18 أذار حقيقة تأريخ ثورة عظيمة لا يمكن تحويرها
إن تاريخ الثورات وجذورها التاريخية هي أمانة وحقيقة علمية ستقرأها الأجيال بعدنا وتأخذ بحيثياتها ووقائعها وأحداثها.
وما تاريخ الثورة السورية العظيمة ، التي إنطلقت شعلتها من درعا في الثامن عشر من آذار إلا واحدة من الثورات التي يجب ان يُكتب تاريخها وأحداثها ومواقعها ومجرياتها بكل صدق وإخلاص و وفاء .
ليس القصة بالأرقام والأيام وإنما القصة بالأمانة التاريخية وحقيقة الثورة التي ستقرأها الأجيال على مر العصور وتعاقب الأجيال ، فالتأريخ أمانة وحقيقة علمية سَتُدرس لأجيال وأجيال لا يجب التهاون بها ولا يمكن تزويرها ، فلنكن على قدر كبير من المسؤولية لأننا أبناء الثورة السورية العظيمة التي قامت على إنتزاع الحق فنحن نغضب من تزوير حقائق التاريخ التي ساقها حافظ الأسد عندما دمر مدينة حماه بحجة المُخربين ، ومن وريثه بشار عند زور الحقائق الثورة وساقها على أننا إرهابيين.
ليس القصة 15أذار و18 آذار وإنما هي حقيقة يجب ان تُسجل بكل دقة وأمانةً كما هي الثورات العظيمة .فكتابة التاريخ علم وحقائق ، وغير ذلك فهو تزوير. فالثورة السورية إنطلقت من جنبات الجامع العمري بدرعا في 18أذار لا يمكن تجاهلها، وتزوير تاريخها وشطب مواقعها الغنية لاأحداث المليئة بالعطاء والتضحيات.
لقد بدأت القصة في السابع عشر من شباط (17-02-2011)عندما خطت أنامل الاطفال الغضة في مدرسة الأربعين بدرعا على الحيطان في المدارس كلمة تسطر بماء الذهب :
(إجـــــــــــــــــــــــــاك الــــــــــــــــــــــدور يادكتـــــــــــــــــــــــور)
وعندما نما الخبر الى الشبيح الأزعر العميد عاطف نجيب ابن خالة بشار رئيس فرع الأمن السياسي بدرعا بعث شبيحتة و أحضرت أولئك الأطفال وأصحابهم. كانوا تسعة عشر طفلاً أكبرهم لم يتجاوز الخامسة عشرة. سُجن بعضهم عنده ورحّل بعضهم إلى مركز المخابرات الجوية في دمشق وأذاقهم ألوان العذاب.
بعد كتابة هذه الحروف الذهبية بدأ الإستنفارالأمني في كل حارة وشارع وتوزعت قطعان الأمن وأنتشرت على أبواب الجوامع من صلاة الفجر الى أخر فرض عند صلاة العشاء، وسيرت الدوريات لليلية في كل حارة ، وزرعت امام كل مدرسة دورية أمن منها عسكرية ومنها جوية ومنها سياسية وشرعوا بالإعتقالات العشوائية كماهي عادة منظومة الأمن الأسدية .ومنع التجوال بعد الساعة الثانية عشر ليلاً في درعا ورفعت جاهزية العناصر الأمنية في فروع درعا الأمنية الى الكاملة ومنعت الإجازات ودججوا بالسلاح ، وأعطى عاطف نجيب رئيس فرع الأمن السياسي تعليمات بإعتقال كل من يُشك بصلته بالطلاب المسجونين بتهمة الكتابات التي خطتها أنامل الطفال الذين رسموا على الجدران .
لقد أستنفرت الفرق الحزبية والمنظمات والشعب الفروع الحزبية ووزعت على كل فرقة وشعبة علب دهان كبيرة(سطل) وفراشي دهان وأصبحت الدوريات الحزبية في كل صباح تطلي بالدهان فوق الكتابات التي تندد بنظام بشار وشبيحته، فلم يعد يستطيع مسؤولين المسح والدهان ان يغطوا كل مايكتب و(اتسع الخرق على الراقع) وأصبحت الكتابات اكبر من حجم الفرق المكلفة بالدهان وتم منع الإعلام من الدخول لدرعا منذ 17أذار 2011 وخيم التعتيم الإعلامي على حراك حوران
على أثرها دخل من الحدود اللبنانية السورية عن طريق الخط العسكري عند طريق جديدة يابوس وادي القرن باصات وحافلات كبيرة عسكرية محملة بثلاثة الأف عنصر من حزب الله اللبناني التابع لإيران ، تم توزيعهم على ثكنا ت عسكرية وأمنية وغالبيتهم عسكروا في نجها بالفرع 295 أمن دولة ، وكانت مجموعة من حزب الله جانب موقع مناوبة قيادتنا ، وكانوا يلبسون بدلات سوداء ، فلما سألت قائد التشكيل من هؤلاء ولماذا هم هنا وماذا يفعلون هنا فجاوبني وبكل وقاحة : هؤلاء من جماعة حزب الله (لأن أهل درعا موعاجِبين السيد الرئيس)
بقي الحَراك من 17شباط 2011 وحتى 18أذار 2011 يتقد كالجمر تحت الرماد ،وينتشر كالنار في الهشيم ، والشرر يتطاير في كل حارة وشارع وبيت وملعب وحقل ومدرسة، إنتشرت الكتابات والصيحات في وضح النهار وشتم وقدح بشار وشبيحته على مسمع عناصر الأمن وبدأ الكلام في مضافات حوران بعالي الصوت عن كرههم للنظام وعن إستبداد عاطف نجيب وفيصل كلثوم واستباحتهم لحقوق الناس، وتطور الأمر بعدها للحديث مباشرة عن الأسد وانتقاد سياسته.
وبعد أن وصل خبر الى أهالي حوران بأن أطفالهم يتعرضون بالسجن لأسوء أنواع العذاب ، شكل وجهاء درعا وفداً لمقابلة المحافظ وصبيه نجيب وكان على رأسهم محمد عبد العزيز أبازيد، وطلب منهما الإفراج عن الأولاد فلم يجد عندهم إلا الصدود ،وقال لهم انسوا أطفالكم وأتوا بغيرهم من جديد ، فقام احد الوجهاء بخلع (الحطاطة والعكال ) عن رأسه ورماها أمامه وصاح بصوت عالٍ: (المــــــــــــــــــــــوت ولاالمــــــــــــــــــــــــذلة)
فتعالت الأصوات من الحناجر قبل أن يصل وجهاء درعا إلى بيوتهم ، وصاحوا الموت ولا المذلة، من جنبات الجامع العمري منارة درعا الذي يمثل رمزاً دينياً والذي شكل فيما بعد شوكة في حلق شبيحة أسد ، وأتهموا الأهالي بانهم جعلوا منه مستودعاً للذخيرة في مسرحية هزيلة من صنع الإعلام الأمني الأسدي.
فكانت أسباب إنطلاق الثورة السورية من درعا وأسباب استمرارها وعدم تراجعها. إن إصرار عاطف نجيب على الإستمرار في إعتقال الأطفال، أدى إلى إصرار أهل درعا على القضاء عليه وعلى المنظومة الأمنية، وكان رد أهالي درعا على كلام نجيب أنسو أطفالكم وجيبوا غيرهم بشعار:
” يا عاطف يا نجيب بدنا نسيك الحليب”
في مطلع فجر 18 آذار كان الوقت ضحىً عندما بدأ الملعب البلدي في درعا يعج بطائرات الهيلوكوبتر، وبالقرب من البانوراما، طائرات مثقلة تهبط محملة بقطعان من الشبيحة وأخرى تقلع خفيفة لتتجه نحو منطقة نجها حيث الفرع 295 أمن دولة لتحمل عناصر منهم عناصر سوريين وأخرين من حزب الله التابع لإيران.
بدأت صيحات الشباب تتعالى مع نزول اول طوافة عسكرية على أرض ملعب درعا البلدي ويزداد حجم التظاهرات أكثر وأكثر، ولكن عندما شاهد الشبيحة الإصرار في عيون الشبان وزنود الفتيان، لجؤأ إلى إطلاق النار وكانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير بسقوط أول شهيد في الثورة السورية الشهيد محمود جوابرة من درعا البلد في 18-03-2011 البطل الذي صنعه الوطن، إستشهد برصاص الأمن الأسدي وما لبثت إلا دقائق حتى تلاه الشهيد حسام عياش من أبطال درعا، فأصبح دم الشهداء نور يضيء طريق الثورة ونار على الأعداء.
لم يقبل الثوار في درعا ولم يوافقوا ويبادروا إلى تسجيل تأريخ الثورة منذ إعتقال الأطفال في 17 شباط ، وإنما منذ إنطلاق الفعل الثوري في 18أذار
فالحقيقة التاريخية لاتغطى وعين الشمس لاتغطى بغربال ، فسالوا أي شخص من سوريا وخارجها من أين إنطلقت الثورة سيقول لك من درعا علما أنه لايعرف لا اليوم ولاالشهر ولا التاريخ ، وحتى كان أول رادود ايراني لكم قال :
(قدح من درعا الشرر، وخصم مهدينا ظهر)
وإن أي أحد في العالم سُأل عن إنطلاق الثورة السورية سيقول من درعا وطالما من درعا ، لذاعلينا ان نتفق على أن تاريخ 18-03-2011هو تاريخ إنطلاق الثورة السورية، مع العلم إن ما جرى في الحميدية على الرغم من محدوديته ليس امراًهيناً وإنما صرخة في إمبراطورية الرعب.
الثورات في مضمونها أفعال تراكمية لأفكار وإرهاصات ومعاناة ولكن من المعلوم أيضاً أن تأريخ الأحداث العظيمة عند غالبية الشعوب ونحن منهم انما يكتب وفقاً لأمر أو حدث خارج التصور والمألوف ضمن سياق معين يؤدي الى نقل الامة من حالة الى حالة أو يقفز بها من ضفة الى ضفة والثورات تكتب وتؤرخ بالدماء
وهو وقودها ومدادها ولعل مثال تأريخ اسلامنا ودعوتنا خير مثال ….وإن كانت البعثة قد بدأت قبل هحرة النبي (ص) الى المدينة بثلاثة عشرة اعوام إلا أن تاريخ الهجرة هو الحدث الأبرز في حياته (ص) ففيه اعلان الدولة وتأسيسها وبداية مجد المؤمنين من الأمة والسمو الحضاري
ندعوكم جميعاً لجعل الثامن عشر من آذار من عام عيداً مجيداً للثورة السورية العظيمة واعتماده قبل أن يسرق منا كل شيئ
فهناك من يريد ان يختصر شهداء ثورتنا بقتيلة هنا أو شهيد هناك مع كامل الاحترام لدمائهم الطاهرة ….كونه فقط ينتمي لتيار معين أو لون واحد او اتجاه خارج عن سياق الشعب والحدث الذي قامت من أجله الثورة …
كذلك هو التاريخ وكما خطفت ثورات وتواريخ عظيمة من قبل كان لامتنا وشعبنا السبق فيها …يحاول البعض فعل ما سبق وطمس معالم الحقيقة عن أجيالنا اللاحقة)
لاشك بأنه على قادة الثورة السورية من سياسيين وعسكريين ومن مختلف المحافظات ، وفي مقدمتهم رئيس الإئتلاف السوري المعارض أن تكون له بصمة بإصدار بيانا مكتوبا يبقى وثيقة تاريخية ، ولها شأن كبير في توحيد الرأي العام الثوري حول حقيقة لا يمكن تجاهلها بحيث ان لا تبقى موقع سجال بين ابناء الثورة السورية العظيمة وأن تكون في المستقبل يوم جماهيري موحد على إمتداد سوريا المستقبل، وهذا لا يعني أي تقليل من شأن الإرهاصات الأخرى التي نشير اليها بالفخر عندما إنتفض العاملين في سوق الحميدية ونفضوا غبار الخوف والتردد.وكان إرهاص عظيم وهام، لكنه ليس بداية لفعل ثوري مستمر.
وعلى سبيل المثال بعض مظاهرات الرفض التي ترى في بعض المحافظات السورية التي نراها بين الحين والأخر ترفض الواقع ، وبعض الأصوات التي تتعالى احيانا هي شيء عظيم لكنها لاتشبه الفعل ثوري لعدم مقدرتها على تحمل عواقب الفعل الثوري .
إذاً تَبني الفعل الثوري والقبول بتحمل عواقبه من تضحيات وأثمان باهظة هو الذي يميز بين الثورة الجذرية والإنتفاضة المفردة. فالسوريين تحملوا عبء الثورة واستمراريتها
في درعا عندما سقط الشهيد الأول وتوالى سقوط الشهداء وقتها انفجرت الثورة ولم تعد تهدأ وصمم ثوار درعا على المتابعة وتبنوا الفعل الثوري والإستمرار به مهما كلف ذلك من ثمن وتضحيات ،وغير مبالين بتحطيم تمثال حافظ الأسد أمام مبنى المحافظ وعلى مرأى أعين الأمن العسكري والجوي والسياسي غير أبهين بالعواقب التي ستلحق بهم.
إن إلقاء نظرة على البنى التحتية في درعا ترى إنها تحملت عبئ ثقيل من تدمير وقتل وتخريب وتعفيش جراء حقد منظومة شبيحة بشار أسد على أهالي درعا.
لكن يجب أن نضع النقاط على الحروف لأن لثورتنا علينا حقوق ومن أهمها التاريخ فالتاريخ سجل علمي قبل أن يكون سجل عاطفي وليست مجاملات وليس تعصب لتاريخ ضد أخر ، وإنما هي تبني للفكر والفعل الثوري والإستمرارفي تبني الفكر والفعل الثوري فاليوم درعا هي مهد الثورة السورية .
واليوم الإقتحامات المتوالية على مدن وبلدات وقرى درعا والتي كان أخرها مدينة جاسم التي إقتحمها الأمن السياسي والعسكري صباحاً لإذلال أهلها فتصدى لهم ابناءها الأبطال واعادوهم محملين بقتلاهم وجرحاهم فهم مازالوا على العهد سائرون، علما أن مقولة الأجهزة الأمنية المشهورة:
(طلعت من درعا وسندفنها بدرعا)
منذ اللحظات الأولى وتزامنا مع تصريحات نائبة رئيس الجمهورية بثينة ثعبان المقيتة التي تفوح منها رائحة الطائفية لجأ الحكم الأقلوي الطائفي إلى استخدام القبضة الأمنية في قمع المظاهرات السلمية للمدنيين، وأحتجز بآلاف المعتقلين، ومع تطور الأمور بدأت الانشقاقات التي حصلت في صفوف قوات النظام السوري (الجيش السوري سابقاً ) لحماية المتظاهرين والانتقال إلى عمليات عسكرية كادت أن تنهي النظام في السنوات الأولى من الثورة، وجدت بعض الدول ومنها إيران وروسيا في ذلك فرصة سانحة للتدخل، واضعة نصب عينيها “التدخل في سوريا مقابل الاستيلاء والاستحواذ على القطاعات الاقتصادية والتجارية والتعليمية ، وكافة مفاصل الحياة السورية” وبضوء أخضر من بشار أسد الذي كان مطية لـــ للمقتول قاسم سليماني المجرم الأشر
واليوم وبعد مضي أحد عشرة عاماً من عمر الثورة السورية، أصبح السوريون أكثر وعيا وانفتاحا وفهما لما يدور في أروقة السياسية ، وباتوا يعلمون علم اليقين من يقف إلى جانبهم وينصرهم، ومن يقف ضدهم ومن يريد استمرار معاناتهم متجاهلا أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية.
وفي الختام
لن ينسى السوريون أن دماء الشهداء وفي مقدمتهم شهداء جمعة الكرامة الشهيد حسام عياش ومحمود الجوابرة اللذين ارتقيا في أول جمعة والتي سميت بجمعة الكرامة قد سقى بذرة الثورة فجعلها ثمرة. بعد ذلك نادت درعا “الفزعة” ففزعت سورية كلها تلبية للنداء. من حرستا الى البيضا في بانياس الى حي الصليبي في اللاذقية الى القورية في دير الزور وحلب وباب السباع حمص والسلمية في حماه وإدلب والحسكة والقامشلي والرقة.
إن حماقة بشار الأسد توقد شعلة الثورة، إذ أرسل الأسد طائراته وشبيحته لقصف المسجد العمري، في الوقت الذي كان إعلامه يصف أهالي درعا السلميين بأنهم مندسون وإرهابيون وقتلة ومدعومون من الخارج، علماً أن الناس عارفون بحقيقة ما يجري.
المجد والخلود وأكاليل الغار لأرواح شهدائنا الأبرار ….والخزي والعار لشبيحة بشار.