[بقلم أ. بشار حاج علي]
في هذه الأيام من الربيع ، تمر ذكرى الجلاء ؛ جلاء قوات الانتداب الفرنسي .
وبعد عقود من هذا الجلاء الذي لم يفضِ كما نعلم إلى الاستقلال بعد ، وإنما كان مرحلة في طريق الاستقلال الحقيقي ، فلم تخرج القوى الاستعمارية من سوريا دون زرع بذور الفتنة -خاصة مع بقايا جيش المشرق الفرنسي- و التي استطاع السوريون الأوائل تجاوزها و لكن دون القضاء عليها ، حيث استطاعت ذيول الاستعمار الانقلاب على الديموقراطية البرلمانية الوليدة ، و برزت ظاهرة الانقلابات العسكرية التي ادخلتها سورية على المنطقة ، ومهدت لسيطرة عصابة استغلت عدم الاستقرار السياسي لتتغلغل في الجيش والأجهزة الأمنية، مما جعلها تحكم قبضتها على الدولة السورية ، وذلك من خلال امتطاء حزب البعث و استغلال شعارات الوحدة العربية والحرية والاشتراكية .
والنتيجة نظام قمعي دكتاتوري حطم الحريات العامة، و انهى الاقتصاد الوطني، و باع الجولان ، و هجر العقول والقدرات البشرية ،و لم يكتف بذلك بل ارتكب أفظع المجازر من حماه وحلب وجسر الشعور إلى الاغتيالات والاعتقالات و تكميم الأفواه و إتباع سياسات الإفساد التي نخرت كل جوانب المجتمع وزرعت بذور التفكيك . وليس هذا فقط بل أبدعت في إختراع نظام التوريث في النظام الجمهوري ليقوم الديكتاتور الاب مع طغمته الحاكمة، بتوريث الابن غير الكفؤ مستغلا أبناء الطائفة المحكمة قبضتها على الدولة من خلال الأجهزة الأمنية والجيش والتي قبلت ببشار ليس حباً فيه ولا خوفًا من والده الذي أصابه الخرف في السنتين الاخيرتين من حياته، بل للحفاظ على الميزات والمكاسب التي تميزوا بها عن الشعب السوري .
وبطبيعة الحال بعد وفاة الدكتاتور الأب و انتهاك الدستور المخروق أساسا و المفصل أصلا على مقاس حافظ الأسد بعملية استهتار بالشعب السوري العريق و ومكانة سورية كدولة ذات تاريخ ومكانة .
وكانت هنا بداية المرحلة الثانية من ضياع سوريا وسرقتها وارتهانها واتسمت هذه المرحلة بتغول الطبقة العسكرية و محاولة الإطباق على الاقتصاد السوري ومصادرته من الطبقة الاقتصادية التقليدية في دمشق وحلب خاصة وباقي المدن، من خلال الإكراه تارة ومن خلال الامتيازات الحصرية تارة أخرى ، و من خلال استغلال الأسماء الوهمية أوالصورية بشكلٍ أدق.
و السمة الثانية أن لم يعد لسوريا راس فمجموعة القادة الأمنيين وكبار العسكريين الذي قبلوا ببشار على رأس السلطة لم يكن ل بشار عليهم سلطة فعلية وهو غير قادر على تحجيمهم و لم يكن يحكم حتى قصر المهاجرين ، وهذا لا يعني إعفاؤه من المسؤلية بل وضع الأمور في نصابها .
و على الصعيد الشخصي ل بشار الاسد فقد أصبح لديه هاجس أن يكون (قويا )مثل أبيه ، و أن يتجاوز عقدة أخيه باسل، وهذا ما سيظهر جلياً من خلال سلوكه في الرد على المظاهرات السلمية و الاستخدام المفرط للقوة ، كيف لا وهو يحاول أن يثبت لوالدته أنه قوي وللطائفة وللشعب السوري انه أشد قسوة من أبيه !
هذا السلوك المرضي و عدم الاتزان النفسي الذي ظهر واضحاً من خلال استخدام مختلف الأسلحة المعروفة والغير معروفة ، والتقليدية والغير تقليدية والمحرمة دوليا والغير محرمة دوليا وقانونيًا ، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والغازات السامة ، و لم توفر المدنيين والمدارس والمشافي و الأسواق ، ناهيك عن التعذيب الوحشي للمعتقلين و تصفية عشرات الألوف منهم بوساطة المحارق التي أشار وأشرف عليها نظام الملالي في طهران .
ولم يكتف بكل ذلك بل فتح الباب على مصراعيه لدخول المليشيات الطائفية المدعومة من إيران والعراق وأفغانستان، و حزب اللات اللبناني ، ليشاركوه في إبادة شعبه وليس هذا فحسب بل أيضا ً دعم التنظيمات الإرهابية الأخرى مثل داعش التي جاءت إلى سورية من العراق المحتل إيرانيًا وبتواطؤ من نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية آنذاك، و النصرة التي خرجت من سجون النظام ومن رحم أجهزته الأمنية .
وحين لم يستطع القضاء على ثورة الكرامة رهن سورية بمقدراتها للدب الروسي ، الذي استغل ذلك للعودة للظهور في المسرح الدولي كقوة دولية بعد أن أصبحت قوة إقليمية مهددة بالإنقسام و محاصرة روسيا بوتين التي جربت على الشعب السوري أكثر من ٦٠ نوعًا من الأسلحة على لسان مسؤليها العسكريين والتي أجرمت بحق الشعب السوري و إرتكبت الفظائع من خلال قصفها الجوي و تغطيتها لقوات النظام والعصابات الموالية له ، هذا القصف الذي لم يستثنِ المنشآت المدنية والصحية والمدارس ، وكان الروس يأخذون ثمن إجرامهم بالحصول على عقود الإذعان والاتفاقيات الغير متكافئة العسكرية والاقتصادية والامتيازات في مجالات النفط والغاز والموارد والموانئ وغيرها.
ولم تقصتر الحال على ذلك فقط ، بل ترافق مع إذلال واستهتار ببشار وسلطته، حيث أنه أخر من يعلم فيما يقوم به الروس .
وينسحب ذلك على نظام الملالي أيضا ومليشاته الطائفية ، بما في ذلك حزب اللات حيث لا سلطة عليهم من نظام بشار وقواته بل كثيرا ما كانوا يتعمدون الاهانة والاذلال لمن ارتضى ان يكون عونًا للطاغية أو من أجبر على البقاء معه .
و مايثير السخرية أن يتم الاحتفال بذكرى (الجلاء ) الذي يعتبر العيد الوطني السوري ويوم الاستقلال، في القاعدة الروسية في حميميم المحتلة في محافظة اللاذقية ، بوجود العسكر الروس وبعض من الموالين !
والمضحك المبكي كما يقال ، في ظل وجود أكثر من خمس جيوش أجنبية على الأراضي السورية وهي الجيش الأمريكي وقوات التحالف الدولي في شمال شرق سوريا والجيش التركي في شمال سورية والروسي والإيراني ، ناهيك عن المرتزقة والمليشيات المسلحة والمنظمات الارهابية !
ليس هذا فحسب بل وجود مناطق خارج سيطرة هذه العصابة من حوران جنوباً إلى إدلب ومناطق شمال وشرق حلب وغربها وثلث سوريا في مناطق الجزيرة والرقة ودير الزور !
يترافق الاحتفال بذكرى (الجلاء ) طبعا مع وقوع اغلب الشعب السوري تحت خط الفقر ، وانعدام الخدمات وانقطاع الحاجات الغذائية والدوائية ، وان وجدت فهي صعبة المنال ، في ظل أوراق نقدية لا تساوي ثمن طباعتها .
متى ينجز الاستقلال ؟
لا إستقلال ولا كرامة مع نظام باع البلد من اجل الكرسي،
نظام بلا ثمن سيسهل على من ارتهنه بيعه بأبخس الأثمان ، ولن يكون ذلك ببعيد .
ويبقى علينا كسوريين ؛جميعا حيث لم يعد أخد منًا بمنأى عن واجبه الوطني لازاحة هذه العصابة ، و أن نعمل بإخلاص لسورية كريمة تجمعنا للعيش مواطنين متساوين وتحقيق العدالة بمحاكمة المجرمين .