تشهد الأسواق السورية قفزات كبيرة في الأسعار وسط غياب كامل للدور الحكومي وانسحاب الجهات المختصة، ومنها عناصر الرقابة ومفتشو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عن أداء مهامها بضبط الأسعار أو تأمين احتياجات المواطنين الضرورية بما فيها حليب الأطفال والدواء.
وحسب تاجر المواد الغذائية من حي دمر الدمشقي، مازن مللي، فقدت الأسواق جميع الضوابط وحتى الأعراف الاقتصادية، بواقع ما وصفه بـ”التناقض الاقتصادي”، فرغم الجمود وتراجع الشراء هناك غلاء أسعار.
ويشير التاجر السوري في حديثه إلى أن “السوريين يعيشون أتعس مرحلة على الإطلاق، فإلى جانب البرد وانقطاع التيار الكهربائي أكثر من 22 ساعة يومياً، تستمر متوالية الأسعار بالارتفاع لتصبح الفجوة بين الدخل والإنفاق “هائلة”.
واعتبر تاجر المواد الغذائية أنّ ندرة المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها في السوق (13 ألف ليرة سعر ليتر المازوت و15 ألفاً للبنزين) هما أكبر سببان في ارتفاع الأسعار، لأنّ أجور النقل زادت تكاليف الإنتاج.
وتزداد الفجوة بين دخل السوريين وتكاليف معيشتهم، بخاصة موظفي الدولة الذين قدّر الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم أعدادهم بنحو 1.6 مليون موظف، إذ يتقاضى الفرد أجراً بمتوسط 100 ألف ليرة سورية، في حين تزيد تكاليف المعيشة عن 4 ملايين ليرة سورية شهرياً لأسرة مكونة من خمسة أشخاص.
ويشير مركز “قاسيون” من دمشق إلى أنّ الفجوة بين الأجور والإنفاق، بين أعوام 2015 و2023، تؤكد ارتفاع الأجور من 13,670 ليرة سورية في عام 2015 إلى 92,970 ليرة يتقاضاها العامل في مطلع 2023، أي أنّ الحد الأدنى للأجور تضاعف حوالى 6 مرات.
وأضاف: “في حين أنّ متوسط تكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من 5 أفراد ارتفع من 68160 ليرة سورية في 2015 إلى قرابة 332000 ليرة في 2019، لتتصاعد على نحو كارثي، بحسب وصف المركز من دمشق، إلى حوالي 4.012 ملايين ليرة سورية وفقاً لحسابات بداية عام 2023، ما يعني أن هذه التكاليف ارتفعت بالليرة السورية بحدود 5786% منذ عام 2015.
ويقول الجاسم إن نهج التفقير الذي يعتمده نظام بشار الأسد حوّل أكثر من 90% من السوريين إلى الفقر المدقع بمعنى الكلمة، بعد حرمانهم من أبسط الاحتياجات الأساسية، مشيراً إلى أن نهج حكومة بشار الأسد بالانسحاب من دعم المواد الغذائية والمشتقات النفطية زاد من أزمة الأسواق وصعوبة الواقع المعيشي.
ويضيف المتحدث أن حكومة الأسد، ومنذ فبراير/ شباط العام الماضي، وقت رفعت الدعم عن السلع الاستهلاكية وأخرجت 600 ألف أسرة من قوائم الدعم، حولت السوريين إلى فقراء، لتتبعها في يونيو/ حزيران العام الماضي بإخراج قوائم أخرى من الدعم، متوقعاً الاستمرار بانسحاب الحكومة السورية من الأسواق والدعم، بعد أن أدخلت، نهاية العام الماضي، شركة خاصة لاستيراد وتوزيع المحروقات وشركات لإنتاج وتوزيع الكهرباء.
وحول أثر تهاوي سعر صرف الليرة في واقع السوريين ومعيشتهم، يشير الجاسم إلى أن تراجع سعر صرف الدولار إلى نحو 7 آلاف ليرة مطلع العام، قبل التحسن إلى نحو 6500 ليرة، هو السبب الأهم، بواقع الأجر المثبت بالليرة، في فقر ومعاناة السوريين.
يشير مركز “قاسيون” من دمشق إلى أنّ الفجوة بين الأجور والإنفاق، بين أعوام 2015 و2023، تؤكد ارتفاع الأجور من 13,670 ليرة سورية في عام 2015 إلى 92,970 ليرة
وطاولت ندرة المشتقات النفطية أجور النقل داخل المدن السورية، لتصل إلى نحو 500 ليرة داخل مدينة دمشق، ما يرفع تكاليف تنقل الموظفين إلى نحو 30 ألف ليرة شهرياُ، علماً أن متوسط الأجور نحو 100 ألف ليرة سورية شهرياً.
وكانت لجنة تحديد الأسعار بمحافظة دمشق قد رفعت، أخيراً، أجور النقل بالمواصلات داخل المدن لتصل إلى 400 ليرة للمسافات القصيرة (أقل من 10 كيلومترات) و500 ليرة للمسافات الأطول، متذرعة بأن ارتفاع أسعار المحروقات السبب بالرفع الجديد.
وأثّر الصقيع وتراجع درجات الحرارة على عرض بعض المنتجات الزراعية في السوق السورية، ليزيد، بحسب مصادر من دمشق، سعر كيلو السلق عن 300 ليرة ويتعدى سعر ربطة البصل الأخضر، أقل من نصف كيلوغرام، 500 ليرة.
وتستمر الفواكه في خانة “الأماني” للسوريين، بعد أن وصل سعر كيلو الموز إلى 9 آلاف ليرة والتفاح إلى 4000 ليرة.
وتشير المصادر إلى استمرار تصدير الخضر والفواكه السورية إلى دول الخليج “عبر الأردن والعراق”، ولكن بكميات أقل من الصيف.
وكانت الزيادة على منتجات الحليب الأعلى خلال العام الجديد، ليدخل السوريون بنمط استهلاكي جديد “شراء لوجبة واحدة” بحسب الإعلامية “حنان .م” من دمشق، التي أكدت ارتفاع سعر كيلوغرام الحليب بنحو 500 ليرة خلال العام الجديد، ليصل سعر الكيلوغرام 3500 ليرة.
ويصف عضو مجلس إدارة الجمعية الحرفية للألبان والأجبان أحمد السواس واقع صناعة الأجبان والألبان “بالسيئ للغاية”، بسبب الظروف التي يمرّ بها البلد والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي يرافقه قلة حوامل الطاقة.
ويشير السواس إلى أن قرار حماية المستهلك منع شراء المحروقات من السوق السوداء “كان قراراً جائراً بحق الحرفيين” ولا سيما أن شركة سادكوب لم تؤمن لمنتجي الألبان والأجبان المحروقات الكافية منذ زمن.
تستمر الفواكه في خانة “الأماني” للسوريين، بعد أن وصل سعر كيلو الموز إلى 9 آلاف ليرة والتفاح إلى 4000 ليرة
من جهته، يقول رئيس جمعية اللحامين في دمشق، إدمون قطيش، إن ارتفاع الأسعار يعود لارتفاع التكاليف التي تزداد بشكل دائم، محذرا، خلال تصريحات صحافية، من استمرار ارتفاع الأسعار إذا بقي الوضع على حاله.
يأتي شح وغلاء الدواء، في فصل الشتاء والمرض، في مقدمة معاناة السوريين، بعد اعتذار الصيدليات عن البيع لعدم توفر المادة وتوقف المعامل عن توريد الإنتاج “قبل رفع الأسعار”، بحسب تاجر الأدوية من دمشق أحمد الصمودي، الذي أكد أن دراسة معامل الأدوية لوزارة الصحة تنص على رفع الأسعار بنسبة 100% “على الأقل”.
وفي حين ارتفعت أسعار الدواء في سورية بنحو 130% خلال العام الماضي، وبين 1500 و4000% لبعض الأدوية منذ عام 2011، لم تزل الأسواق تعاني نقصاً حاداً في الأدوية وحليب الأطفال، بما فيها أدوية المسكنات والرشح، في حين نفدت أدوية الأمراض الخطرة من السوق، كما يؤكد الصمودي.