[بقلم أ. عدنان عبد الرزاق]
“تجرأنا على الحلم ولسنا نادمين على الكرامة” هكذا رفع سوريون شعار الذكرى العاشرة لمرور ثورتهم، وقت وقف تجار “الحريقة وسوق الحميدية” بدمشق، في مثل هذا اليوم من عام 2011، بوجه تمادي رجال أمن نظام بشار الأسد وصرخوا “حرية”.
ولم يعرفوا، أو جلّ السوريين على الأقل، أن ثمن حريتهم وكرامتهم، سيكون ضعفي تكاليف الحرب العالمية الثانية، ويتصدروا قوائم الفقر والبطالة والهجرة والنزوح العالمية، بعد أن اتفق العالمان، المتحضر والمتخلف، على غض النظر عن جرائم الأسد وتأديب شعوبهم بالسوريين ووأد حلم الربيع العربي الذي بزغ بتونس، في سورية الأسد.
قبل مارس/ آذار 2011، لم يكن السوريون فقراء أو ينشدون الهجرة مخافة الجوع، وذلك، ليس لأن نظام الأسدين، الأب والابن الممتد لأربعين سنة وقتذاك “الآن تعدى حكمهما نصف قرن”، عادلاً بتوزيع الثروة أو ينظر بعين المواطنة للشعب، بل كان حال السوريين، كمعظم شعوب المنطقة، رعايا يعيشون بمزرعة القائد الملهم، بيد أن قلة عدد السكان مقارنة بتنوع الاقتصاد وكثرة الثروات، ربما كان سبب اكتفاء السوريين ولو بالحدود الدنيا، مع حدود عظمى لسلب الحريات والثروات وانتقاص الكرامة وتفشي الفساد.
فنسب البطالة حينما حلم السوريون بالكرامة والعدالة الاجتماعية، لم تكن تزيد عن 14.9% ولا تتجاوز نسبة الفقر وفق المؤشرات السورية عن20% والعالمية عن 30%، في حين من هم تحت خط الفقر، يتراوحون بين 10% و11.5%.
كما كان متوسط الدخول، بين 250 و350 دولاراً، تمكّن معظم السوريين، من العيش بستر وفق المصطلح السوري، نظراً لبقايا النهج الأبوي، من دعم للمشتقات النفطية والسلع الأساسية. ووجود فائض بالإنتاج، والزراعي منه على وجه التحديد، فسورية بلد المئة مليون شجرة زيتون وإنتاج مليون طن قطن ومثلها حمضيات، وتصدر الخضر والفواكه وحتى اللحوم، لدول الجوار والخليج العربي وحتى أوروبا.
ولعل كلمة السر بتوازن الاقتصاد السوري سابقاً، كانت بإنتاج نحو 400 ألف برميل نفط يومياً، تصدر سورية نصفها للخارج، إلى جانب ثروات باطنية كثيرة، ربما الفوسفات بمقدمتها.
جاءت الثورة وحلم السوريين بأبسط الحقوق الآدمية، من كرامة وحسن توزيع الثروات المبددة ووقف تصاعد الفساد الذي دخل طوراً جديداً، منذ وراثة بشار الأسد الحكم عن أبيه عام 2000، حين خرجت إلى العلن البرجوازية العسكرية واقطاعيات حزب البعث وبدأ الخلل بالعقد الذي آثر حافظ الأسد على ضبطه “لنا السياسة ولكم الاقتصاد”، فتسرب أركان النظام وأقرباؤه إلى التحكم بالاقتصاد والقرار السوري.
ولأن نظام الأسد الابن، كان واضحاً وصريحاً برده على حلم السوريين، عبر تصديره أكثر الشعارات، عدمية ووجودية بآن “الأسد أو نحرق البلد” بدأ مشوار التهديم والانهيار، خلال مسلسل حضر حلقاته العالم بأسره، بدأ من الرد على سلمية الثورة بالحديد والنار وامتد لقصف البنى والمنازل ولم ينته بجرائم القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي. لتصل سورية اليوم، إلى بلد على حافة الانهيار، بعد احتلالها من خمسة جيوش وزيادة المهجرين، داخلياً وخارجياً عن نصف السكان.
وبلفتة سريعة للثروات والأرقام الاقتصادية التي أتينا عليها قبل الثورة، تحولت كلمة السر “النفط” من أهم موارد الخزينة إلى أكثر عوامل استنزافها، بعد أن تراجع الإنتاج إلى نحو 30 ألف برميل يسيطر عليها الأسد، وتبدل حال سكان بلد ملايين أطنان القمح إلى جوعى يتوسلون الرغيف عبر الطوابير، وتفشت عادات استهلاكية وأنماط معيشية لم يسمع بها السوريون يوماً، بعد أن بلغت سورية الأسد أرذل المؤشرات العالمية، فتعدت نسبة البطالة 83% والفقر 92% بعد أن تضاعفت الأسعار أكثر من 20 مرة وتراجع سعر صرف الليرة، من 50 للدولار إلى نحو 4000 ليرة اليوم، مع شبه تثبيت للدخل “متوسط الدخل 60 ألف ليرة ومتوسط معيشة الأسرة 750 ألف ليرة شهرياً” لتزف آخر التقديرات العالمية، رقم الكلفة الاقتصادية لحرب الأسد على الثورة، بنحو 1.2 تريليون دولار “منظمة الرؤية العالمية- وورلد فيجن وشركة فرونتير إيكونوميكس لتطوير النتائج الاقتصادية”.
نهاية القول: رغم المخاوف القائمة من إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، بعد تعالي الصيحات، حتى العربية، برفع العقوبات ودعم بشار الأسد والسعي لتقاسم خراب سورية، بيد أنه بالمقابل، ثمة ملامح انفراج
ومحاسبة للنظام السوري، بدأت تلوح بالأفق أخيراً، زادت السوريين تشبثاً بأحلامهم الثورية وانتقالهم من رعايا إلى مواطنين ومن أجراء بمزرعة إلى العيش بدولة، لأن الأثمان الباهظة التي دفعوها مهراً لحريتهم كرامتهم، لا تسمح لهم بالرجوع خطوة للوراء أو الندم على طلب الكرامة، ولو استمرت ثورتهم بتقلباتها..عقداً آخر من الزمن.
إقرأ أيضاً: في ضرورة تحديد الأولويات ومراجعة الأهداف