لم يكن مستغربا حدوث تلك الزيارة المفاجئة لرئيس النظام السوري الى دولة الامارات العربية المتحدة ..ولكن لايمكن للمتابع الا ان يضعها كاحدى تداعيات الحرب الروسية على اوكرانيا ..صحيح أن الاتصالات لم تنقطع في ذروة الاصطفاف الاماراتي كأحد ما يسمى أصدقاء الشعب السوري واسهامها في تقديم الدعم العسكري لبعض فصائل الثورة السورية ..وكانت زيارة وزير الخارجية الاماراتي الى دمشق والاتصال الهاتفي بين راس النظام السوري وولي عهد ابو ظبي…وماسرت من أقاويل حول نية دولة الامارات إعادة تأهيل النظام السوري بغض طرف امريكي واعادته الى شغل مقعد سورية في الجامعة العربية مع تزويده ببعض المساعدات الاقتصادية لتجاوز ازمته الخانقة…
إلا أن الاموال الاماراتية والتطبيع السياسي ذهب الى عدو النظام السوري ..فتوج التقارب الاماراتي التركي بزيارة ولي عهد ابو ظبي إلى أنقرة وإنهاء قطيعة عقد من الزمن كانت العلاقات التركية الاماراتية في اسوا حالاتها
تم رصد تطورين في مسار العلاقة بين دولة الامارات العربية والنظام السوري…
فعندما اقدمت دولة الامارات على عقد معاهدة سلام مع إسرائيل بصيف عام 2020 ..لم يسارع النظام السوري باعتباره أحد ادوات المشروع الايراني بالمنطقة إلى إدانة دولة الامارات أسوة ببقية مايسمى(محور المقاومة) بل التزم الصمت اتجاه ذلك الحدث..إلا ان النظام السوري لم يدين الاعتدءات التي نفذتها اذرع الحرس الثوري الايراني على ابو ظبي في بدايات العام الحالي…
تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا
لم يتردد النظام السوري في تأييد الحرب الروسية على اوكرانيا حتى قبل حدوثها عندما اعلن عن تاييده لقرار الرئيس الروسي بالاعتراف باستقلال جمهوريتي الدونباس ثم تاليا التصويت بالجمعية العامة للامم المتحدة بعدم إدانة الغزو الروسي اتبعه بعد بدء ملامح تورط او مستنقع روسي في اوكرانيا الى إرسال المرتزقة السوريين من ميليشياته للقتال الى جانب القوات الروسية كإصطفاف نهائي وواضح الى جانب موسكو وبالتالي الفوز بفوزها والخسارة بخسارتها
بدات تتوضح صورة المشهد الاوكراني وتنعكس على النظام السوري على الشكل التالي:
- يبدو بعد الدخول بالاسبوع الرابع من الحرب ان الجيش الروسي قد بدا يغوص في الوحول الاوكرانية ولم يحقق تقدما جوهريا ..وبالتالي من المتوقع خوضه لحرب استنزاف طويلة وبالتالي ستؤدي الى ضعف اهتمامه او رغبته في استنزاف اكثر له بوجود خارج المجال الجغرافي الروسي ..بمعنى ضعف التواجد العسكري الروسي تدريجيا في سورية او ممكن في مراحل لاحقة التخفيف منه والاكتفاء بقواعد جوية وبحرية دون اعباء اخرى قتالية او حماية للنظام…
- فاجأت العقوبات الغربية القصوى والعزل السياسي والدبلوماسي الذي فرضته المجموعة الغربية الى توقع حدوث ازمة إقتصادية خانقة بروسيا الاتحادية نفسها..وبالتالي إنعكاس ذلك على المساعدات الاقتصادية (على قلتها) المقدمة للنظام من القمح والوقود إلا انها كانت ضرورية للحفاظ على إقتصاد النظام السوري من الانهيار
- بالتأكيد لن يتمكن النظام من الاعتماد على الدعم الاقتصادي الروسي..وبفعل ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية عالميا (الفمح والزيوت النباتية) وارتفاع اسعار البترول ايضا نتيجة الحرب فإن النظام بات بامس الحاجة الى منقذ خارجي للحيلولة دون اندلاع اضطرابات شعبية معيشية متوقعة بسبب عدم قدرة النظام على توفير الحاجات الاساسية للغذاء والطاقة..وبالطبع عدم توفر السيولة المالية لديه للشراء من الاسواق العالمية.
الأسباب المباشرة للزيارة
لاشك ان دولة الامارات كمركز مالي عالمي كانت ملاذا ايضا للاموال السورية المنهوبة من عائلة الاسد نفسه واعوانه..ويشاع عن حجز أموال بمصارف إماراتية مختلف علبها بين رامي مخلوف ورئيس النظام ..ممكن ان تكون تمت تسوية ما بشانها…
ألا أننا لايسعنا الا الربط بين زيارة وزير الخارجية الاماراتي لموسكو ولفاءه مع لافروف..ثم الاعلان عن الزيارة في اليوم النالي ..حيث من اامحتمل ان يكون تم الطلب روسيا من الامارات لعب دور إسعافي إقتصادي لتعويض الدور الروسي السابق ريثما تتضح الصورة أكثر بالحرب التي تدور رحاها في اوكرانية..ولمنع استغلال ايراني لتعبئة الفراغ والامساك اكثر فاكثر بقرار النظام..سيما وان بوادر اتفاق نووي جديد بين الغرب وايران تلوح بالافق بنسبة اكثر من الفشل في التوصل اليه وبالتالي قرب الافراج عن المليارات الايرانية المجمدة بالمصارف الغربية
أعتقد ان النظام غير قادر (ولو كان راغبا) بالمضي قدما او التجاوب مع المطالب الاماراتية منه…واعتقد ان علاقة نصف قرن بين نظامي الاسد وطهران باتت اقوى من محاولة فصم عراها ..إلا في حالة عدم وصول ايران والمجموعة الغربية لاتفاق نووي وبقاء الضرع الايراني جافا..عندها سيكون راس النظام مضطرا لمسايرة الطلبات الاماراتية…
لا أظن ان الزيارة تغضب الولايات المتحدة او إسرائيل لانها تسير في ركب أضغات الاحلام بايقاع الوقيعة بين النظام السوري وسيده في طهران..لذلك لا ارى ان الخطوة الاماراتية تنصب في إطار المناكفة الجارية الان بين دولة الامارات وغيرها والولايات المتحدة بشان زيادة ضخ النفط للاسواق العالمية ..وما البيانات الرسمية الامريكية او تصريحات الموظفين الامريكان المتقاعدين بالزيارة والوعيد وعظائم الامور الا من باب ذر الرماد في العيون…
مقال جميل شكرا لهذا الطرح