مرهف الزعبي
يقول الباري سبحانه وتعالى: إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.
جميعنا يعرف الوظائف التقليدية للدولة التي تتمحور في وظيفتين أساسيتين: داخلية تتلخص في الحفاظ على الأمن الداخلي، وجلب الضرائب، وحصر النقد في مؤسساتها. وخارجية مهمتها الدفاع عن الدولة ضد العدوان الخارجي، ووظيفة التمثيل الدبلوماسي عند الدول. أما الوظائف الحديثة لها فقد تمثلت بجميع مناحي الحياة حيث سيستها، وسخرتها، وسيطرت عليها لخدمة أهدافها. فأبعد النشاطات الحياتية عن الدولة تدخلت بها الأخيرة، وجيَّرتها لصالحها من الرياضة، والبحث العلمي، والزراعة، والموسيقا، وغيرها من الأنشطة.
وهنا يجب أن تعي نخب الثورة، ونشطائها بأن ما يقومون به من تشكيل هياكل بتوجيهاتٍ أجنبية بقصدٍ، أو غير قصد في الشمال السوري ما هي إلا لوأد الثورة عبر أشخاصٍ انتقتهم المخابرات العالمية بعناية فائقة الدقة لتنفيذ مخططاتها القذرة كأعضاء سوتشي وأستانا، اللجنة الدستورية، المنصات، ناهيك عن الائتلاف وتوابعه، والسعي لترسيخ سياسة التقسيم التي تسعى إليها كل الأطراف اللاعبة بملف الثورة.
ففي الشمال السوري أوصلت المخططات القذرة التي قامت بها الدول الغازية الشعب السوري إلى العيش في كانتون صغير مغلق يتمثل بمقومات الدولة التي تتألف من الأرض، والشعب، والسلطة مساهمين بتمخضٍ قريبٍ لولادة دويلة عبر إدارة دوائر الهياكل التي صنعتها، أو تصنعها المخابرات الدولية للسيطرة على جميع القرارات، ومخرجات مؤتمرات المؤامرات التي تُعقد بغيابٍ ثوريٍ سوري، والتحكم بجميع مفاصل الثورة من خلال ما يُصَنَّع ويُخطَّط له في الخارج، وتنفذه أدوات وظيفية بأيدي من اغتصب قرارات الثورة، وإرادة السوريين الأحرار في الشمال.
إنَّ جميع ما قامت به المعارضات السورية من هياكل لم يحقق للشعب السوري الحر أدنى أهداف الثورة، ولم تخفف من معاناته، أو تحافظ بأقل التقادير على المكتسبات التي حققها الثوار على الأرض بدمائهم، وأرواحهم. فكانت الانتكاسات كبيرة، وعظيمة حتى حوصر الثائرون في شمالٍ متعدد الهيمنات، والولاءات. ولم يعد ينقص الشمال السوري سوى البرلمان، وإصدار عملة نقدية لتكوين الدويلة التي يساهم بها من ارتضى بأن يكون أداةً طيعةً بيد أعداء الثورة، وخصومها. الأمر الذي قد يكلف السوريين مستقبلاً ضحايا أبرياء بعدد ما قدمته الثورة من شهداء.
ولو قمنا بمراجعة لمنجزات المعارضات السورية السياسية، والمسلحة لما وجدنا إنجازاً واحداً يصب في خانة الثورة وحاضنتها. بل كل ما أنجزته يصب لصالح أسدٍ، وجيشه. من تسليم لسلاح الثوار وفق اتفاقيات سوتشي الذل والعار، وأستانا الخيانة، وإفراغ وسط وجنوب سورية من سكانهما الأصليين ليستوطن الشيعة من دول مختلفة مكانهم. محدثين أكبر تغيير ديمغرافي لم يحصل منذ قرون. والأخطر من ذلك كله المساهمة بفرض سياسة التوطين والاستقرار بدلاً من الإعداد لمعارك الغد. حتى أنَّ التلفظ بهذه الأخيرة لا يجرأون على النطق بها بسبب الوصاية الأجنبية، وحجج الواقعية السياسية، وخروج القضية من أيديهم، والحفاظ على مصالح الضامن التركي، وتدويل ملف الثورة السورية.
رسالة لكل أحرار الثورة. أكاديميين، ونشطاء بمختلف مواقعهم. إياكم والمساهمة في ترسيخ سياسات التقسيم. فقد نفَّذ النظام العالمي طيلة عقدٍ من الزمن الكثير من مخططاته عبر أدواته الوضعية الوضيعة للحوؤل دون إفشال ما كانوا يرسمون له. وهنا يتسائل السوريون الأحرار؟ ماذا قدمت الهياكل المعارضاتية للثورة وحاضنتها؟ وما الذي سيقدمه ما يُسمى (البرلمان الحر) للشعب السوري سوى زيادة التفرقة، والاقتتال البيني، وتحقيق مقومات نشوء الدويلة. فقبله من الهياكل التي انشأتها أجهزة المخابرات لم تجلب للسوريين سوى شق الصَّف، والتنازلات، والويلات، وترهل العمل الثوري، وزيادة في المعاناة، والتضييق على سبل الحياة والكرامة…