في طريق سحب الدعم عن البقية لسببين، حسب رأيه.الأول مغازلة صندوق النقد الدولي وفتح قنوات للحصول على قروض، بعد تطبيق الوصفات التي تفرضها المؤسسات الدولة المالية، والثاني تهرّب نظام الأسد من أهم واجبات الدولة تجاه الشعب، خاصة خلال الحروب والأزمات، حسب جميل.
90% من المواطنين فقراء
يقدر رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سورية” أسامة قاضي نسبة الفقر في سورية بأكثر من 90% بعد الزيادات السعرية التي ترافقت مع تراجع سعر صرف الليرة السورية والهوة السحيقة بين الدخول والإنفاق، إذ لا تزيد الأجور بعد رفعها في نهاية العام الماضي عن 100 ألف ليرة، في حين قدر مركز “قاسيون للدراسات” بدمشق الإنفاق الشهري للأسرة بنحو مليوني ليرة
ويضيف القاضي أن خطوة سحب الدعم ولو جزئيا، ستزيد من نسبة الفقر والتجويع، لأن الأسعار سترتفع بالأسواق بعد رفع أسعار الغاز أمس والمازوت والبنزين أخيراً، لأن التكاليف ستزيد
عقلية الجباية تغلق منشآت عاصمة الاقتصاد السوري
وحسب تقرير حديث صدر عن مكتب الإحصاء المركزي بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، فإن نحو 84 في المئة من المواطنين السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي
وأشار التقرير إلى تدهور الوضع المعيشي للسوريين بعد مرور 10 أعوام على بدء الحرب. وحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سورية أكجمال ماجتيموفا، يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر.
خروج 600 ألف مواطن من الدعم
وكانت معاونة وزير الاتصالات والتقانة لشؤون التحول الرقمي في حكومة النظام السوري فاديا سليمان قد كشفت، أمس الأول، عن استبعاد حوالي 596 ألفًا و628 عائلة تحمل البطاقة الذكية، معتبرة أن امتلاك سيارة وملكيات عقارية للأسرة في المحافظة نفسها، هي أهم مقاييس سحب الدعم
وحسب مراقبين، فإن استبعاد 600 ألف أسرة من منظومة الدعم قد يعني خروج نحو ثلاثة ملايين شخص من الدعم في حال كان معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة 5 أفراد
واعتبر مصدر من دمشق أن “اعتماد معيار السيارة” جاء لتغطية النقص الفاضح في الأرقام والمعطيات والبيانات، خاصة تلك المتعلقة بالموظفين والمتقاعدين والنقابات، فكان لا بد من اللجوء إلى معيار السيارة لرفع عدد الذين سيخرجون من الدعم قليلا وتحقيق أعلى قدر من الوفر وربما تقليص الخسارات قدر الإمكان
ويشير المصدر،إلى أنه على الأرجح بواقع تراجع موارد الخزينة العامة وإفلاس نظام الأسد، سيتم سحب الدعم عن فئات أخرى وربما اعتماد مقاييس عمل أكثر من شخص بالأسرة أو وجود أحد أفراد الأسرة بالخارج “وفق ما يتردد الآن ويحضر للمرحلة المقبلة
ويؤكد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن 30 ربطة خبز بالشهر لا تكفي للأسر المدعومة، كما أن الخبز غير متوفر بسعر 1300 ليرة للربطة الواحدة، بل توجد سوق سوداء للخبز بسعر 1700 ليرة للربطة، وعلى مرأى من الجهات الرقابية
530 مليار دولار أحدث تقديرات خسائر الاقتصاد السوري
“كما توجد أسعار أخرى للوقود، فسعر ليتر المازوت المدعوم 500 ليرة وغير المدعوم 1700 ليرة، ولكن كلاهما غير متوفر، ما ولّد سوقاً سوداء يباع فيها ليتر المازوت ببين 1800 و2000 ليرة سورية”، حسب المصدر.
مزاعم النظام
تذرّع نظام بشار الأسد خلال الترويج لسحب الدعم عن الأسر السورية، بتوجيه الدعم لمستحقيه وزيادة الأجور والرواتب من وفورات سحب الدعم عن 600 ألف أسرة
ويقول معاون وزير النفط بحكومة الأسد عبد الله خطاب: الدعم نهج استراتيجي في الدولة ويغطي القطاعات كلها، من تعليم وصحة ومشتقات نفطية وخبز وغيرها، لكن الجديد إعادة ضبط آلية الدعم عبر طرح منظومة جديدة توصل الدعم لمستحقيه وتحدّ من الهدر والفساد
وأكد خطاب، خلال تصريحات أمس، تحويل الوفر المالي من هذا الإجراء لزيادة رواتب الموظفين وتحسين مستوى المعيشة، لافتاً إلى أن المستبعدين من الدعم ستصلهم الرسائل النصية للحصول على المخصصات ولكن بالسعر الحر
وفصّل المسؤول بحكومة الأسد أن فاتورة دعم البنزين بلغت 1774 مليار ليرة في العام، في حين بلغ دعم الغاز المنزلي 624 مليار ليرة سنوياً
وهو ما نفاه العامل السابق بوزارة المالية بركات الشعراني بقوله: “هؤلاء ببغاوات يرددون ما يراد منهم قوله”، متسائلاً: من قال لمعاون الوزير خطاب أن إنتاج سورية كان قبل الثورة فقط 380 ألف برميل؟
وأكد أنه لا أحد يعلم يقيناً حجم الإنتاج السوري النفطي قبل الثورة، ولا أحد يعلم كم يدخل منه بالناتج أو ما هي عائدات التصدير، لأن النفط بسورية منذ 1971 سر من أسرار الدولة، ومملوك لعائلة الأسد، ولها نسبة متفق عليها مع أي شركة تنقّيب أو استثمار يتم منحه لتجهيز الآبار،، مشددا على أن “هذه معلومات وليست تكهنات
ويضيف الشعراني، المقيم بألمانيا، متحدثاً تم طرح أرقام الدعم وستتم المتابعة بهذه السياسة خلال الأيام المقبلة، لإظهار حكومة الأسد أنها تتكبد خسائر جراء الدعم، والهدف التملص من زيادة الأجور أو تحسين مستوى معيشة السوريين
ويشير الشعراني إلى أنه ربما تكون إعادة توجيه الدعم وجيهة، ولكن أليس من واجب الدولة قبلها تحسين الأجور، ليستطيع الناس شراء الطعام “ولو وجبة واحد”، ألا تعلم الحكومة التي سحبت الدعم أن متوسط الأجور أقل من 100 ألف ليرة في حين أن إنفاق الأسرة شهرياً لا يقل عن مليوني ليرة إن أرادت العيش بمستوى مقبول؟
لا وفورات مالية
وكتب الإعلامي الاقتصادي المقرب من نظام الأسد معد عيسى، أمس: الحقيقة لن يكون هناك وفر، ولكن سيكون هناك تقليص للخسائر، والأمر سيكون على الشكل التالي، فبدل أن تشتري الدولة نفطاً ومشتقات نفطية بمليارين ونصف مليار دولار سنوياً وتبيعها للمواطن بمليار ونصف مليار، بخسارة مليار دولار، ستقوم ببيعها بمليارين، أي خفضت الدعم 500 مليون دولار، ولكن لم يتحقق لديها وفر لتوزعه بقطاعات أخرى.