[بقلم د. محمد حاج بكري]
يصادفنا دائما كلما ظهرت مبادرة جادة اواجتماع وحتى حديث عام توجه مباشر لسؤال مسألة البديل للأسد الأمر الذي يجعل طرح سؤال البديل في هكذا سياقات تخويفية تحذرية، هو دعوة علنية و صريحة لبقاء الاوضاع في سورية علي حالها، بمعني طرح سؤال البديل في ظل اجواء يسودها القتل والدمار ورهن البلد بكافة مقدراتها ، هو نوع من حصر المفاضلة والإختيار امام الشعب بين خيارين اي بين التعايش مع القتل والتهجير والفساد او توقع الخراب الشامل! وبالتالي، تصبح المسألة ليست مسألة سؤال موضوعي او تخوف من المستقبل القاتم، بقدر ما هي تبرير للعجز عن ابداع البدائل المفترى عليها، وهذا في حال لم يتم الحجر علي البدائل المطروحة اصلا! وذلك بالطبع، إذا ما احسنا الظن بمن يطرح المسألة في لحظات المواجهة، ويتغافل عنها طوال الوقت وكأنها حاجة عرضية، وليست قضية مصيرية يتوقف عليها مصير وطن ومستقبل شعب؟
ومن ناحية آخرى يبدو ان مسألة البديل تطرح وكأن هنالك بديل مثالي او حل سحري بمجرد العثور عليه، تتنزل بركات السماء على شعب سورية الذي أصبحت معاناته تضرب بها الامثال بمعني آخر، ان البديل المأمول غالبا ما يطرح كمسألة تعجيزية في وجه الثورة السورية، أي مطالبتها بتقديم مشروع خلاصي، يتناغم مع كل منجزات الحداثة الموجودة في العالم، وبالأخص التجربة الديمقراطية في افقها الغربي، الذي اخذ من عمرها سنينا عددا؟ في حين ان البديل، هو في حقيقته مسألة تفاعل و تدافع مجتمعي، تضطلع به كل مكونات المجتمع، ولكن يصح ان الثورة يقع علي عاتقها العبء الاكبر من الكفاح او المسؤولية، في سبيل انجاز مشروع للنهوض بكل تفاصيله، السياسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ! أي ان مسألة البديل ليس معطى حاضرو جاهز، بقدر ما هي نشاط مجتمعي
اما الاهم من ذلك، هو ما يسبق سؤال البديل، إذا كان السؤال عن حق يراد به المصلحة السورية العامة؟ وهو ما يفترض ان ينهض به السائلون، بالتزامن مع سعي القوي الثورية، والذي يتجسد في التخلص من منظومة الأسد الكارثية، كشرط اساس ليس لموضوعية السؤال فقط، ولكن قبل ذلك للمسؤولية الوطنية المترتبة عليه. اي سؤال البديل يجب ان يسبقه او اقله يترافق معه ازاحة العقبة التي تعيق مساره، او ما يسمح بتدافع وتنافس البدائل للسماح ببقاء الاصلح! وإلا يصبح السؤال ذاته عديم النفع والجدوى، قبل ان يمثل دعوة انصرافية في توقيت حساس، لا يحتمل مثل هذه الالعاب البهلوانية؟! وكل هذا بالطبع، إذا ما اتفقنا ان السائلين تحركهم دوفع وطنية بحتة، في طرح هكذا سؤال اعتراضي! وتاليا، هم على دراية تامة بان منظومة الأسد يسعدها طرح هكذا اسئلة، في صيغ تشككية تخويفية تعجيزية؟! لان هذه المنظومة في جوهرها منظومة إجرامية، وليست بديل مرحب به من اي وجهة نافعة، سواء كانت سياسية او وطنية او قيمية؟! وبكلام اوضح، ان مَنْ يتخوفون من ذهاب منظومة الاسد، بحجة انها تحافظ علي الاستقرار، هم من ناحية، يقطعون الطريق علي فرص انجاز بدائل لا حصر لها، كواجبات وطنية او فرض عين اجتماعي والاغرب انهم يفرضون وجود البديل كشرط للخلاص، اي ما يشبه قصة البيضة والدجاجة، كمخرج من المواجهة الصريحة ضد منظومة الأسد.
علي اعتبار خلق البديل مسؤولية كل المواطنين وعلي راسهم القوي السياسية المعارضة والحال كذلك، هم يتعاملون مع الشعب بمختلف مكوناته وقدراته، من موقع الوصي الذي لا يثق في قاصرين لا يحسنون التعامل لا مع حرياتهم ولا مسؤولياتهم ولا واجباتهم الوطنية..
وفي ظل هكذا نظرة فوقية وإستعلائية يستحيل عليها تقديم بديل مقنع او ان تقنع ببديل يصدر عن قاصرين، او حتي تسمح لهم بإختبار قدراتهم عبر فرضيات المحاولة والتجريب! لانها في افضل الاحوال تصدر عن منظور أسدي، وان كان اصحابها يتملقون صفة الحياد.
ومن جانب آخر، يغض هؤلاء المتسائلون عن البديل، النظر عن ان مسألة الاستقرار الذي تصنعه منظومة الاسد هو في حقيقته استقرار زائف، مبني علي الخوف وعسكرة الدولة، او علي سيادة المظاهر العسكرية والامنية علي حساب احترام حقوق وقناعات المواطنين! ولا يصدف انها البيئة التي افرزت ظاهرة انتشار وتداول السلاح خارج سلطة الدولة
وبروز الحركات المسلحة كرد علي عنف الدولة! علما بان المظاهر الاخيرة هي ما يتخوف منها اولئك المتسائلين كما يدعون؟! أي ان الصبر علي الاستبداد ينتج المزيد من الاستبداد، ويفرخ العنف والعنف المضاد ويغلق كل احتمالات البدائل، وليس إستيلاد البدائل حتي ولو بطريقة قيصرية او مجرد السماح بتداولها، بحال من الاحوال. بمعني، لا يمكن لسلطة غير شرعية، ان تنتج منظومة شرعية او استقرار علي المدي المتوسط والطويل، وتاليا عند لحظة محددة، سواء بضعفها او قوة الاطراف المناوئة لها، ستنهار ويتكشف بعدها انها عمَّقت الفساد المالي والمؤسسي وزادت حجم الخلافات والنعرات القبلية والمناطقية والدينية! اي عاقبتها فتح البلاد علي الحروبات الاهلية، بسبب استثمارها في بث الفرقة بين هذه المكونات باستخدام جهاز الدولة ومواردها! وذلك لأن مشروع السلطة المستبدة هو البقاء حصريا، باستخدام كافة الاساليب والوسائل ، وليس بناء الدولة او الحرص علي تماسك المجتمع، وهذا في حال لم تكن خصما وعدوا لدودا لكليهما! وهو ما نشاهده في سورية؟ أي الاصل في تردي اوضاعها الامنية والاقتص تكارية للامتياز والحقيقة والتاريخ والسياسية والسلطة والدولة بصفة عامة، فتاليا هي غير مؤهلة بنيويا ووظيفيا لإدارة تنوع مجتمعي او موارد اقتصادية او تحقيق نهضة تنموية او استقرار مستدام.
اي هي في المحصلة النهائية عقبة رئيسية امام حرية الشعوب وفرص تطورها! وتاليا، لا يمكن لمشاريع تتقصد سبيل نهضة البلاد او تسعي لخلق بدائل تعني بالخلاص من ازماتها تبرير التعايش مع استبداد، لا يصدف انه لاغٍ للبدائل بالمطلق؟! أي الصبر علي الاستبداد (بحجة انتظار البديل النموذجي!) كما اسلفنا ليس ببديل يقي من الانهيار او الخراب، بل العكس هو الصحيح، اي سرعة الخلاص بأي وسيلة ، هو الطريق الوحيد لحفظ كيان الدولة وتماسك المجتمع من الضياع. وتاليا، الاحجام عن المشاركة في وسائل الصراع مهما كان مصدرها، او الالتفاف عليها بحجة عدم توافر البديل، هو بمثابة حكم الاعدام علي بدائل خلاص ذهبية، يصعب توافرها في ظروف مختلفة
ومن جهة أخري، نلاحظ ان مسألة الاستقرار التي يتشدق بها المتسائلون، لا تتوافر في كل ربوع البلاد ، حيث هنالك مساحات مقدرة ومواطنون كرماء، يتعرضون لحروب ابادة جماعية وتتعرض بيئاتهم للتسوية بالارض، ولا يُستبعد ان تفقد البلاد تلك المناطق كما فقدت ثلثها جهلا وعنجهية فارغة! كما انه في ظل هكذا وعي قاصر وانتقائي لمفهوم الاستقرار، ليس هنالك ضامن لتعرض البلاد نفسها للضياع! أي إذا ما صدقنا ان هكذا استقرار محتقن وكذوب، يمكن ان يشكل ركيزة لحفظ كيان وطن او سلامة حياة مواطنين؟! وكذلك صمت المواطنين العاديين علي مفاسد سلطة الاسد الفاشية الفاشلة، لا يعني التأييد لها او القبول بممارساتها بحال من الاحوال! وهو ما يستوجب بدوره تفسيره في إطاره الصحيح، أي كانعكاس لتجذر ثقافة الارهاب، التي نشرت مظلتها علي طول البلاد وعرضها، إضافة الي تغلغلها في كل نشاطات الدولة وممارسة اجهزتها! أي الارهاب المقصود هنا بمعناه الشامل، الامني والاقتصادي والديني..الخ.
ولكن هل يعني كل ذلك، منع سؤال البديل من التداول، او قهر السائلين او التشكيك في طرحهم بالمطلق؟! لا اعتقد ذلك!! وإنما المقصود تحديدا، تحرير سؤال البديل من محاذير والغام سلطة الاسد، المستفيد الاكبر من التشكيك في قدرات الشعب والنهج الديمقراطي؟ كما يجب ان يتجنب المتسائلون اسئلة البديل التشككية، عن تقديم اي خدمة لمنظومة الأسد الإجرامية ولو من ناحية معنوية؟ ولن يتم ذلك، إلا بإبعاد هكذا تساؤل استنكاري، عن اجواء المواجهات ضد سلطة الاسد، بالقدر الذي يندرج فيه، ضمن مشروع طموح للنهوض بالوطن علي اسس حديثة. أي كهدف استراتيجي لا تحفزه الاحداث الطارئة، وذلك بالتوازي مع الاستفادة من الخبرات المكتسبة محليا والتجارب المتاحة عالميا، في الاخذ باسباب النهوض
وخلاصة هذه الجزئية، ان سؤال البديل هو حق مجتمعي، ينجزه المجتمع في بيئة من الحرية العامة، تمنع توافرها سلطة نظام الإستبداد، ولذا لا مكان لهكذا تساؤل إلا بعد ذهاب منظومة الاسدالكارثية.