[بقلم : د . محمد حاج بكري ]
عندما نعود بفكرنا الى بداية عام 2011يذهب البعض للظن بأن سلاح الأسد الرئيسي كان الصواريخ والمدفعية والدبابات والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية على اعتبار أنها فتاكة وأكثر تأثيرا ولكن المتبصر في الأمور يدرك تماما أن الأسد اعتمد على التلاعب في عقول السوريين بطرق متعددة ومنها الكذب والخداع عن طريق وسائل الإعلام ونشر الأخبار المضللة والتحكم بأفكار الناس ومعلوماتهم واستقدام محللين ومفكرين يعبدون الطريق لأفكاره وتكريس بقاءه على كرسي الحكم تحت شعارات كاذبة ذهب لأجلها أكثر من مليون سوري ثم عملية التفرقة وخلق الفتن بين أفراد الشعب وذلك بإثارة النعرات الطائفية عن طريق بعض العناصر المتطرفة والموتورة من الجهتين وسعى جاهدا لإلباس الثورة لباس التشدد من خلال الموقوفين الذين أخرجهم من سجونه ليزرعهم في جسم الثورة وخلق الفتنة حتى ما بين خصومه كإسلامي وعلماني وحلبي وشامي واستغل بعض أصحاب الأجندات والحسابات الإيديولوجية والسياسية واستثمرها لصالحه.
كان الأسد يعلم تماما أن البيئة الاجتماعية السورية تربة خصبة لتقبل الإشاعات وتصديقها فهو من زرع فيها الشك وقلة الثقة حتى بين الأقرباء على مدار خمسين عاما وأن هذه الشائعات المفبركة يوجد لها مستقبليها ومروجيها وكأنها حقائق موثقة وتدريجيا يتحولون الى مروجون لها بل ويزيدون عليها لتزداد ضخامة والعدوى كانت تنتقل حتى الى بعض المثقفين والسياسيين والأكادميين اللذين لم يحكموا تفكيرهم وتحليلهم عن طريق البحث والتدقيق وبدأت المخابرات الأسدية والجيش الالكتروني يروجون ما يريدون ومعظم الشعب يتداوله كحقيقة مطلقة.
مارس الأسد على السوريين كافة التضليل واعتمد على أساليب المخابرات وذلك من خلال اختراق الصفوف ببعض العملاء للتجسس ومعرفة الاخبار بشكل موثق من اتصالات ولقاءات واجتماعات ومواقف وهدف الى بث روح الفتنة واللعب على الحسابات الضيقة للبعض سواء كانت شخصية ام سياسية وحتى الجهوية والعشائرية بالإضافة الى توريط بعض الشخصيات في علاقات مشبوهة ولقاءات مرفوضة جماهيريا لتشويه السمعة المالية او السياسية او الأخلاقية
كانت الاشاعات والدسائس تفبرك في اقبية المخابرات وعلى ايدي مختصين وتنشر في أوساط التواصل الاجتماعي ليتم استخدامها بطريقة حرفية ولتترسخ وتصبح حقيقة مسلمة يدافع عنها الكثيرين ويقسمون بأغلظ الايمان على صحتها علما ان الأسد صرح بأحد خطاباته اكذب اكذب حتى تصدق ولا زال مستمرا حتى اليوم عن طريق عملاء وشائعات وأسماء مستعارة وغير مستعارة واكاذيب وتهم في الانترنت.
اذا سالنا انفسنا على ماذا يعول الأسد على البقاء في الحكم
ببساطة نقول ان معركة سوريا هي حق و باطل خير وشر صراع ارادات وعزيمة وليست فقط حديد ونار انها معركة صبر وتحمل ومن يداهمه اليأس سوف يهزم والحرب النفسية تعول عليها مخابرات الأسد كثيرا لكسر ارادتنا ونشر الخلافات في ما بيننا والسخط والملل وخاصة في المحيط الجماهيري والصعوبات المالية والاقتصادية و شظف العيش وفشل مؤسساتنا لذلك لابد من الحفاظ وبث روح النضال والتفاؤل والإصرار والعزيمة وتحمل ضيق المعيشة
علينا ان ندرك اننا امام عملية هدم وبناء فالهدم للظلم والاستبداد والفساد والاستعباد الذي عشناه مع نظام الأسد لمدة نصف قرن والبناء هو البلد الحر الكريم العادل بلد التغيير عن طريق الانتخابات ووفق إرادة الشعب بلد المؤسسات والقانون والفصل بين السلطات والحقوق والواجبات والكرامة والعدالة.
بعض الثوار يرددون شعار سرقة المتسلقون للثورة وهو وارد ولو جزئيا لكن الأخطر ان ينحرف هؤلاء الثوار وخاصة من يدعون أنفسهم بالقادة عن اهداف ومطالب شعبهم وان يصبح همهم الأساسي الغنيمة والمناصب والمزايدات الثورية وإظهار انفسهم كأوصياء على الشعب وحماة الحمى.
عند انتشار الفوضى فالشعب بشكل واضح سيفقد الشعور بالأمان والاستقرار وسيتحول مطلبه تلقائيا الى الامن والحياة بدلا من الحرية والديمقراطية وكل خوفنا من ازياد انتشار الفوضى والخوف والديماغوجية التي قتلت ودمرت الكثير من البلاد عبر التاريخ والتي بدأت تنخر في مفاصل سورية بشكل واضح وصريح دون حسيب او رقيب وكم نأمل ان لا يخرج الوطن من تحت فكر ووعي النخب الثقافية والسياسية وتأثيرها والتي تمتلك من القيم والمبادئ الوطنية والمهارة والخبرة ما يكفيها لتغير مسار الاحداث وتوجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح لو اتفقت فيما بينها.
د. محمد حاج بكري