[بقلم الدكتور محمود الحمزة]
نعم إن موسكو تفكر بجد بالخروج من المستنقع الذي غرقت فيه في سورية، فليس لديها خيارات مريحة ومشرفة مادامت مستمرة بسياستها التي تمجد بالديكتاتور والمستبد وتغض النظر عن الشعب وطموحاته وتضحياته ومآسيه، التي كان نظام الطاغية الأسد وحلفائه السبب وراءها.
ولكن قد يكون التوتر الكبير بين موسكو والدول الغربية والتصعيد العسكري في شرقي أوكرانيا، واحتمال انفجار الوضع والذي سيكون كارثيا على روسيا وأوكرانيا، وقد تكون العقوبات الغربية المتلاحقة والضغوطات الهائلة على روسيا، وتردي الوضع الداخلي في روسيا، أو التحالف الصيني الإيراني طويل الأمد الذي يقلل من فرص موسكو الاقتصادية والجيوسياسية، أو إمكانية إعادة الاتفاق النووي مع إيران، بعد وصول الديمقراطي بايدن الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تخسر ها موسكو كحليف لها، لأن ايران ستفتح صفحة مع الغرب على حساب علاقاتها مع موسكو. كل ذلك قد يكون سببا في تنازلات سياسية ستقوم بها موسكو لحفظ ماء الوجه في سورية.
الوقت كالسيف وموسكو تبحث ليلا نهارا عن بصيص أمل للإيحاء للعالم بأن عملية سياسية بدأت في سورية. فعندما اخترعت قصة اللجنة الدستورية أولاً ، في مؤتمر سوتشي 2018 في كرنفال هزلي سمته مؤتمر الحوار السوري السوري، حيث تمخض الفيل وولد فأراً. وكانت تلك لعبة خبيثة قلبت الأولويات الواردة في القرارات الدولية حول سورية. والتفت على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 وتشكيل هيئة حكم انتقالية تقود المرحلة الانتقالية وتنهي مأساة السوريين. ومن المؤكد أنه لا حل للمشكلة في سوريا بطرق ترقيعية ولن يحدث استقرار وأمن في سورية بوجود عصابة مارقة مجرمة في السلطة.
الروس، للأسف، ما زالوا يفكرون بطريقة خاطئة واضعين نصب اعينهم اجنداتهم الخاصة ، التي يظنون أنها مرتبطة بنظام العصابة الاسدية، دون أي مراعاة لمصلحة السوريين.
ونشهد مؤخراً نشاطا ملحوظاً للدبلوماسية الروسية. ففي شهر مارس/آذار زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دول الخليج (الإمارات والسعودية وقطر) وبذل جهودا كبيرة لإقناع قادة تلك الدول بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد المجرم وإعادته إلى الجامعة العربية، وكأن موسكو تريد مكافأته على جرائمه أو تريد تلميع صورته وتبرئته. وقد يكون لافروف قد قال لدول الخليج بأنكم يجب ان تعيدوا الاعتبار للأسد لكي نقنعه بالتنازل والتعاون في تفعيل اللجنة الدستورية وهذا عذر اقبح من ذنب (مثلما ما اقترح مركز كارتر المعروف بتعاطفه مع نظام الأسد المجرم حيث طرح مؤخرا فكرة أنه يجب التعاون مع النظام لإقناعه على تفعيل اللجنة الدستورية والقيام بخطوات سياسية)، لكن الأسد لن يتعاون ولن يغير موقفه المافيوي وهو أصلا ليس لديه خيارات سوى الاستمرار بالحل العسكري. فالحل السياسي سيقضي على بشار وشبيحته.
أما موسكو، فيقتضي العقل والمنطق، ويبدو أن سياسة الأنظمة الشمولية ليس فيها منطق ولا عقل، بأن تعيد النظر في سياستها في سورية وتدرك أن الاستمرار بالدفاع عن الأسد ونظامه المهترئ هو رهان خاسر.
ذهب المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى سورية الكسندر لافرينتيف إلى الرياض قبل زيارة لافروف بيوم واحد والتقى بولي العهد السعودي وهو اليوم زار دمشق بشكل مفاجئ . اما لافروف سيتابع لقاءاته املتعلقة بسورية بالدرجة الأولى ويلتقي بوزير الخارجية الإيراني قريبا ثم يذهب للقاهرة ليلتقي بالأمين العام للجامعة العربية وسيبحث معه عودة نظام الأسد الى الجامعة.
وهناك من يعتقد أن لافرينتيف جاء الى دمشق ليضغط على الأسد ليتعاون في اللجنة الدستورية أو ليؤجل الانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين تقريبا، والتي ينتقدها كل العالم، ويبدو ان موسكو تدرك بأن اجراء الانتخابات التي يريد بشار تثبيت نفسه لسبع سنوات أخرى ليظهر أمام العالم كأنه شرعي ، فإن موسكو تدرك أن بشار فقد أوراق بقائه بسبب فشله في إدارة البلاد وبسبب الفساد والنهب الذي دمر الاقتصاد السوري واوصل البلاد الى وضع كارثي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والذي تجلى في الارتفاع الجنوني للأسعار وغلاء المعيشة، حيث انخفضت الليرة مئات الاضعاف ويعيش السوريون بظروف كارثية متشابهة في كل انحاء سورية الموزعة تحت سيطرة قوى الأمر الواقع من نظام وميليشيات طائفية وارهابية ومن فصائل تنسب نفسها للمعارضة ودول محتلة.
ولا ننسى أن الشعارات والمبادئ في السياسة تنقلب بين ليلة وضحاها. فروسيا التي تمسكت بنظام الأسد واستماتت بدعمه وتبرئته من كل الجرائم والدفاع عنه في مجلس الأمن ودعمته اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، قد نجدها غداً تتخلى عن الأسد وذلك بإخراجه من المشهد السياسي بطريقة ما، لأن روسيا جاءت الى سورية وتدخلت بكل قوتها ليس لسواد عيون بشار أو حبا بالنظام، بل من أجل مصالحها الخاصة، وعندما تجد خطرا على تلك المصالح فإنها ستقوم بتدوير الزوايا.
ويرى بعض الخبراء أن موسكو تجازف بمصالحها، فالوقت ليس لصالحها، لأن الحرب انتهت ويجب البدء بالعملية السلمية في إعادة الإعمار ولكن كيف يمكن بناء سوريا مع نظام تلطخت ايديه بدماء السوريين، وتحولت البلاد إلى قنابل موقوتة زرعتها سلطة المخابرات والنظام الطائفي والميليشيات الإرهابية من داعش وجبهة النصرة وقسد، الذين عزفوا على وتر الدعاية الاسدية في زرع النعرة الطائفية والقومية والانفصالية.
سورية اليوم جريحة ويجب ترميم جراحها بإزالة أسباب الكارثة من جذورها. فلا يمكن تلميع صورة المجرمين الذين تسببوا بقتل أكثر من مليون سوري ومئات الالاف من المعتقلين تحت التعذيب، وتهجير ثلثي سكان البلاد وتشريد ملايين الأطفال واغلبهم أصبحوا معاقين واميين وتدمير ملايين المنازل بالقصف الجوي بالبراميل بمساعدة روسيا.
اليوم تقف موسكو أمام تحدي مصيري حول وجودها في سورية. فإما أن تدرك أن استقرار البلاد مرتبط برحيل الأسد وشبيحته وإما فهي تلعب بالنار وكما يقول المثل لا تلعب بالنار تحرق أصابيعك.
هناك من يرى بأن موسكو تطبخ طبخة سياسية لسورية بالتعاون مع قوى دولية وإقليمية، ونتمنى أن تكون الطبخة نظيفة تهدف لتحقيق حل سياسي مقبول للسوريين.
ولكن بالرغم من أن موسكو وواشنطن وعواصم إقليمية تفكر بمخرج من المستنقع السوري، فإن السوريين امامهم واجب مقدس وهو تجميع القوى وتوحيد الصوت الوطني المستقل لكي يعرف العالم بأن الثورة حية لم تموت، وأن الشعب الذي قدم ملايين الشهداء والضحايا وفقد كل شيء إلا كرامته لن يتراجع ولن يفرط بمطالبه. وستنطلق الثورة من جديد لأن ظروف الثورة، نضجت في الداخل من جديد بعد عشر سنوات من الصراع مع نظام مافيوي قاتل، أراد الحفاظ على السلطة، فوجد نفسه حاكما في بلد مدمر ودولة فاشلة وشعب جائع.
وأود التذكير بنداء الأستاذ ميشيل كيلو (شفاه الله واعاده لنا سالما) بأن السوريين اليوم كلهم أمام تحدي ويجب أن يترفعوا عن خلافاتهم وتناقضاتهم ويتمسكوا بالموقف الوطني الجامع لإنقاذ سوريا وشعبها من الكارثة، والحفاظ على استقلالها ووحدتها وذلك بالاستمرار في الكفاح لإسقاط نظام الأسد المجرم.
لا يوجد في سورية حل إلا باقتلاع جذور هذه العصابة فسورية للسوريين وليس لآل الأسد. ويجب على العصابة أن تدفع الثمن عما ارتكبته ايديها من جرائم بحق السوريين اخرها اذلالهم وتجويعهم، بينما الأسد وشبيحته ينعمون بالعيش الرغيد ويلعبون بالمليارات.
نريد سورية حرة كريمة دولة مدنية ديمقراطية تعددية.
إقرأ أيضاً: متى ستحترم موسكو إرادة الشعب السوري ومطالبته بالحرية…
الوحل السوري من أخطر الوحول التي يمكن أن تهزم قوى عالمية و إقليمية و ذلك لاستعداد السوريين لدفع الفاتورة مضاعفة للحصول على الاستحقاقات الشعبية و الثورية و ربما هناك مصلحة دولية تمثل القوة الأكبر لإغراق الجميع في الوحل السوري و بالأخص روسيا.
و سيعلم الجمع أي منقلب ينقلبون
إن لم يتدارك الروس سياستهم فهم في الشوط الأخير و الاحتياطي. و سياتيكم بالأنباء من لم تزودوه بها و إن غدا لناظره قريب.
لا أظن أن الدول المتصارعة في سوريا تعجز عن إيجاد حل للحرب في سوريا وبعد بيع سوريا بالمزادات تنتظر هذه الدول أن تطول الحرب وأن يبقى الشعب السوري مشردا ومقسما. التقسيم اصبح واضح المعالم على الأرض ومن يقول أن الأمور ستعود كما كانت سابقا فهو واهم. لا أحد يعلم ما هي الإتفاقيات المبرمة من تحت الطاولة بين الدول المتصارعة في سوريا ولكن الكل لديه المصلحة بإطالة أمد الصراع.