[بقلم الرائد محمد علوان]
يُصـادف في الثلاثين من شهر سبتمر- إيلول من هذا العام 2021، الذكرى السادسة لبدء عدوان روسيا على الشعب السوري، حيث أعلن فلاديمير بوتين قبل ست سنوات بدء تدخل بلاده العسكري إلى جانب نظام الأسد الآيل للسقوط أنذاك، زاعماً أن بلاده تدخلت لمواجهة تنظيم الدولة وعلى الأرض كانت القاذفات الروسية تشن أولى غاراتها العشوائية على المدنيين في مدينتي الرستن وتلبيسة في ريف حمص الشمالي ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية مخلفةً عشرات الشهداء جلهم من المدنيين ومعظمهم من النساء والأطفال.
أطلقت موسكو مع بدء تدخلها العسكري سلسلة من الأكاذيب والتصريحات الزائفة عبر مسؤوليها محاولة خداع العالم والتأثير على الرأي العام الدولي واقناعه أنها تحارب تنظيم الدولة في سوريا، ولكن الوقائع على الأرض وحرب الإبادة التي كانت تشنها موسكو بسلاحها الجوي والتي استخدمت فيه النابالم والفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا جعلت موسكو تفقد مصداقيتها، إذ أن العالم كله شاهد كيف أنها زادت من جرائم النظام بحق الشعب السوري وضاعّفت عدد المجازر والشهداء وزادت حجم المعاناة وحاصرت مدن بأكملها ومنعت دخول حليب الرضّع والطحين والدواء إلى الملايين المحاصرين ففاقمت من الأزمة الإنسانية للشعب السوري.
فقدت موسكو القدرة على احداث أي تغيير سياسي في مواقف الدول المؤثرة في سوريا حيال تدخلها العسكري إلى حد أنها فشلت من كسب التأييد في انتزاعها مدينة تدمر من تنظيم الدولة، فالمجتمع الدولي لم يبدِ أي أهمية لذلك بسبب المجازر الدامية التي كانت ترتكبها موسكو بحق الشعب السوري، حيث تشكلت لديه قناعة راسخة أن موسكو تدخلت لإعادة تمكين عميلها في دمشق.
ميدانياً، استطاع التدخل العسكري الروسي من انقاذ رأس النظام السوري من السقوط المحتم، بل ومكنه من استعادة زمام المبادرة بشكل تدريجي، فعسكريا استطاع النظام بميليشياته العابرة للحدود من التقدم نحو جبلي الأكراد والتركمان واعادة احتلال بلدة سلمى الاستراتيجية مطلع عام 2016 بعد أن قدمت القاذفات الروسية تمهيداً نارياً كثيفاً للميليشيات المقتحمة.
أما شمالي محافظة حلب وبعيد اسقاط تركيا لإحدى القاذفات الروسية بسبب اختراقها المجال الجوي التركي، أدى ذلك إلى تحالف الروس مع الميليشيات الانفصالية، فقدمت موسكو تمهيداً جوياً متوحشاً للميليشيات أدى إلى سيطرة حزبي البي كي كي و البي واي دي على قرى تل رفعت ومنغ ودير جمال، وهذا ما انتج موجة نزوح هي الأضخم لسكان هذه المناطق نحو الحدود السورية التركية علاوة على ارتقاء المئات من الشهداء نتيجة القصف العشوائي وفق سياسة الأرض المحروقة التي كانت تنتهجها موسكو.
إن سيطرة موسكو على أي منطقة محررة كانت تقرن دائماً بجرائم حرب من تدمير ممنهج للبنى التحتية والمشافي والمرافق الطبية وقتل همجي لمدنيين أبرياء معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال إضافة إلى الحصار الممنهج للمدن و البلدات وتهجير قسري، فجميع المناطق التي سيطرت عليها الميليشيات بدعم جوي روسي هي مناطق مدمرة بشكل كلي وخالية من السكان وهذا ما يجعل موسكو أمام جريمة جديدة متمثلة في إحداث تغيير ديمغرافي للمناطق التي استولت عليها كمدينة حلب والزبداني وحرستا قرب العاصمة دمشق.
على الرغم من كل المجازر والجرائم التي ارتكبتها-ومازالت- روسيا في سوريا والتي أصبحت ندبة عار في جبين الإنسانية، إلا أنها وصلت إلى طريق مسدود من تحقيق أي من الأهداف التي تدخلت لتحقيقها في سوريا.
فسياسيا لم تستطع من إعادة تعويم عميلها أسد، وعلى الرغم من بعض اللقاءات التي يجريها بعض أفراد العصابة في دول مجاورة إلا أن ذلك لا يعني قبوله وسيبقى ذلك محدودا ضمن نطاق بعض الدول السلطوية التي تتبنى نفس نهج النظام، أما دوليا فأن أي من البلدان التي تتغنى بحقوق الإنسان وقيمه لن تستطيع إعادة علاقاتها مع طغامة قتلت واعتقلت وهجرت أكثر من نصف الشعب السوري، أما اقتصاديا فروسيا بدأت تشعر أنها غارقة في بلد منهار مدمر لا يملك أدنى مقومات الحياة وهو توفير رغيف الخبز لأفراده، فالتوجه البروغماتي للموالين الذين كانوا يتغنون بانتصارات ميليشيات النظام في السابق تحوّل إلى التفكير في الهجرة بسبب انعدام سبل العيش، فما بقي من فتات سلم من أنياب روسيا وايران تكفلت بنهبه أسماء الأخرس ولونا الشبل وبقية أفراد العصابة الحاكمة، أما ملفات إعادة الإعمار مازال حلماً يراود شهية بوتين كحلم بشار الأسد في البقاء على جثامين مليون شهيد.
الرائد محمد علوان