صباح اليوم السبت انطلقت أعمال اليوم الأول من ندوة “سورية إلى أين” في العاصمة القطرية الدوحة، بمشاركة عدد من السياسيين السوريين.
وبدأت الندوة بكلمة افتتاحية ألقاها رئيس الوزراء السوري السابق الدكتور رياض حجاب،وهذا نصها، الذي جاء كما يلي:
أُرَحِبُ بِكُمْ جَمِيعًا فِي نَدْوَةِ “سُوريَة إِلَى أَيْنَ؟” وَالَّتِي تَنْعَقِدُ بِالتَّزَامُنِ مَعَ مَا تَمُرُّ بِهِ السّاحَةُ السّوريَّةُ مِنْ تَحَوُّلاتٍ كَبيرَةٍ، بَعْدَ انْقِضاءِ عَقْدِ مَريرٍ، دَفَعَ الشَّعْبُ السّوريُّ، فِيهِ ثَمَنًا بَاهِظًا لِنَيْلِ حُرّيَّتِهِ وَكَرامَتِهِ، حَيْثُ حَوَّلَ عُنْفُ النِّظامِ وَإِجْرامُهُ السّاحَةَ السّوريَّةَ مِنِ: احْتِجاجاتٍ شَعْبيَّةٍ ذَاتِ طابَعٍ سِلْميٍّ، إِلَى حالَةٍ مُسْتَعْصيَةٍ مِنْ الِاسْتِقْطابِ الدَّوْليِّ .
وَعَلَى الرَّغْمِ مِمَّا آلَتْ إِلَيْهِ أَوْضاعُ السُّورِيِّينَ اليَوْمَ؛ إِلَّا أَنَّنَا أَشَدُّ إِصْرَارًا، مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، عَلَى تَحْقيقِ المَطالِبِ العادِلَةِ لِشَعْبِنَا، وَتَعْزيزِ هويَّتِنا الوَطَنيَّةِ الجامِعَةِ، والتَّوَصُّلِ إِلَى عَمَليَّةٍ انْتِقاليَّةٍ لَا مَكانَ فِيهَا لِبَشّارِ الأَسَدِ ونظامهِ، وَعَلَى تَوْحيدِ كَلِمَتِنا فِي سَبيلِ مُحاسَبَةِ الجُناةِ وَتَحْقيقِ العَدالَةِ بِحَقِّهِمْ، وَضَمانِ عَدَمِ إِفْلاتِهِمْ مِنْ العِقابِ.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّنَا نَجْتَمِعُ فِي هَذِهِ النَّدْوَةِ، لِتَقْيِيمِ عملِنا، وَتَصْحيحِ الأَخْطاءِ اَلَّتِي وَقَعْنَا فِيهَا خِلالَ مَسيرَتِنا الشّاقَّةِ لِتَحْقِيقِ دَوْلَةٍ ديمُقْراطيَّةٍ حُرَّةٍ مُوَحَّدَةٍ، تَقومُ عَلَى أَساسِ سيادَةِ الْقَانُونِ وَحَقِّ الجَميعِ فِي التَّعْبيرِ، والتَّمَتُّعِ بِحُقُوقِ المواطَنَةِ المتساويةِ، وَواجِباتِها دُونَ تَمْييزٍ .
لَا شَكَّ فِي أَنَّ الِادِّعاءَ بِأَنَّ بَشّارَ الأَسَد، قَدِ انْتَصَرَ عَلَى الشَّعْبِ السّوريِّ، أَبْعَدُ مَا يَكونُ عَنْ الحَقيقَةِ، إِذْ يُعَانِي نِظامُهُ مِنْ خَسائِرَ فادِحَةٍ عَلَى شَتَّى الصُّعُدِ، وتَتَعَثَّرُ مُحاوَلاتُ اَلتَّطْبيعِ أَمَامَ: تَفَشّي الفَسادِ، وَسوءِ الإِدارَةِ، والتَّدَهْوُرِ الأَمْنيِّ والِاقْتِصاديِّ، وَفُقْدانِ القيَمِ الأَخْلاقيَّةِ والْإِنْسانيَّةِ، وَتَرَدّي الأَوْضاعِ المَعيشيَّةِ، وانْهيارِ اللّيرَةِ السّوريَّةِ، وانْحِدارِ سُورية إِلَى أَدْنَى دَرَكاتِ الفَسادِ، والْفَقْرِ، والْبِطالَةِ، عَلَى مُسْتَوَى العالَمِ، فِيمَا يَخوضُ حُلَفاءُ بَشّارِ المُنْهَكينَ، مَعْرَكَةً دِبْلوماسيَّةً يائِسَةً، لِإِعَادَةِ تَعْويمِ نِظامٍ فَقَدَ شَرْعيَّتَهُ.
وَتُحَتِّمَ عَلَيْنَا تِلْكَ التَّطَوُّراتُ وَضْعَ الخُطَطِ النّاجِعَةِ، لِإِفْشَالِ مُحاوَلاتِ تَأْهيلِ النِّظامِ، وَكَشَفَ زيفِ أَوْهامِ تَخَلِّيهِ عَنْ الوِصايَةِ الإيرانيَّةِ، إِذْ إِنَّ تَفْكيكَ العُقْدَةِ السّوريَّةِ، يَبْدَأُ مِنْ مواجَهَةِ مَشْروعِ التَّوَسُّعِ الإيرانيِّ فِي المِنْطَقَةِ، وَكَبْحِ جِماحِ القُوَى الطّائِفيَّةِ العابِرَةِ لِلْحُدُودِ.
وَحَتَّى لَا تَذْهَبَ تَضْحياتُ شَعْبِنا سُدى؛ يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا تَجْديدُ العَهْدِ لِشَعْبِنَا، بِأَنْ نَجْعَلَ قَضيَّتَهُ بُوَصلَتَنا، وَأَنْ يَكونَ رَفْعَ مُعاناتِهِ هَدَفُنا الأَسْمَى، وَإِنْفاذُ العَدالَةِ فِي حَقِّ مِنْ أَجْرَمُوا بِحَقِّهِ أَوْلَويَّةً لَنَا، وَأَنْ نَبْذُلَ غايَةَ جَهْدِنا فِي إِيجَادِ الحُلولِ، والْخُروجِ مِنْ حالَةِ الِاسْتِعْصاءِ اَلَّتِي تَمُرُّ بِهَا بِلادُنا، وَأَنْ نَحْشُدَ سائِرَ فِئاتِ مجتمعِنَا وَمُكَوِّنَاتِهِ، فِي مَعْرَكَةِ المَصيرِ الواحِدِ، والْعَيْشِ المُشْتَرَكِ.
وَلَا يُمْكِنُ تَحْقيقُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ خِلالِ: معالجةِ الأخطاءِ التي وقعتْ فيها مؤسساتُ الثورةِ، وتصويبِ مسارِها، والارتقاءِ بأدائِها، وتعزيزِ فاعليتِها، وَضَمانِ تَمْثيلِ أَهْلِنا كَأَصْحابِ حَقٍّ؛ يُنَافِحُونَ عَنْ قَضيَّتِهِمْ، وَيُدَافِعُونَ عَنْ أَرْضِهِمْ، وَيَصونونَ هويَّتَهُمْ، وَيَسْتَحْوِذونَ عَلَى زِمامِ المُبادَرَةِ.
وَمِن هُنَا جَاءَتِ الدَّعْوَةُ لِهَذِهِ النَّدْوَةِ، والتي تهدِفُ إلى جمعِ النُخبِ السوريةِ الفاعلةِ، وتمتينِ أواصرِ التنسيقِ والتعاونِ فيما بينها، وتوفيرِ أجواءِ الحوارِ الوُدِّيِّ بينَ مختلَفِ أطرافِها، والتشاوُرِ بشأنِ آلياتِ التعاملِ معَ المستجِداتِ، ولِنُؤَكِدَ للعالمِ أجمعِ أنَّ قوى الثورةِ السوريةِ هي رقمٌ صعبٌ في المشهدِ الإقليميِ والدوليِ، وأنها لا تزالُ تمتلكُ رصيداً ضخماً من الحيويةِ والفاعليةِ والقدرةِ على تجديدِ الدماءِ، وبأنها تقفُ في صفٍ واحدٍ ضدَ النظامِ وإجرامِهِ، والعملِ على إسقاطهِ كحلٍ أوحدٍ لتحقيقِ عمليةٍ إنتقاليةٍ ذاتِ مصداقيةٍ.
ولذلكَ فقدْ حَرَصنا عَلَى أَنْ يَكونَ حُضورُ هذهِ الندوةِ سُورْيَاً بَحْتًا، وَأَنْ نَجْمعَ بَيْنَ مُؤَسَّساتِ الثَّوْرَةِ والْمُعارَضَةِ وَ مختلف ِالقُوَى السّياسيَّةِ، وَمَراكِزِ الفِكْرِ، وَمُنَظَّماتِ اَلْمُجْتَمَعِ اَلْمَدَنيِّ، وَمُمَثِّلِي الْجَالِيَاتِ السّوريَّةِ، والْإِعْلامِ السّوريِّ، وَعَدَدٍ مِنْ الشَّخْصِيَّاتِ المُسْتَقِلَّةِ، فِي ثَمانِ جَلَساتٍ تَهْدِفُ إِلَى مُراجَعَةِ حِساباتِنا، وَإِعادَةِ تَرْتيبِ أَوْلَوِيَّاتِنَا، وَاَلْتَدارُسِ فِيمَا بَيْنَنَا حَوْلَ مُعالَجَةِ الأَوْضاعِ اَلَّتِي آلَتْ إِلَيْهَا البِلادُ، وصيانةِ المبادئِ التي لا نتنازلُ عنها، وتعزيزُ الثوابتِ التي قامتِ الثورةُ السوريةُ لأجلِها، وتحديدُ سُبُلِ النُّهوضِ بِأَدَائِنا لِتَحْقِيقِ الْآمَالِ المَنْشودَةِ.
وَبِمُوَازَاةِ حِرْصِنا عَلَى دَعْوَةِ كافَّةِ الفَاعِلِينَ السُّورِيِّينَ؛ رَاعَينَا شُموليَّةَ الطَّرْحِ، عَلَى أَمَلِ التَّوَصُّلِ إِلَى إِقْرارِ تَوْصياتٍ، تَضَعُ خُطُوطًا عَريضَةً لِعَمَلِ المُعارَضَةِ فِي المَرْحَلَةِ المُقْبِلَةِ، فِي مَا يُبْرِزُ دَوْرَها المُؤَسَّسيّ.
وَإِنَّنَا إِذْ نَجْتَمِعُ اليَوْمَ لِمُنَاقَشَةِ تَحَوُّلاتِ المَشْهَدِ السّوريِّ؛ لَا بُدَّ أَنْ نَضَعَ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ مَسْؤوليَّتَنا، تِجاهَ مَأْساةِ إِخْوَتِنا مِنْ المُعْتَقَلَاتِ وَالمُعْتَقَلِينَ، اَلَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِأَسْوَأِ أَنْماطِ الِامْتِهانِ البَشَريِّ، فِي سُجونِ بَشّارِ الأَسَدِ، والْأَوْضاعَ المُزْريَةَ لِأَهْلِنا فِي الدَّاخِلِ السّوريِّ، اَلَّذِي يُقَاسِي أَسْوَأَ أَزْمَةٍ اقْتِصاديَّةٍ تَشْهَدُهَا البِلادُ، وَمُعاناةَ أَكْثَرِ مِنْ ثَلاثَةَ عَشَرَ مِلْيونِ سوريٍّ، فِي مَناطِقِ اللُّجوءِ والنُّزوحِ، بَعْدَ أَنْ دَمَّرَ النِّظامُ بُيوتَهُمْ، وَوَطَّنَ فِي مَنَاطِقِهِمْ عَناصِرَ اَلْميلِيشْياتِ الطّائِفيَّةِ الأَجْنَبيَّةِ، فِي أَشْنَعِ عَمَليَّةِ إِحْلالٍ سُكّانيٍّ، وَتَهْجيرٍ قَسْريٍّ، يَشْهَدُهَا العالَمُ مُنْذُ الحَرْبِ العالَميَّةِ الثّانيَةِ.
وَلِمُعالَجَةِ الحالَةِ المُسْتَعْصيَةِ اَلَّتِي آلَ إِلَيْهَا المَشْهَدُ السّوريُّ؛ يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا التَّحَلّي بِالْمَسْؤُولِيَّةِ لِإِعْلَاءِ المَصْلَحَةِ الوَطَنيَّةِ، وَرَصِّ اَلصُّفوفِ، وَجَمَعِ الكَلِمَةِ، وَتَدْشِينِ مَرْحَلَةٍ جَديدَةٍ يَنْتَزِعُ فِيهَا السُّورِيُّونَ كامِلَ حُقوقِهِمُ اَلْمَشْروعَةِ مِنْ النِّظامِ القَمْعيِّ اَلْآيِلِ لِلسُّقُوطِ.
وَإِذْ نَفْتَتِحُ هَذِهِ النَّدْوَةَ؛ لَيَطيبُ لِي أَنْ أُجَدِّدَ التَّرْحيبَ بِهَذَا الجَمْعِ الكَريمِ، وَأَنْ أُؤَكِّدَ عَلَى أَنَّ أَيْديَنا ممدودةٌ لِجَمِيعِ مِنْ لَمْ يَتَسَنَّ لَهُمُ الحُضورُ فِي فَعاليّاتٍ مُسْتَقْبَليَّةٍ تُعَزِّزُ التَّواصُلَ الإيجابيَّ خارِجَ إِطارِ الوِصايَةِ الخارِجيَّةِ وَمُحاوَلاتِ الفَرْزِ الإِقْليميِّ وَمَعارِكِ الِاسْتِقْطابِ الدَّوْليِّ.وَلَا يَفوتُني تَوْجيهُ الشُّكْرِ إِلَى دَوْلَةِ قَطَرَ عَلَى مَواقِفِها المَبْدَئيَّةِ الثّابِتَةِ، وَدَعْمِها الجُهودَ الدَّوْليَّةَ لِإِنْفَاذِ القَراراتِ الأُمَميَّةِ، وَعَلَى دَعْوَتِها لِمُحَاسَبَةِ مَنِ ارْتَكَبُوا انْتِهاكاتٍ بِحَقِّ الشَّعْبِ السّوريِّ، وَعَلَى اسْتِضافَتِها هَذِهِ النَّدْوَةَ.
كَمَا أَتَوَجَّهُ بِالشُّكْرِ والْعِرْفانِ، لِسَائِرِ الدّوَلِ الشَّقيقَةِ والصَّديقَةِ، عَلَى مَواقِفِها الدّاعِمَةِ لِلْمَطَالِبِ المُحِقَّةِ وَالمَشْرُوعَةِ لِلشَّعْبِ السّوريِّ، وَعَلَى اسْتِضافَتِها المَلايينَ مِنْ أَبْناءِ شَعْبِنا، اَلَّذِينَ فَقَدوا الأَمْنَ وَالأَمَانَ فِي بَلَدِهِمْ، وَسَعْيِها لِتَحْقِيقِ عَمَليَّةِ انْتِقالٍ سياسيٍّ حَقيقيٍّ، وَإِنْشاءِ نِظامٍ حُرٍّ ديمُقْراطيٍّ تَعَدُّديٍّ، لَا مَكانَ فِيه لِبَشّارِ الأَسَد، وَلِكُلِّ مِنْ تَوَرَّطَ بِارْتِكَابِ الجَرائِمِ بِحَقِّ السُّورِيِّينَ.وَيَحْدُونِي الأَمَلُ بِأَنْ تَسودَ فِي الجَلَساتِ المُقْبِلَةِ، أَجْواءُ الحِوارِ الهادِئِ والْوِدْيِّ، اَلَّذِي لَا تَنْقُصُهُ الشَّفافيَّةُ، وَأَنْ نَمْتَلِكَ الصَّراحَةَ اللازمة لِتَحْدِيدِ مَكامِنِ الخَلَلِ، وَوَضْعِ آلِيَّاتِ مُعالَجَتِها، دُونَ تَعَدٍّ أَوْ تَجاوُزٍ أَوْ تَجْريحٍ، وَأَتَمَنَّى أَنْ تَكونَ هَذِهِ النَّدْوَةُ باكورَةَ لِقاءاتٍ قادِمَةٍ، تَشْمَلُ كافَّةَ أَلْوانِ الطَّيْفِ السّوريِّ فِي المُسْتَقْبَلِ القَريبِ.
والسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.