عقوبات المصرف المركزي ومستقبل الإقتصاد السوري

كما الجهاز العصبي للإنسان يعتبر المصرف المركزي الجهاز العصبي للإقتصاد بإعتباره بنك الدولة و بنك البنوك و أساس النشاط الإقتصادي و التنمية من خلال الدور الوظيفي الذي يقوم به في الحصول على المدخرات و توجيهها لخدمة الإقتصاد الوطني و يشكل المصدر الرئيسي للتجارة من خلال التسهيلات الائتمانية و ضبطها و توجيهها لدعم الإستثمارات و المنشآت التي تتجه في المحصلة لخدمة الاقتصاد الكلي بشكل عام ، بالإضافة إلى دوره في كبح جماح التضخم و تخفيض نسبة البطالة و إصدار النقد و تحديد سعر الفائدة و الإشراف على الإحتياطي النقدي و الذهب و المساهمة في معالجة أوضاع ميزان المدفوعات بإستخدام سياسته المالية و النقدية و الكثير من المهام الأخرى.

كما أن أي تنمية إقتصادية لا بد أن تترافق مع قدر كبير من الإيداعات المصرفية ليعاد إستخدامها في التنمية و تحقيق الرفاهية و الإستقرار. في سوريا وإستثناءاً عن كل دول العالم يرتبط المصرف المركزي بالتوجهات الأمنية و هيمنتها بإعتبارها المؤسسة الوحيدة الفاعلة لتطبيق سياسات النظام. فالمصرف عبارة عن مجرد ديكور مسيس و غير فاعل و دوره يقتصر على بعض المعاملات المالية و التسهيلات التجارية و لا يستطيع رسم سياسة مالية أو نقدية أو حتى المشاركة بها.

تطور العقوبات الأميركية بعد قانون قيصر:

أفرد قانون قيصر مادة خاصة تتعلق بالبنك المركزي السوري بسبب وظائفه المتعلقة بخدمة نظام الأسد و دوره الرئيسي في التبادل التجاري و المالي خارجيًا لذلك لم يتم فرض العقوبات مباشرة عند دخول قانون قيصر حيز التنفيذ بل تم تأجيله لمدة 180 يوم لدراسة وضع البنك المركزي السوري فيما إذا كان مشاركًا بعمليات غسل الأموال و أعطاه قانون قيصر فرصة ليدار بإستقلالية و بعمليات نزيهة تؤمن للشعب السوري إحتياجاته و مستلزماته الغذائية و الطبية.

مع نهاية عام 2020 و مع تطورات حرب الأسد على شعبه و ما خلفته من تهجير و تشريد لملايين السوريين و دمار و خراب لمعظم البنى التحتية السورية و المرافق الإنتاجية من معامل و منشآت و أراض زراعية و سدود و مدارس و كنائس و منازل و مشافي و مستوصفات بالإضافة إلى رفضه و مماطلته في تطبيق القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.

كان يوم الثلاثاء الواقع في 22 كانون الأول موعد العقوبات الامريكية التي استهدفت 7 افراد و 10 كيانات ضمنها البنك المركزي و هذا يؤكد على جدية الولايات المتحدة في تعاطيها مع الملف السوري و بأنه من أولويات اهتمامها.

منعكسات العقوبات على المصرف المركزي السوري:

العقوبات على المصرف المركزي السوري ستؤدي إلى عزله عن النظام المصرفي العالمي حيث ستقطع علاقته مع المصارف الامريكية ثم الأوروبية ثم الخليجية و الاسيوية و غيرها و ستبتعد عن التعامل معه خوفًا من تأثير العقوبات الأميركية على أعمالها و مصالحها الخاصة و ستفقد المصارف السورية جزء كبير من أعمالها الخارجية و أرباحها و عملائها بالخارج و ستنخفض ثقة الباعة الدوليين بالنظام المصرفي السوري و ستكون ضربة قوية لسمعة البنوك السورية على المستوى الدولي و فقدان الثقة بها.

ستزداد كلفة المعاملات المصرفية و ستتسع بشكل مضطرد دائرة الصيرفة في الظل و ستنقطع العلاقات مع المصارف المراسلة و يتراجع كثيرا تمويل الواردات و تتعقد الإجراءات التجارية.

المنعكس الأهم فقدان موارد القطع الأجنبي و ستختفي بشكل تدريجي تحويلات العاملين في الخارج عن القطاع المصرفي الرسمي و سيكون هناك منعكس كبير على القطاع الخاص المتبقي لدى نظام الأسد فسيحرم من التمويل الخارجي و الإستثمار الأجنبي.

فأحد اهم أساليب الاستيراد و التصدير هو بطاقات الإعتماد و الضمان المصرفي و التي يقوم البنك عادة بإصدارها و تنظيم حساباتها و إنعدام هذه الخدمة سيضيق الخناق على التجار و أصحاب المعامل و العاملين في قطاع الإستيراد و توفير السلع الضرورية و المواد الأولية اللازمة للإنتاج إلا عن طريق التحايل عبر وسطاء أي طرف ثالث و سينعكس ذلك على قيمة المستوردات مما يزيد سعرها عدة أضعاف و الذي سيكون له أثره على طلب و إقبال المستهلك لشراء هذه السلع و ربما تكون تكلفة المنتج أعلى من سعر البيع و خاصة في ظل إنعدام المقدرة على الشراء لدى المواطنين قياسا لدخلهم و من الطبيعي في هذه الحالة أن يعجز المنتج عن الوفاء بالتزاماته و سيتوقف عن العمل و الإنتاج بسبب إرتفاع تكلفة الإنتاج مما يؤدي إلى إرتفاع أسعار السلع الإستهلاكية فالخوف و القلق سيسطر على المنتج و المستثمر و سيؤثر بشكل كبير على نشاطه الإقتصادي بسبب الضبابية في رؤيته المستقبلية قياسا بالكلفة و عائد الاستثمار و مدى جدوى نشاطه الإقتصادي و حاجته إلى تعديل أسعار السلع و الخدمات بشكل يومي نتيجة تدهور و تذبذب سعر الصرف و صعوبة وجود قرارات اقتصادية مستقرة في هذه المرحلة من قبل المؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة و ستزداد حدة التضخم و تتسع الفجوة ما بين الأجور المتدنية أصلا و التي تعادل وفق التقديرات كمتوسط ما بين 20-30 دولار شهريا و تكلفة المعيشة.

ستضر العقوبات بقطاع الصحة و خاصة بعد توقف معظم معامل الأدوية في سوريا عن العمل و بمجالات تعاون هذا القطاع مع مختلف دول العالم و نقل التقنيات الحديثة و الإطلاع على التطور العلمي و التقني في هذا القطاع.

كذلك القطاع الصناعي فستتوقف المصانع و المعامل بشكل شبه نهائي لعجزها عن إستيراد المواد الأولية اللازمة و قطع التبديل.

أما قطاع الزراعة فسترتفع أسعار مدخلاته في حال توفرها و ستنعكس على المنتجات المحلية لتزداد حدة اثمانها. أما القطاع السياحي فهو شبه معدوم و سيكون لقطاع النقل نصيب كبير و خاصة النقل الجوي لعدم تمكنه من الحصول على قطع الغيار و الصيانة.

أما الاستثمارات الخارجية سواء العربية أم الأجنبية فلن يكون لها أي طريق إلى سوريا و سيغادر الموجود منها ، و ستنحفض قيمة الليرة السورية و تفقد مصداقيتها بشكل كبير خارج البلاد و داخلها و ستتجه سوريا إلى المزيد من الانهيار الاقتصادي و الفقر بالإضافة إلى إنعدام ثقة المواطن بالدولة مما سيدفع التجار إلى اللجوء للقطع الأجنبي لحفظ قيمة رؤوس أموالهم و كذلك الأسر السورية التي ستستبدل مدخراتها من العملة السورية بالعملة الأجنبية و هي إحترازات مفهومة أمام التدهور الكبير في سعر صرف الليرة المتسارع.

من الصعب الإقرار اليوم بأن الحصار الاقتصادي ضد أي نظام سياسي يمنحه القوة للبناء و الإعتماد على الذات بسبب أن تعقيد الشبكة الاقتصادية العالمية و شدة الإرتباط الحاصل بين النظام المالي و الإقتصادي يدحضان هذا الإفتراض.

إقرأ أيضاً: عجز الموازنة السوري في ظل حكم بشار الأسد

مقدرة نظام الأسد على المواجهة:

سؤال مطروح بقوة و يتردد كثيرًا على ألسنة الجميع في ظل إنسداد الأفق لأي حل لتشبث بشار الأسد بكرسي السلطة و نظام يعيش حالة الشللية و الفساد الإداري و السياسي و الإقتصادي و بالخلاصة معظم الدراسات و الأبحاث و تقديرات الخبراء تجمع أن الصعوبات غير قابلة للحلول و أن المخاوف لا مثيل لها في تاريخ الدول و أننا نقترب من كارثة حقيقية و مؤكدة و سيكون الإفلاس الفعلي قادما و بسرعة فائقة و ستزداد حالة الإنكماش التي عليها الإقتصاد و ستتفاقم حدة البطالة بشكل مخيف و خاصة في ظل الدور الذي لعبته عسكرة المجتمع السوري و سيؤدي كل ذلك إلى مزيد من الإحتقان و التذمر الإجتماعي بسبب الفقر و الجوع لكن الصوت لن يصل إلى كرسي الأسد بإعتباره الحصن الحصين الممانع .

أجريت دراسة إقتصادية كشفت أن سرعة الإنهيار الإقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها النظام تضاعفت 34 مرة خلال عام 2020 مما كانت عليه قبل 6 سنوات و اعتمدت الدراسة على حسابات تحولات القيمة الشرائية للعملة السورية بمقياس الذهب.

لا يوجد إقتصاد في سوريا هناك فوضى عارمة لأن البلد تحكمه عصابات و ميليشيات و ليس لديهم أي تصور عن السياسة و الإقتصاد فشعارهم الأسد أو نحرق البلد و كل ما في الامر تبديد للثروات و سرقة موارد البلد الموجودة فوق الأرض و تحت الأرض و قتل و سجن و تهجير و رهن للمقدرات و أصول الدولة لعشرات السنين بمعنى اقتصاد منهوب.

الغريب في الأمر أن آل الأسد و الزمرة المحيطة بهم تعيش في بزخ و إسراف لم يعشها أي مسرف و أي مبذر في العالم و الأموال التي سرقوها لا تعد و لا تحصى و هذا يعرفه كل الشعب السوري ولو استخدموا ربعها لخدمة الشعب و بناء سوريا بشكل متطور و حضاري لكانت لدينا أفضل الخدمات فلا بطالة و لا فقر و لا مرض لكنهم استولوا على كل سوريا بما فيها من ثروة و مال و استغلوا الشعب بكل مكوناته و وضعوه في خدمتهم و تمكنوا من تخديره و كل ما أحسوا بعودة وعيه شعروا بالخطر و زادوا من جرعات الطائفية و الحقد ليفقد البعض وعيه و عقله و هكذا يتلاشى خطر الشعب ليمعنوا أكثر في سرقة ثرواته.

الكلمة الحرة الصادقة الشريفة هي كرامة الإنسان فإذا فقدها فقد عقله و إنسانيته و تحول إلى حيوان مفترس و هذا ما يدفعنا إلى الهاوية لذلك يجب على كافة السوريين بمختلف طوائفهم و إنتماءاتهم أن يتوحدوا في جبهة واحدة بصدق و إخلاص و نكران ذات لوحدة سوريا و بناءها وفق إرادة الشعب.

تحذيرات الشعب السوري :

أينما وجدت الحرب وجد الجوع وأينما وجد الجوع لا بد أن يكون هناك حرب فهما خطان متلازمان احدهما يؤدي إلى الأخر و في سوريا إستمرار الأسد وحربه يعني إستمرار الحرب و الجوع فما زال يحصد أرواح الناس و يدمر حياة الملايين من أبناء الشعب موال ومعارض لافرق فسياسته حطمت مقدرات سوريا و أدخلت البلد في نفق مظلم و بددت ثرواته في ظل تمسكه بسلطة غير شرعية و تكالبه على المغانم و حرمانه للشعب من خيرات بلده.

لقد استوطن البؤس و الشقاء في عيون الشعب السوري و أصبح سمة مشتركة و السوري اليوم يشتري حاجياته بالقطعة بدل من الكيلو بسبب الفقر المدقع و باتت اللحوم و الألبان و الأجبان حلما كبيرًا لدى الكثير من العائلات السورية أما الملبس فحدث و لا حرج و بيوت معظمهم باردة لا تقيهم فصل الشتاء و وجوه الجميع شاحبة من المرض و قلة التغذية و التعليم في أدنى مستوياته و حالهم يسير من بؤس إلى بؤس اشد و أقسى و إنفجارهم القادم سيكون عنيفا ككرة من نار تحرق كل من حولها و هي نقطة اللاعودة .

كل البيانات و الأرقام و الإحصائيات و التقارير الدولية أكدت على أن 85% من الشعب السوري تحت خط الفقر و سيكون لذلك عواقب كبيرة فستزداد جرائم السرقة و النهب لتصبح مع مرور الزمن عصابات منظمة تستبيح الأعراض و الممتلكات و تزهق الأرواح و سترتفع نسبة الجهل و تهاجر الكفاءات و الخبرات و رؤوس الأموال و تنتشر المخدرات و الأمراض و الأوبئة و لن يكون هناك مصداقية لدولة أو نظام و ستزداد نسبة البطالة و نسبة الإجرام و خاصة في ظل سلاح منتشر بكثافة تحت شعارات متعددة و لم يكن يوما إقتصاد الحرب مكسبا للشعب السوري و لم يخدم إلا الأسد و حاشيته و هو حالة مشوهة تضاف إلى إنجازات النظام و لا إستقرار إلا برحيل الأسد و إعادة اللحمة و التضامن و روح المواطنة إلى الشعب السوري بكافة مكوناته فلدينا ما يكفي لننهض في حال وجود حكم وطني سوري خالص يقوم بإدارة الإقتصاد على أسس علمية و يعبئ الطاقات المادية و البشرية و يزجها لخلق تنمية مستدامة و يهتم بالتعليم و الصحة و القضاء و أمن المواطن و إستقراره و يعيد بناء الانسان على أسس وطنية بعيدة عن الطائفية المقيتة و بعدها سيكون مستقبل سوريا مشرقا لكل ابناءها.

د.محمد حاج بكري

إقرأ أيضاً: الذاكرة الوطنية ونزعة الأسد والمتطرفين التدميرية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.