[بقلم أ. بشار علي الحاج علي]
“للبيت رب يحميه ” مقولة ل عبد المطلب سيد بني هاشم من سادة قريش، وهو من بني هاشم الذين نالوا شرف خدمة الحجيج ، والإشراف عليه.
وكما جاء في الروايات عندما جاء ابرهة الحبشي يغزو مكة بهدف هدم الكعبة وتحويل الحج إلى مكان آخر كما هي أهداف الحروب تحقيق التغيير والإحلال بما في ذلك منافع و مكاسب اقتصادية سياسية، بغلاف ديني ولما كان التاريخ يحمل العبرة في أحداثه ولنا فيها الحكمة والقياس والدروس .
نستذكر حادثة الفيل ولقاء سيد مكة في ذلك الحين عبد المطلب أبرهة ذو الجيش القوي وطلبه إبله دون أن يتحدث عّن بيت الله حتى أن ابرهة استصغره في ذلك وحط قدره ، فكيف لسيد مكة أن يتجاهلها و أن يتخلى عنها بهذه السهولة مما دفعه لسؤاله باستغراب !لماذا لم يسأل أو يرجو وهل حقاً هي مقدسة عنده؟ !
فكان رده أنا رب الإبل وأنا طلبتها منك وأما البيت فله رب يحميه!
هذا الجواب للوهلة الأولى صادم يناقض ما عرف عن العرب فقد كانت العرب تتفاخر بالمروءة و الذود عّن الحمى و الشهامة فمالذي يجعل سيد من أشراف العرب يتصرف على غير ذلك على الأقل يحاول ؟
جواب يبعث الحيرة و الدهشة وربما ماحدث بعد ذلك يفسر هذا التصرف و يجعلنا نقف عند درس في السياسية و القيادة ومفهوم المسؤولية عن الرعية ماحصل هو القيادة والريادة فسيد القوم لا يقودهم للهلاك والمواجهة خسارة لاسبيل للمجازفة فعمل على حمايتهم من خطر غير مسبوق مع سلاح جديد غير تقليدي فيلة فلا منطقية بالمواجهة والخسارة المؤكدة ليس فيها فروسية ولا بطولة .
هنا خلد التاريخ حكمة وإيمان عبد المطلب ، الذي عاد على جماعته ، قومه بأضعاف مضاعفة من مواجهة لانعلم نتائجها بحساب المنطق فبدل من خسارة مكة وقداستها ظفر بقدسية ومهابة دينيا وزعامة في الجزيرة العربية وخارجها وهو ما أهلها لما بعد ذلك من خلال تلك المكانة التي انغرست في وجدان العرب وغيرهم.
هي مجازفة بمقاييس العصر الحاضر لكنها ليست خيارا صفرياً الموت أو النصر بل الحد الأدنى أو النصر.
ليست البطولة المطلقة متاحة وليست من بين الخيارت السياسية الخيارات الصفرية. ولنا في ماضينا صور مشرقة و كبوات ونهوض كما غيرنا وتدور الأيام لتحط .
وبعد سنين عديدة على ثورة الشعب السوري التي تحولت إلى / القضية السورية وسورية ليست مكة وليس فيها سيد بني هاشم و لا إيمانهم ، مالذي وصلت إليه حال السوريين و كيف سننجو من حماقة قائد ومن سذاجة فتيان المدائن وقليلي الخبرة و غزو فيلة وأبرهات ؟
ماذا ننتظر أيها السوريون يتامى الحكمة و فاقدي قداسة المكان بعد أن فقدنا قداسة الإنسان و حرمة دمه ؟
مالذي يمكن فعله ونقدر عليه ؟ ولماذا نفشل في الكثير من تجمعاتنا السياسية المتشابهة في النشأة والمآل؟
هل لنا أن نضع خارطة طريق يسعنا جميعا، نصل فيه إلى بلدنا ومن ثمّ نتنافس و نختلف و نتحالف ؟
نحن بحاجة لواقعية عبد المطلب سيما وأننا لم يظهر فينا من هو بحكمته ، تلك الواقعيه التي قدرت ودرست الإمكانيات و بنت على أساسها الموقف الحكيم بأن مواجهة القوى الكبرى من قبل الضعفاء هو غير صحيح وأن النجاح والنجاة هو الحفاظ على الإمكانات وليس هدرها ، والاستفادة من الهوامش المسموحة بين الأقوياء .
لم نسمع بالروايات من أن هناك من خون عبد المطلب واتهمه بالتخاذل والعمالة و التنازل عن أهداف الأمة و مقدساتها !
لو كان سيد بني هاشم بيننا لقبل التفاوض و قبل التوافقات الدولية و تمسك بما يحصل عليه حتى لو كان أجزاء من حقه وحق قومه ولو أن قوم عبد المطلب وقفوا ضده لربما خسروا إبلهم وكعبتهم من يدري ؟!
يابني سورية لدينا قوى كبرى ولديها من القدرة مالانطيق وبينها ما يسمح بهوامش محدودة وضيقة جداً للحركة
ومن هذه الهوامش الحفاظ على النظام وهو مصلحة لطرف لتعزيز شرعيته وشرعية تدخله فبقاء النظام هو من الهوامش التي أدت أيضاً لبقاء مؤسسات الدولة قائمة ولو شكلاً وهذا أفضل من الفوضى بكل الأحوال.
و أيضا هناك في الطرف المقابل استطاع الشعب الثائر و الساعي للتغيير أن يشكل أجسام معترف بها و أصبحت بالإضافة إلى أنها أجسام وطنية هي حاجة دولية لإدارة الصراع والتنافس في سورية وعليها وهذا الهامش أيضاًهو من أسباب عدم الحسم بين الطرفين إن جاز التعبير.
و برأيي ليس مصلحتنا كسوريين حالياً وبكل صراحة أن تنهار مؤسسات الدولة السورية فجأة ولا أن تنحل أجسام الثورة والمعارضة دون إنجاز حل سياسي يضعنا على عتبة الدخول في مابعد الدمار و النزوح واللجوء .
ولست أختلف مع الرأي الشائع في أن الحل هو توافق دولي على الأقل ضمن الواقع الدولي الحالي لكن لابد لهذا التوافق الدولي من حوامل وطنية.
ولنتفق على محدودية تأثير هذه الحوامل في إنجاز الحل المأمول ، هل هذا كل شيء ؟
طبعا لا ما أسلفت سابقًا هو إطار متداخل بين الدولي والوطني يطغى فيه الدولي على الوطني بشكل جلي لكن هذا الواقع لايمنعنا كسوريين من العمل في منحى آخر وهو الإطار الوطني لتهيئة الحوامل السياسية من تنظيمات وتيارات وأحزاب وكتل قادرة على القيام بما تتطلبه المرحلة التالية لإنجاز الحل السياسي أي العمل في بناء القوى السياسية المنظمة ذات البرامج و الاستراتيجات والرؤى الوطنية.
فبدلاً من الإنشغال جميعاً في الحل السياسي فقط -وهذا واجب- والذي نعلم أونتفق على محدودية تأثيرنا فيه و ندرك عدم مقدرتنا على فرض أي تسوية.
من الحكمة عدم تكسير مجاذيفنا الحالية التي نمسكها على ضعفها هذا من جهة و من جهة ثانية بناء وصناعة مجاذيف قادرة على دفع سفينتنا إلى بر الأمان عندما تأتي الفرصة أو عندما يحين الوقت وتهب الرياح ، فأجسام الحل السياسي ليست بالضرورة هي الأجسام الصالحة لقيادة الدولة في سورية المستقبل وطن بحاجة لجميع أبناءه ، فبعد أن اندلعت الثورة لا عودة للوراء و لا هروب إلى الأمام كل مرحلة لها وقتها ولها مقتضياتها من اشخاص و قوى .
إقرأ أيضاً: الأسد الوريث .. بطل 2020
ملاحظة
يسمح بالإقتباس مع وضع رابط المصدر