أصبح لزاما علينا جميعا دون استثناء أن نراجع أداءنا في مسيرة الثورة منطلقين من الروح الوطنية والقيم الاخلاقية، وأن نعتبر أنفسنا أم الصبي. فنحن كلنا جزء من الحراك السياسي والثوري ولو بدرجات مختلفة. وكما يقال ان المسؤولية تزداد بمقدار كبر المناصب والمسؤوليات الملقاة على عاتق الشخص. ولكيلا اُتَهم بالتنظير أمام واقع كارثي وصلنا إليه في سوريا، أرى ان ألخص فكرتي في عدة نقاط:الثورة فعل شعبي وطني سوري قام به الشباب الناشطون والثوار وكانت عفوية غير مخطط لها وليس لها قيادة ولا حزب يقودها. وهي ثورة سلمية غير طائفية ولا قومية ولا دينية.لعب الاخوان المسلمون دورا أساسيا الى جانب النظام الاسدي في عسكرة الثورة واسلمتها لان الاخوان توهموا بان ذلك يخدمهم ويمكنهم من الهيمنة على الثورة، أما النظام فأطلق سراح اهل اللحى من سجونه مثل علوش وغيره وشكلوا فصائل إسلامية مسلحة رفعت علم الثورة، ثم دمرتها ويجب محاسبة من بقي منهم في الشمال السوري وفي تركيا وغيرها.للأسف لم تستمر التنسيقيات والتشكيلات الثورية المستقلة، وذلك بسبب قمع النظام الأسدي الوحشي وبطشه بهمالمعارضة التقليدية بدون استثناء، ومع تقدير الأدوار التي لعبها اعضاؤها في الثورة بشكل فردي وكانت إيجابية، لم تستوعب الثورة ولم تساعد في وضع استراتيجية وبرامج عمل للثورة، بل بقوا يلهثون وراء قطار الثورة ولم يتصدروا المشهد المعارض بشكل جدي وصحيح.في غياب الدور الحقيقي للقوى الوطنية السياسية المعارضة برزت الى السطح شخصيات انتهازية ومتسلقة وبعضها مخترق ومازالوا حتى اليوم في قيادة المعارضة الرسمية، حيث لبسوا قميص الثورة ولكنهم ينفذون اجندات شخصية وحزبية ويجسدون مصالح جهات خارجية لا تمت للشعب السوري بصلة. والمصيبة ان السوريين صامتين عنهم.بلا شك، من أكبر أخطاء الثورة التعويل على الدور الخارجي بما فيها التدخل العسكري مثلما حصل في ليبيا والاخوان المسلمون واغلب أعضاء المجلس الوطني ساروا بنفس النهج، ولم يضعوا خططا للمستقبل تقود الثورة في أوج الحماس الثوري والشعبي لدى السوريين بل جعلوا الجميع ينتظر بين يوم وآخر سقوط الأسد. لا الأحزاب السياسية ولا الشخصيات الوطنية التي ساهمت في تصدر المشهد المعارض لم يقرأوا بعمق طبيعة النظام الأسدي الخبيث وتاريخه الوحشي الأسود، وممارسات مخابراته الاخطبوطية، ولا الظروف الإقليمية والدولية، بل طرحوا شعار اسقاط النظام وأصبح الجميع يكرره ليلا نهارا دون فعل أي شيء عملي على الارض داخل سوريا وفي الساحة الدولية لتطبيق هذا الشعار. عند الحديث عن اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، للأسف دخل مرحلة الثورة وهو في حالة منهكة ولم يبق فيه الا حزب الشعب الديمقراطي وبعض الشخصيات المحسوبة على الاشتراكيين العرب ومجموعة كردية، ولكن في الحقيقة كان يدير الإعلان والحزب شخص واحد اسمه رياض الترك أبو هشام، المعروف عنه أسلوبه الفردي في إدارة الأمور. ولو ان قيادة الإعلان وحزب الشعب ارادا أن يقود الإعلان الثورة لكانت لديه فرصة تاريخية في مؤتمر انطاليا في تركيا كأول مؤتمر للمعارضة السورية بعد انطلاقة الثورة، ولكن الإعلان دخل في تشرين الأول/أكتوبر 2011، المجلس الوطني السوري مفضلا التحالف مع الاخوان المسلمين ودار ظهره لمن يطالب بالديمقراطية، علما ان الأخوان كانوا مهيمنين على المجلس الوطني السوري، وتحكموا بكل شيء من مال وقرار سياسي متخفين وراء الإعلان والمستقلين. وللأسف فان قيادة الإعلان وقيادة حزب الشعب الديمقراطي كانت صامتة امام تجاوزات الاخوان ونهبهم للأموال الواردة لدعم الثورة. وظلوا هكذا حتى تأسس الائتلاف في تشرين الأول/أكتوبر 2011، من قبل غير السوريين، وخرجت الأمور تماما من يد السوريين. ومع ذلك استمر الاخوان وإعلان دمشق مع الكتل الأخرى المصنعة خصيصا للائتلاف وبالتالي اوهموا الشعب السوري بان الائتلاف يمثل مصالحهم ويعمل من اجلهم. وبالرغم من اعتراف أكثر من 100 دولة بالائتلاف كممثل للشعب السوري إلا أنهم فرطوا تماما بذلك ولم يضعوا خطة واحدة لإدارة الحراك السياسي والعسكري بشكل وطني مستقل بعيد عن التطرف والتشدد بكافة اشكاله. موقف الثورة ممثلة بهياكلها الهزيلة لم تحدد في وقته الموقف الصحيح واللازم من الجماعات الإرهابية التي ترفع شعارات إسلامية زورا. وخاصة الاخوان المسلمين كان من واجبهم من بداية ظهور جبهة النصرة وداعش ان يعلنوا موقفا ويوضحوا للسوريين الطبيعة الإرهابية لتلك الجماعات وأن لا علاقة لها بالإسلام.هناك من يعتقد ان المعارضة الداخلية التي شكلت هيئة التنسيق كان بإمكانها ان تفعل شيئا لصالح الثورة، ولكنني اعتقد بان ذلك وهم لان من يعمل في الداخل ويتحرك امام اعين المخابرات لا يمكنه ان يكون جزءا حقيقيا من الثورة. وشهدنا كيف تحاول هيئة التنسيق وضع العصى في دواليب الثورة.الدور الروسي والإيراني كان معروفا وواضحا وهو الدعم الشامل للنظام الاسدي المجرم، لكننا لم ننتبه جميعا منذ البداية، الى الدور المخرب والمدمر للولايات المتحدة ومن معها والدول العربية وخاصة الخليجية التي ساهمت واشرفت على افراغ الثورة من محتواها. واستنتج بأننا جميعا دون استثناء كنخب سياسية ومثقفة وكافة القوى السياسية والعسكرية والمدنية مسؤولة عن انتكاسة الثورة.الثورة تمكنت منذ أشهرها الأولى من هز اركان نظام الأسد وكسر هيبته وتحطيم جدران الصمت والخوف والرعب، فالشعب السوري الاعزل تقريبا كاد ان يسقط نظام عصابة الأسد المعروف بجبروته الأمني والعسكري، لولا تدخل كل قوى الدنيا الظالمة ضد الشعب السوري. فهل حدث شيء مثيل مع أي ثورة نعرفها؟ ابداً. صحيح ان الثورة انتكست ولكن نظام الأسد لم ينتصر ابدا بل فقد مقومات استمراره، وهو اليوم في أسوأ حالاته ولا يقدر على إدارة مدينة واحد ة بشكل يليق بالبشر . لقد باع سورية للأجانب وحتى الجزء الذي يسيطر عليه شكليا فهو لا يملك قراره فيها لأن إيران وحزب الله وروسيا هم من يدير تلك المناطق.وبعد 13 سنة من مسيرة الثورة هناك من يقول انتهت الثورة وهو يزرع اليأس والإحباط ويردد أحاديث تتقاطع مع ما يقوله النظام من أن الثورة ماتت، أقول ان السوريين البسطاء والنخب الوطنية الحقيقية والتجمعات السياسية الوطنية والثورية ما زالت تؤمن بالثورة ولن يقبلوا بعودة سورية الى ما كانت عليه قبل 2011. ومن فجر الثورة يوما بوجه أعتى الأنظمة الديكتاتورية والقمعية يستطيع بكل تأكيد أن يتابع مسيرة الثورة.