لن ابتعد قليلا بالتاريخ لارسم صورة سابقة عما كانت عليه العلاقات الامريكية التركية وما آلت اليه اليوم…
انضمت تركيا الى حلف الناتو مبكرا 1952..واعتبرت القوة البرية الثانية بالناتو وكانت مكسبا كبيرا للحلف والولايات المتحدة بالذات نظرا لما تتمتع به من موقع جيوسياسي هام بين آسيا واوربة…وكانت الدولة الوحيدة في حلف شمال الاطلسي التي تملك حدودا برية مع الاتحاد السوفييتي…وكان العلاقات البينية بين الدولتين جيدة ولم تعر الولايات المتحدة في مرحلة الحرب الباردة اي اهتمام لمدى التزام حلفائها بمعايير حقوق الانسان وحرية التعبير وديمقراطية النظام السياسي فكانت علاقتها جيدة مع كل الانقلابات العسكرية التي حدثت لاجهاض اي تحول ديمقراطي ..وشاب تلك الفترة بعض العتتب والعقوبات عقب التدخل العسكري التركي بشمال قبرص في بداية سبعينيات القرن الماضي
بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة بعام 2002 ..وكانت الحرب الباردة قد حسمت لصالح المعسكر الغربي بانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي..وفقدان تركيا لبعض اهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة وبروز عدو استراتيجي جديد للولايات المتحدة هو الارهاب الاسلامي السني بعد ضربات الحادي عشر من سبتمبر..بدأت بعض جوانب التوتر تطفو الى السطح بين سياسة الدولة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية (ذو التوجهات الدينية ) وبين الولايات المتحدة وبرز لاول مرة موقف البرلمان التركي المعارض لاستخدام قاعدة انجرلك وبعض التسهيلات العسكرية الاخرى اثناء الغزو الامريكي للعراق في العام 2003
ويمكننا تلخيص اهم نقاط الخلاف التركية الامريكية بدعم امريكي واوربي لكل خلافات تركيا واليونان للطرف اليوناني وتوضح بشكل لايدعو للبس في التوتر الاخير بالعام الماضي بالخلاف الجاري حول الحدود البحرية واحقية التنقيب عن الغاز شرق المتوسط..
نقطة الخلاف الثانية هي دعم الولايات المتحدة لتنظيم البي كي كي السوري والذي تصنفه انقرة حزيا ارهابيا وهو النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني التركي والذي يصنفه البلدان ودول اخرى انه حزبا ارهابيا
ذلك التنظيم الذي تعتبره واشنطن شريكا موثوقا وعمليا في محاربة الارهاب..
نقطة خلاف جوهرية اخرى تتجلى بعدم استجابة الولايات المتحدة للطلبات التركية بتسليمها فتح الله غولن والمقيم في امريكا منذ عام 1999 والذي تنسب اليه الدولة التركية تهما عديدة اهمها انشاء التنظيم الموازي وتحمله انقرة مسؤولية القيام بمحاولة الانقلاب الفاشلة بتموز 2016..
نقطة خلاف هامة اخرى تتعلق بشراء تركيا لمنظومة صواريخ ارض جو روسية الصنع S400 بعد رفض واشنطن بيع انقرة نسخة امريكية (باتريوت) اعقبه خلافات وعقوبات واستبعاد تركيا من برنامج تطوير الطائرة الشبح F35
ماكان متوقعا قد حدث فاثناء حملة المرشح الرئاسي جو بايدن اعرب عن عدم تأييده لحكم ونهج الرئيس التركي اردوغان وقال انه يتمنى ان يرى احزاب المعارضة في الحكم في انتخابات 2023..ايضا كانت علاقة الرئيس التركي غير جيدة مع الرئيس الامريكي طيلة الثمان سنوات التي قصاها الرئيس بايدن نائبا للرئيس باراك اوباما
حدث لقاء قمة بين الرئيسين الامريكي والتركي على هامش قمة الناتو في الصيف الماضي وبدا فيه ان البرود قد تم ازالته وان العلاقات الامريكية التركية مقبلة على عصر افضل مما كان متوقعا…خاصة ان الولايات المتحدة تحتاج تركيا كلاعب رئيسي في منطقة هامة جدا وهي اسيا الوسطى والقوقاز وصولا لحدود اوكرانيا وانهاضرورية لاحداث توازن ضروي مع منافسين بل عدوين للولايات المتحدة هما ايران وروسيا البوتينية.
وكان باديا للجميع ضعف اداء الادارة الامريكية الديمقراطية في كثير من الملفات الداخلية والخارجية..بسب تقدم السن بالرئيس الامريكي الثمانيني وعدم كفاءة نائبته كامالا هاريس باي ملف كلفت به..اضافة لضعف بادي على وزير الخارجية انتوتي بلينكن ومستشار الامنىالقومي سوليفن…ومما زاد الطين بلة توجه الاستراتيجية الامريكية من الاهتمام بالشرق الاوسط الكبير الى تحالفات في المحيط الهادي ضد الصين والتي تعتبرها واشنطن انها العدو الاول وكان اعلان تحالف اوكوس بمثابة اعلان لبداية حرب باردة جديدة مع الصين
وبهذه الظروف ونتيجة لعدم وضوح سياسة امريكية واضحة اتجاه سورية مركزية ويتم العمل عليها وتكلف كل ادارة او مؤسسة بتطبيق الجزء المتوط بها..تبرز اجتهادات واختلافات وعدم وضوح الرؤية من كل مؤسسة على حدة..ليكون للبنتاغون راي .وللمخابرات المركزية راي وللمندوبين الامريكان المدنيين العاملين في الميدان راي…خاصة في ظل عدم تعيين الادارة الديمقراطية لمبعوث خاص للملف السوري عقب استقالة جيمس جيفري..وتولي ماكفورك(الداعم الاول للوحدات الانفصالية) والمحظور تركيا من استقباله والتعاون معه ..تعيينه باهم منصب مشرف على القضية السورية وهو المسؤول الخاص عن الشرق الاوسط وشمال افريقيا في مكتب الامن القومي الامريكي الذي يتبع للبيت الابيض مباشرة..اضافة الى تبوا عدد من الموظفين المتعاطفين مع البي كي كي لمناصب رفيعة بالمؤسسات الامريكية التي تتعاطى بالشان السوري
المقال التالي