يشبه الوضع العام في سورية الان ما كان سائدا اواخر ايام الدولة العثمانية في بلادنا قبل اكثر من مائة عام ، اي على ضفاف الحرب العالمية الاولى وكذلك الامر اواخر ايام الاحتلال الفرنسي لبلادنا ، اي على ضفاف الحرب العالمية الثانية : ( احتلال ، موت ، برد ، عتم ،نهب ، ضرائب ، فساد ، امراض ، تشرد ، انحطاط ) وحكومات هزيلة مرتهنة مصابة بداء الصرع وغياب الرؤية . استحضرت هذا التكثيف من دفاتر التاريخ لاقول ان خلف تلك الفترتين التاريخيتين حدثت انهيارات كبيرة ، في الاولى خرج التركي من بلادنا ودخلنا مرحلة الانتداب وفي الثانية خرج الفرنسي بعدما ثبت تقسيم بلاد الشام وزرع البريطاني دولة اسرائيل .
لم تجر وقائع الحرب العالمية الاولى على اراضينا ولكننا كنا من وقودها وتأثرنا بها ولم تجر وقائع الحرب العالمية الثانية على اراضينا ولكننا كنا ايضا من وقودها وتاثرنا بها ،
وها نحن الان نعيش في اتون حرب كونية ثالثة تقليدية وغير تقليدية بين اطراف عدة على جبهات عدة :
(جبهة اوكرانيا حيث روسيا ضد الولايات المتحدة واوربا ، جبهة الاقتصاد العالمي حيث الصين ضد الولايات المتحدة ، جبهة اسيا الصغرى حيث تركيا ضد الجميع ومع الجميع ! جبهة ايران التي تفاوض الغرب وتدمر الشرق من بوابة المشروع النووي الى فيلمها الدموي الطويل ” تحرير القدس ” وهذا الفيلم لايتم الا بعد تفتيت المشرق العربي وتحطيم دوله وتشكيل الميليشيات الطائفية في كل بقعة ، اضافة بالطبع الى جبهات اسرائيل الباردة )
لا اعرف من القائل ان التاريخ له منطق وهو يكرر نفسه ولكن بصيغ مختلفة في المرة الاولى بشكل مأساوي وفي كل مرة بعد ذلك بشكل ساخر ومؤلم !
وهل هناك سخرية اشد ايلاما وقسوة من التي نعيشها ، لقد تفوق الواقع في بشاعته وغراباته على الخيال ، ولا اظن كتاب العبث رفاق ( صاموئيل بيكت ) في تجاربهم المسرحية اللامنطقية قد وصلوا الى المستوى الذي بلغناه .
ولذلك تسود الان شريعة الغاب والحكم بقوة السلاح ولقد افرزت هذه المرحلة في سورية سفهائها من القتلة واللصوص و( الشطار من الاعلاميين والمثقفين والفنانين ومنتحلي صفات رجال الفكر ) الذين يقدمون خلاصة افكارهم المريضة لتسويق هذا الطاعون الذي نحن فيه على انه ضرورة وطنية .
ولكن مع ذلك ، مع ذلك منطق التاريخ يقول اشياء اخرى ، اذ رغم كل هذه الكوارث لا خيار سوى التغيير ، هذا هو منطق التاريخ .
كيف سيتم ذلك ومتى ؟
لا اعرف .
جاء في سورة يوسف الاية ٤٩ ( ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ )( ص) .
المقال السابق
المقال التالي