هل يدفع تزويد إيران لروسيا بمسيرات وصواريخ إلى تغيير السياسة الأميركية تجاه طهران؟ وهل يحل الخيار العسكري محل الدبلوماسي في التعاطي الأميركي مع إيران؟ وهل يؤدي الترابط العسكري المتنامي بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية إلى إعادة الحيوية إلى “محور الشر”؟
برنامج “عاصمة القرار” على قناة “الحرة”، طرح هذا الموضوع مع ضيوف هم : سينا أزودي، وهو أستاذ محاضر في “جامعة جورج واشنطن” الأميركية. وريتشارد غولدبيرغ، وهو مستشار أول في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في واشنطن. كما شارك في جزء من الحوار من باريس أستاذ العلاقات الدولية خطّار أبو دياب.
هل اختارت إيران روسيا في مواجهة الغرب؟
قدمت الإدارة الأميركية مؤشراً جديداً على تواطؤ إيران مع روسيا في حربها على أوكرانيا عبر “تزويد إيران لروسيا بطائرات من دون طيار، ونتوقع أن تسعى روسيا للحصول على المزيد منها. لدينا مخاوف من أن روسيا قد تسعى أيضاً للحصول على ذخيرة متقدمة إضافية من إيران، مثل صواريخ أرض – أرض لاستخدامها في أوكرانيا” بحسب ما قال بات رايدر، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
إلى ذلك يُضيف نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أن إدارة بايدن “ستستمر في فرض جميع العقوبات الأميركية بقوة على تجارة الأسلحة الروسية والإيرانية، لنجعل من الصعب على إيران بيع هذه الأسلحة لروسيا. وسنستمر بمساعدة الأوكرانيين في الحصول على ما يحتاجون إليه للدفاع عن أنفسهم ضد هذه التهديدات”.
وفي تصريح لافت قال روبرت مالي، إن الإدارة الأميركية “ملتزمة بالدبلوماسية كطريقة مُثلى لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.وإذا فشلت كل الوسائل والأدوات فإن الملاذ الأخير هو الخيار العسكري، الذي سيكون مطروحاً بوضوح شديد على الطاولة إذا كان هذا هو ما يتطلبه الأمر لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وليس صحيحاً أننا تركنا الخيار العسكري بعيداً في سعينا للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي. لقد قرر الرئيس بايدن استخدام القوة العسكرية مرتين على الأقل ضد الميليشيات التابعة لإيران في سوريا، وستعمل القوات الأميركية على الدفاع عن مصالحنا وعن استقرار المنطقة بغض النظر عن مصير الاتفاق النووي”. على حد تعبير روبرت مالي، المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران.
إن تزويد إيران لروسيا بأسلحة هو أيضاً “انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي يحظر على إيران نقل المواد والتكنولوجيا والمعدات المتعلقة بالصواريخ إلى الخارج”، كما قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي.
ويقول سينا أزودي إن إيران تقف في الجانب الخطأ من التاريخ عبر تقديمها أسلحة لروسيا التي تشن حرباً عدوانية على أوكرانيا. لكن “القرار 2231 لا يغطي المسيرات التي تنقلها إيران إلى روسيا. فالقرار يشمل المسيرات القادرة على توصيل 50 كيلوغراماً على الأقل من الرؤوس بمدى 300 كيلومتراً. ولكن إيران قدمت لروسيا مسيرات لا تقع ضمن هذه الفئة”. على حد تعبير الباحث الإيراني الأميركي سينا أزودي.
وعلى ذلك يجيب ريتشارد غولدبرغ بأنه “رغم أن القرار 2231 لا يشمل كل الأسلحة، لكن ذلك لا يمنع الولايات المتحدة من إعادة تفعيل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بحظر تصدير السلاح الإيراني وجعل تلك القرارات دائمة”.
ولا يوافق سينا أزودي على ذلك لآن “الولايات المتحدة خالفت القرار 2231 عندما انسحبت عام 2018 من الاتفاق النووي مع إيران. وعليه فأميركا لم تعد دولة مشاركة في هذا الاتفاق، وليست في وضع يسمح لها باستعادة العقوبات، وقد فشلت الإدارة السابقة مرتين عام 2020 في إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران”.
وعلى ذلك يرد ريتشارد غولدبرغ بأن “بريطانيا تستطيع طلب إعادة فرض حزمة العقوبات الأممية على إيران. وعلى الولايات المتحدة وأوروبا إعلان الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض حزمة العقوبات الأممية على إيران، غير المهتمة بالعودة إلى هذا الاتفاق، رغم المحاولات الأميركية الحثيثة والمستمرة بهذا الشأن”.
ويقول خطار أبو دياب إن الأوروبيين “عزفوا عن الإصرار والمتابعة مع إيران بشأن عودتها إلى الاتفاق النووي بسبب مماطلة طهران في ذلك. كذلك فقد أصيب الأوروبيون بخيبة أمل من إيران بعد اصطفافها مع روسيا في الحرب على أوكرانيا، وأصبحوا يجارون أكثر الموقف الأميركي والبريطاني تجاه طهران. فالأوروبيون يرون أن القانون الدولي يُخرق وكذلك القرار 2231، إضافة إلى دعم إيران لحرب روسيا. يبدو أن إيران تتقرب من روسيا والصين، و لا تريد التقرّب من الغرب رغم كل الحوافز التي قدمتها الولايات المتحدة وأوروبا لطهران”.
هل انتهى الاتفاق النووي ومعه الدبلوماسية؟
يشرح روبرت مالي استراتيجية واشنطن الراهنة تجاه طهران ويلقي الضوء على مفاصلها الأساسية: “نركز حالياً على قمع المتظاهرين في إيران، ودعم النظام الإيراني للحرب الروسية على أوكرانيا، ومواقف إيران بشأن برنامجها النووي، والمفاوضات النووية ليست محور تركيزنا حالياً، ولن تهدر هذه الإدارة وقتها لإحياء الاتفاق النووي”.
ويُضيف: ” ما نراه اليوم في إيران حركة شعبية ملهمة للغاية من حيث الشجاعة والتصميم والصمود، ومن ناحية أخرى، نرى العنف والوحشية المقرفة للنظام الذي يطارد الناس في الشوارع خاصة النساء والفتيات اللواتي هن في طليعة هذه الحركة”.
ثم يُسهب المفاوض الأميركي روبرت مالي في شرح الركائز الأربع الأساسية لسياسة إدارة بايدن تجاه إيران: “أولاً محاولة إعادة تشكيل تحالف مع حلفائنا المقربين وحلفائنا الأوروبيين. ولدينا الآن موقف أميركي – أوروبي موحد بشأن إيران وبشأن دعم إيران للعدوان الروسي على أوكرانيا، وموقف موحد بشأن دعم الشعب الإيراني في مواجهة عنف النظام. أعتقد أننا نجحنا في أمر بالغ الأهمية وهو تشكيل جبهة مشتركة للرد على أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار وعلى انتهاكات حقوق الإنسان، وضد برنامج إيران النووي”.
ثانياً: إلتزم الرئيس بايدن بشكل واضع بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية. ونستخدم العديد من الأدوات ونتشارك في هذه الرؤية مع الحكومة الإسرائيلية وأطراف أخرى، والذين يرون أنه لا يوجد حل دائم طويل الأجل سوى الحل الدبلوماسي، والدبلوماسية هي الطريقة الأمثل لحل هذه القضية، لكن إذا فشلت الدبلوماسية وجميع الأدوات الأخرى فإن الحل العسكري مطروح على الطاولة.
ثالثاً: “بذل كل الجهود مع شركائنا وحلفائنا لمكافحة أنشطة إيران الخبيثة سواء من خلال العقوبات أو من خلال تشديد وتقوية دفاعات حلفائنا. هذه ركيزة قوية جداً من ركائز سياستنا التي حققنا فيها تقدماً حقيقياً.”
رابعاً: “الدفاع عن حقوق الإنسان في كل العالم وأيضاً في إيران، وقد أصدرنا العديد من الانتقادات منذ اندلاع الاحتجاجات في إيران وحث الدول الأخرى في الاتحاد للدفاع عن حقوق الإنسان في إيران، ونحن نوفي بالتزامنا هذا”.
وفي انتقاد لسياسة إدارة بايدن تجاه إيران، كتب غابريال نورونها: “رغم إرسال إيران مئات الطائرات من دون طيار والصواريخ إلى روسيا في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، لا تزال وزارة الخارجية الأميركية ترفض إعادة فرض حزمة عقوبات الأمم المتحدة على إيران التي تمنح السلطة القانونية الدولية لمجموعة كاملة من الإجراءات لتقييد إيران.
وعلى سبيل المثال: توجه العقوبات جميع الدول إلى “منع وحظر” انتشار الأسلحة التقليدية الإيرانية والصواريخ الباليستية”، حسب تعبير غابريال نورونها، الذي عمل على الملف الإيراني في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
من جهتها، تدعو افتتاحية صحيفة “ناشيونال ريفيو” الأميركية الرئيس بايدن إلى “قطع المفاوضات الإيرانية المتوقفة”. وتصف تمسك الإدارة الحالية بالمحادثات مع إيران بـ” العبثي”، خاصة بعد تزويد إيران لروسيا بأسلحة لقتل الأوكرانيين.
وتضيف الافتتاحية “أن مساعدة النظام الإيراني لروسيا هي جزء من حملته الطويلة لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وحول العالم. وسيستعمل نظام الملالي الأموال التي ستأتيه من العودة إلى الاتفاق النووي لقتل شعبه الثائر ضده ولتصنيع المزيد من السلاح. لذلك على إدارة بايدن الاعلان عن قطع المفاوضات المتوقفة حول اتفاق لا قيمة له”.
كما يدعو الخبيران بالشأن الإيراني بهنام بن طالبلو وأندريا سترايكر، إدارة بايدن وأوروبا إلى “مراجعة سياستهما تجاه إيران، وإعادة فرض حزمة عقوبات الأمم المتحدة على طهران، وتشديد نطاق العقوبات وحجمها على النظام الإيراني بسرعة لايقاف نشره للأسلحة الفتاكة والرخيصة الثمن”.
وتعتقد الخبيرة بالشأن الروسي، هانا نوتّي، أن “روسيا لن تساعد الغرب أبداً في العودة إلى الاتفاق النووي كما فعلت من قبل. والسبب الرئيسي لهذا التحول الروسي هو اعتماد موسكو أكثر على طهران اقصادياً وعسكرياً، من جراء الآثار المتتالية لحرب روسيا على أوكرانيا، التي قللت من قدرة موسكو وزادت من استعدادها للاعتماد على طهران”.
وترد المحللة السياسية، رابيكا كوفلر، أصل المشكلة إلى “ضعف سياسة أوباما- بايدن تجاه إيران، الذي يساعد بوتين ويسهل مسعى إيران في الحصول على أسلحة نووية قد توجهها يوماً نحو نيويورك وواشنطن”، على حد تعبير المعلقة السياسية اليمينية التي تجادل بأن ” ضعف الكفاءة الاستراتيجية لبايدن خلق خطراً جديداً على أميركا هو الوحش الروسي الإيراني”.
وفي المقابل يقول مايكل مكفول، السفير الأميركي السابق في روسيا: ” إيران وكوريا الشمالية حليفتان عسكريتان لروسيا. على أولئك الذين تهددهم إيران وكوريا الشمالية أن يساعدوا أوكرانيا”.
ويقول سينا أزودي إن الخيار العسكري ضد إيران قد يُدمر منشآتها ويُعيد برنامجها النووي إلى الوراء، لكنه ” لن يحل المشكلة لأن إيران تمتلك المعرفة والتكنولوجيا. أيضا، فالخيار العسكري لن يخدم مصلحة الجميع، ولا نعرف كيف سيكون ردّ فعل إيران بعد الضربة العسكرية”.
ويقول ريتشارد غولدبرغ إن “إيران تتصرف بطريقة قد تؤدي إلى اعتبار الخيار العسكري وكأنه الحلّ الوحيد أمام الولايات المتحدة. وأعتقد أن الولايات المتحدة لن تقوم بضرب إيران عسكرياً، بل ربما إسرائيل ستقوم بذلك”.
وتعمل الإدارة الأميركية مع مجلس الأمن الدولي على تثبيت خرق إيران لقراره رقم 2231، الذي يحظر على طهران نقل المواد والتكنولوجيا والمعدات المتعلقة بالصواريخ إلى الخارج.
فهل ستُثبت واشنطن لطهران أن مساندتها العسكرية لروسيا في حربها على أوكرانيا كان رهاناً خاسراً سيدفع العالم إلى عزل إيران دولياً؟ وهل سيكون تشديد السياسة الأميركية تجاه إيران جواب الإدارة الديمقراطية على انتقاد الجمهوريين لها بأنها تعتمد “سياسة استرضاء إيران” عبر دبلوماسية مستمرة حول العودة المشتركة إلى الاتفاق النووي؟