ثنائية الدولة الايرانية: تسلط وضعف
الحديث تدور حاليا حول هيكلة المؤسسات والنظام وباقي جوانب الدولة في إيران التي حاول نظام ولاية الفقيه جعلها قوة مركزية في المنطقة، فآلت به الأمور إلى تقسيم بين تسلط وضعيف زاد ضعف الدولة أضعافا، فأصبحت إيران إيرانيتين (الحكومة وبيت المرشد) بجيشين (الجيش والحرس الثوري وعملتين (الريال والتومان) وفريقين (الفرس وغير الفرس)، وجهازين أمنيين (وزارة المخابرات ومخابرات الحرس الثوري)، ووزارتي خارجية (وزارة الخارحية وفيلق القدس)، ووزارتي اقتصاد (وزارة الاقتصاد ومؤسسة خاتم الأنبياء)، ولكل وزارة حكومية مؤسسة أو جهاز تابع للحرس الثوري أو بيت المرشد يعمل بالموازاة معها.
هذه الإزدواجية المؤسساتيه أنتجت نهج تعامل وسلوك داخلي وخارجي أدى إلى تضخيم المشكلات وإشعال الأزمات مع الخارج، وتوسيع دائرة الخلافات والانقسامات الداخلية بصورة أضرت إيران والمنطقة أكثر من الحروب والصراعات، وولدت ازدواجية في تعامل إيران مع دول المنطقة والعالم، وهي السبب وراء انتهاكات إيران المتكررة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لأن من وقع على هذه الاتفاقيات لا يملك قرار تنفيذها وتطبيقها، والجهات التي تنفذ السياسات الإيرانية الحقيقية ليست هي الجهات التي تتعامل مع المجتع الدولي، وهي المؤسسات الحكومية التي ليس لها أي سلطة على الجهات النافذة وهي مؤسسات الحرس الثوري.
إن أغلب الأزمات والمشاكل المتعلقة بإيران ناتجة عن هذه الإزدواجية المؤسساتية، والتي تعتبر السر وراء استمرارية حكم نظام الملالي، الذي يهدف من ورائها إلى الحفاظ على بقاء الخلافات والانقسامات الداخلية واستمراريتها، ما يمنع تشكيل أي وحدة وطنية قد تنتج مفهوم وطني يتطلب إزالة عوائق تنمية وتقدم البلاد والتي أهمها وجود نظام الملالي الرجعي، وخارجيا يهدف من ورائها إلى خداع المجتمع الدولي عبر تقديم حكومة دبلوماسية ضاحكة تعقد الاتفاقيات وتمارس العلاقات الودية مع المجتمع الدولي، في وقت تقوم مؤسسات الحرس الثوري والمؤسسات الدينية بتنفيذ المشروع الإيراني التوسعي بطرق خفية وممارسات سرية عبر التدخلات ودعم الإرهاب وإشعال الفتن وضرب أمن واستقرار دول المنطقة.
لقد بنيت السياسات الإيرانية منذ عام 1979 على هذه الأسس الرجعية، فكانت ولا تزال السبب في أزمات المنطقة، أوصبح من غير الممكن تغييرها أو إصلاحها أو علاجها، حتى تحولت إلى خلايا سرطانية تنتشر في المنطقة، وتتطلب بالضرورة اجتثاثها بالكامل، بعد أن تسببت في تردي الأوضاع في الداخل الإيراني إلى أعلى المستويات، وقادت إلى إشعال حروب وفتن دفع ثمنها الشعوب العربية والإسلامية، ما يعني أن زوال النظام الإيراني قد أصبح ضرورة ومطلبا مشتركا بين الشعوب العربية وشعوب المنطقة.
وقد بات النظام الإيراني حاليا بين فكي كماشة مواجهة الشعب في الداخل، والمجتمع الدولي في الخارج، ويمر في أشد مأزق منذ تأسيسه عام 1979 حتى الآن، وهذه المرحلة يمكن وصفها بمرحلة التنفس الاصطناعي، فالخناق يضيق عليه من الداخل والخارج، وعلاقاته بالمجتمع الدولي تتقلص في وقت تتسع فيه الفجوة بينه وبين أطياف ومكونات المجتمعات الإيرانية، وحالة كراهية المواطنين للنظام تتزايد وتتسع يوما بعد يوم، مع تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية والمعيشية لدرجة وصولها إلى نقطة اللاعودة، مع اعتراف حكومي بعجز معالجتها أو الحد منها، ووجود تقارير تؤكد تفاقمها في قادم الأيام، في ظل تشديد العقوبات وعدم قدرة طهران على الاتفاف عليها، وتحذر هذه التقارير من انفجار شعبي في أي وقت، إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، وهو ما جعل النظام الإيراني يفكر بإشعال حرب في المنطقة لإطفاء نيران الداخل، غير أن فشله في ذلك حتى الآن، يقربه كثيرا من مرحلة الاحتضار والسقوط أمام ثورة أو انتفاضة شعبية وشيكة.