واشنطن تتخبط في خياراتها المزدوجة للتعامل مع الرياض… تحكم الغرب في أسواق الطاقة أصبح من الماضي
يستمر التوتر في العلاقات الأمريكية السعودية رغم تسجيل انخفاض نسبي سواء في حملة التهديدات الرسمية الأمريكية أو انتقادات وسائل الإعلام المعروفة
بتقديمها وجهة نظر ساسة البيت الأبيض بالمقارنة مع ما كان سائدا منذ 5 أكتوبر 2022، ولكن عددا كبيرا من المحللين والمراقبين لا يرون أن في ذلك مؤشرا حتميا على التوجه نحو استعادة نوع التفاهم الواسع بين الرياض وواشنطن. عدد من السياسيين سواء في الغرب أو الشرق يقدرون أن الرياض اتخذت قرارها بنسج علاقات أكثر توازنا وتطورا على الصعيد الدولي خاصة مع القوى الكبرى وذلك لتحقيق أكبر منفعة للسعودية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.
بعض الأوساط خاصة في الولايات المتحدة تقدر أن نتائج الانتخابات النصفية الأمريكية التي ستجري يوم 8 نوفمبر 2022 سيكون لها تأثير كبير على تطوير العلاقات مستقبلا مع الرياض وأطراف أخرى سواء في المنطقة العربية أو خارجها. ولكن يظهر أن هناك اقتناعا في نفس الوقت بأن تحكم الكتلة الغربية في أسواق الطاقة قد أصبح من الماضي.
ويتنافس الحزبان الديمقراطي والجمهوري على مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعدا، كما أنه سيتم انتخاب 35 عضوا لمجلس الشيوخ. ولهذه الانتخابات أهمية قصوى، فهي تعد تصويتا على طريقة عمل إدارة الرئيس في العامين الأولين “النصف الأول” من فترته الرئاسية.
وتأتي هذه الانتخابات في وقت حرج للرئيس الديمقراطي جو بايدن وحزبه، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ارتفاع أسعار الوقود في بلاده، ووجود انتقادات شديدة لطريقة إدارته للملف الاقتصادي والصراع الروسي الأوكراني.
وحتى بالنسبة للجمهوريين فهي أيضا تأتي في وقت حرج، خاصة بعد أن تجاوزت المحكمة العليا التي عين فيها الرئيس السابق دونالد ترمب قضاة محافظين الخطوط الحمر وفقا للأمريكيين التقدميين، حيث ألغت قرارا سابقا للمحكمة يسمح بالإجهاض ويعتبره حقا دستوريا، الأمر الذي يشكل حساسية للأمريكيين الذين يعتبرون أن هذا القرار يعد تعديا على حرية المرأة.
في المنطقة العربية كما في الصين وروسيا هناك من يشيرون إلى أن التوتر الأخير بين واشنطن والرياض بعد قرار منظمة “الأوبك+” خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل ابتداء من شهر نوفمبر 2022 ليس جديدا فهو امتداد لخلافات متكررة ومتصاعدة خلال السنوات الماضية. ويضيف البعض من هؤلاء أن الرياض فقدت ثقتها في نوايا ساسة البيت الأبيض وغدت تخشى من تحركهم ضدها. تكرس هذا الشعور بفقدان الثقة ونما تدريجيا منذ ما سمي بالربيع العربي خلال العقد الماضي والذي أدى بدعم أمريكي وغربي إلى إغراق دول عربية في حالة من الفوضى والذي يعتبر جزء من مخطط المحافظين الجدد للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، هذا المخطط تضمن تهديدات لأمن واستقرار كل منطقة شبه الجزيرة العربية، وقد أضيفت لذلك مجموعة من التشريعات والقوانين الأمريكية “قانون نوبك” و”قانون جاستا” التي تشكل سيفا معلقا ومعدا للاستخدام من طرف الإدارة الأمريكية لتهديد مصالح واستقرار السعودية وكل دول أوبك.
تنسيق مع بكين
يوم الجمعة 21 أكتوبر أعلن في الرياض أن وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، عقداجتماعا بمسؤول الطاقة الوطنية في الصين جانغ جيان هوا، وأكدا حرصهما على العمل على تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الطاقة.
وأشار الجانبان خلال الاجتماع الذي عقد عبر الاتصال المرئي إلى “أهمية أن تتبادل الصين والسعودية، بصفتهما من أهم الدول المنتجة والمستهلكة للطاقة عالميا، الآراء باستمرار”، وأكدا “استعدادهما للتعاون في المحافظة على استقرار سوق البترول العالمية، واستمرارهما في التواصل الفعال، وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات المستقبلية”.
وشددا على “أهمية إمدادات البترول الموثوقة على المدى الطويل في جلب الاستقرار لسوق البترول التي تواجه حالات عدم يقين عديدة نتيجة للظروف الدولية المعقدة والمتغيرة”، منوهين بأن “السعودية تظل الشريك والمصدر الأكثر موثوقية لإمدادات البترول الخام للصين”.
وشملت مناقشات الجانبين التعاون والاستثمار المشترك في دول مبادرة الحزام والطريق الصينية، وكذلك الاستثمار في مجمعات التكرير والبتروكيميائيات المتكاملة في كلا البلدين، وتعزيز التعاون في سلاسل إمدادات قطاع الطاقة عن طريق إنشاء مركز إقليمي للمصانع الصينية للاستفادة من موقع السعودية المميز بين ثلاث قارات.
واتفق الجانبان على التعاون في إطار اتفاقية التعاون الثنائي في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الحكومتين الصينية والسعودية، كما أكدا أهمية التعاون في مجال الكهرباء والطاقة المتجددة، وكذلك التعاون في مجال الهيدروجين النظيف عن طريق الأبحاث والتطوير.
في واشنطن اعتبر هذا التعاون بين الرياض وبكين مؤشرا سلبيا لمصالح الولايات المتحدة.
يوم 23 أكتوبر أشار وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف في موسكو، إلى أن بلدان تحالف “أوبك+”، ترى أنه من المستحيل على المستهلكين فرض أسعار النفط، وأن القيود من جانبهم ستؤدي إلى ارتفاع هذه الأسعار.
وأضاف سيلوانوف: “اعتبرت دول “أوبك+” أن مثل هذا النهج مستحيل بالنسبة لها وقررت خفض الإنتاج، مما يدل على أن تنظيم السوق متروك للمنتج”.
وتابع: “يمكن للمستهلكين فرض قيودهم، وإن لم يتم توريد النفط لهم في ظل هذه القيود، فإن أسعار النفط سترتفع”.
وأضاف أن روسيا وضعت أسعارا متحفظة للسنوات المقبلة بواقع 70 دولارا للبرميل في ظل سعر صرف الروبل بـ68 روبل أمام الدولار، وبواقع إنتاج قدره 10 ملايين برميل يوميا. وأوضح: “نخطط لجني أكثر من 8 تريليونات روبل من عائدات النفط والغاز”.
عدم التراجع رغم ضغوط واشنطن
يوم 21 أكتوبر كذلك لفت تقرير لموقع “ذا هيل” الأمريكي إلى السعودية لم تظهر أي علامة على التراجع بعد ردة فعل الإدارة الأمريكية عن قرارها خفض إنتاج النفط، معتبرا ذلك “جزءا من إستراتيجية الرياض لاستعراض نفوذ سياستها الخارجية بقوة أكبر”.
ويصر المسؤولون السعوديون على أن القرار الذي تعرض لانتقادات شديدة “اقتصادي بحت” ردا “الهجمات” التي يقفون بمواجهتها والتي تتهمهم بالوقوف إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا.
دعا ديمقراطيون إلى تجميد المبيعات العسكرية والتعاون مع الرياض، بينما ظل الجمهوريون “هادئين إلى حد كبير” وفق وصف التقرير، قائلين إن علاقات واشنطن بالرياض قوية وإستراتيجية للغاية بحيث لا يمكن المخاطرة بها.
ويقول خبراء إن الرياض تحاول إيجاد توازن بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث تشعر بالقلق من انسحاب واشنطن من الشرق الأوسط لكنها حذرة لتجنب قطع العلاقة تماما.
وقال صموئيل راماني، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: “حاول السعوديون مسك خيط الإبرة بين الأمريكيين والروس، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم ثقتهم بالولايات المتحدة”. وأضاف: “لا أعتقد أنه سيكون صدعا طويل المدى، سيكون مجرد أحد تلك التقلبات الرئيسية في العلاقات.
لم تنجح قبضة اليد بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة وولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان في جدة، شهر يوليو 2022 إلا بتعويض القليل، في نظر الرياض، عن تعليقات حملته “بايدن” التي تعهد فيها بمعاملة السعودية باعتبارها منبوذة.
سعي الإدارة الأمريكية الحالية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، فضلا عن الانزعاج المستمر من إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بشأن ما اعتبرته الرياض ردا محتشما على هجمات الطائرات بدون طيار الإيرانية على منشآت أرامكو النفطية في بقيق، عزز موقفهم المناوئ لواشنطن وفق التقرير ذاته، ما جعلهم يبحثون عن دول أخرى قد تغنيهم عن حليفهم التقليدي.
وذكر حسين إيبش، الباحث في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: “لقد كانوا مهتمين حقا بالتنويع الاستراتيجي، والتواصل مع قوى أخرى”.
ثم أضاف “على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، طورت الرياض ببطء هذا الشعور لناحية واشنطن، على الرغم من أن لديها هذا الجهاز العسكري الضخم في المنطقة”.
والسعودية هي أكبر زبون أجنبي للمعدات العسكرية للولايات المتحدة، حيث بلغت مبيعاتها حوالي 100 مليار دولار بين عامي 2009 و 2020، وهي علاقة تفيد الولايات المتحدة في تدفق الاستثمارات ولكنها تسمح أيضا للجيشين الأمريكي والسعودي بالعمل معا بشكل وثيق بشأن المخاوف الأمنية. ويتمركز حوالي 2700 جندي أمريكي في البلاد.
ويمكن لبيع المعدات العسكرية الأمريكية إلى السعودية أيضا أن يكون بمثابة حصن لفائدة الغرب لمنع روسيا والصين من الحصول على موطئ قدم هناك.
ورحب السعوديون بالجهود التي تبذلها إدارة بايدن لتهدئة بعض الأجزاء الصعبة من العلاقة “وهذا يشمل تشاور أوثق حول نية الإدارة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران” يقول التقرير.
من جانبه، قال آرون ديفيد ميلر، زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن المبرر الاقتصادي لقرار “أوبك+” قد يكون صحيحا، لكن من المحتمل كذلك أن ولي العهد السعودي غير مهتم تماما بالآثار السياسية مع الولايات المتحدة.
وأضاف “لا يمكن للسعوديين أن يكونوا لم يفهموا أنه قبل أسابيع من الانتخابات النصفية الأمريكية، سيؤدي قرارهم إلى زيادة التضخم” متسائلا عما إذا كانوا لم يعتبروا أن بإمكان إدارة بايدن اعتبار ذلك قرارا سياسيا ضدها.
الرياض بين موسكو وكييف
أثار قرار “أوبك +” غضب البيت الأبيض والديمقراطيين، الذين اتهموا الرياض بالانحياز إلى موسكو، قائلين إن ارتفاع أسعار النفط سيواصل تأجيج قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إدارة حربه في أوكرانيا.
ويقول المسؤولون السعوديون إن أفعالهم أوضحت أنهم يدعمون أوكرانيا، حتى مع الحفاظ على علاقاتهم مع روسيا.
وصرح مسؤول سعودي لـ سي أن أن “لقد كنا على اتصال بالفعل مع القيادة الأوكرانية ومع روسيا، عرضنا التوسط بين الاثنين لأننا نحافظ على علاقات جيدة مع كليهما”.
وساعدت الرياض في التوسط في تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا في وقت سابق من شهر سبتمبر، ثم أعلنت بعد ذلك عن 400 مليون دولار كمساعدات إنسانية لكييف.
كما تشير الرياض إلى تصويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة على رفض استفتاء روسيا على الأراضي الأوكرانية في أكتوبر وآخر يدين اجتياحها خلال تصويت أجري في مارس.
وبينما يواجه بايدن رد فعل سلبي من المشرعين الديمقراطيين، فمن غير المرجح أن تعاقب الإدارة الرياض بشدة، يقول التقرير.
وذكر المتحدث بإسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي يوم الخميس 20 أكتوبر إن مراجعة الإدارة لعلاقتها مع السعودية “مستمرة”، لكنها لن تضع جدولا زمنيا لاتخاذ أي إجراء.
في السياق، ذكر رئيس موظفي البيت الأبيض رون كلاين، قوله إن إدارة بايدن تعيد تقييم علاقة الولايات المتحدة بالسعودية مشدداعلى أنها لا تزال حريصة على تقوية التحالف ضد الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأوضح كلاين خلال نزوله ضيفا على برنامج “مورنينغ جو” الذي تبثه قناة “أم أس أن بي سي” أن البيت الأبيض سيضغط على الرياض لتكون أكثر فاعلية في هذه الجبهة.
وقال: “حسنا، كما قال الرئيس، نحن نعيد النظر في علاقتنا مع السعودية.. وأعتقد أن هناك أعضاء من كلا الحزبين في واشنطن يريدون رؤية ذلك يحدث” ثم تابع “انظر، الهدف هنا الآن هو أننا نحاول حشد تحالف عالمي لمحاربة العدوان الروسي في أوكرانيا”.
مفاجأة لموسكو وواشنطن
ذكر موقع The Intercept الأمريكي، يوم الخميس 20 أكتوبر 2022، أن إعلان منظمة “أوبك +”، الذي تقوده السعودية، بتخفيض إنتاجها النفطي بمقدار مليوني برميل يوميا، فاجأ موسكو وواشنطن معا، مشيرا إلى أن روسيا لم تتوقع أن تخفض الرياض إنتاج النفط مرتين أكثر مما طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وسعت روسيا إلى خفض إنتاج النفط بمقدار مليون برميل، فيما أكد الموقع الأمريكي أن الرياض ضغطت بالفعل لخفض إنتاج النفط مرتين، مضيفا نقلا عن مصادر أن هذه الخطوة فاجأت الروس أنفسهم، وهو ما يشير إلى أن دوافع الرياض أعمق مما يريد كبار الديمقراطيين الاعتراف به.
فيما قال أحد المصادر، وهو سعودي مقرب من سلطات الرياض، إن”الناس في الرياض يعتقدون أن محمد بن سلمان يقف إلى جانب بوتين، لكنني أعتقد أن محمد بن سلمان بوتيني أكثر من بوتين”.
من جهته، صرح بروس ريدل، وهو باحث في معهد بروكينغز، لـ”ذا إنترسبت”: “في الرياض يريدون مساعدة الجمهوريين” قبل الانتخابات النصفية، موضحا أن محمد بن سلمان يرى أن فوز الحزب الجمهوري بالكونغرس هو “الخطوة الأولى لفوز دونالد ترمب في عام 2024 وانتكاسة لبايدن”.
وكانت السعودية قد لبت طلبات ترمب بشأن إنتاج النفط في عامين انتخابيين. مرة في عام 2018، من خلال زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار، ومرة أخرى في عام 2020 عن طريق خفض الإنتاج لرفع الأسعار.
في واشنطن قال مسؤولون إن نتيجة الإجتماع القادم لأوبك+ في ديسمبر 2022 ستكون محورية لمستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية.
تخبط أمريكي
يسجل المراقبون تخبط حكومة واشنطن في سبل الضغط على الرياض ففي تقرير نشر في العاصمة الأمريكية يوم 19 أكتوبر 2022 قال ثلاثة مسؤولين حالين وسابقين لشبكة “أن بي سي” الأمريكية إن إدارة الرئيس بايدن، تدرس “إثناء الشركات الأمريكية عن توسيع العلاقات التجارية مع السعودية”، لكن خبراء أمريكيين تحدثوا مع موقع الحرة استبعدوا أن يكون لذلك تأثير اقتصادي كبير.
وأفاد المسؤولون للشبكة إن هذه الخطوة، لو تمت، ستكون واحدة من الخيارات المطروحة على الطاولة في إطار مساعي الإدارة للرد على قرار “أوبك بلاس” دون تقويض أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاسيما حشد إسرائيل والعرب ضد إيران.
ويرى غاري هوفباور، الخبير الاقتصادي الذي عمل سابقا في وزارة الخزانة الأمريكية، في مقابلة مع موقع الحرة أن للسعودية مناطق قوة اقتصادية كثيرة وتستطيع إقامة أعمال تجارية من دون الولايات المتحدة، ويعتقد أن هذه المبادرة “المؤسفة” لو تحققت “ستحدث فرقا لكن هامشي”.
ويرى أنها سيكون لها تأثير سياسي أكبر من التأثير الاقتصادي، مشيرا إلى أنها ستؤدي إلى “تباعد دبلوماسي كبير بين السعودية والولايات المتحدة”.
ويتفق المحلل الأمريكي، باولو فان شيراك، على أنه “من الناحية الاقتصادية على المدى القصير، سيكون التأثير ضئيلا وربما صفرا”.
ويشير في حديثه مع موقع الحرة إلى أن التأثير سيكون سياسيا فقط لأنه يتماشى مع اتجاه الإدارة للتعبير عن أسفها من قرار “أوبك بلاس” بسبب تبعاته على المستهلك الأمريكي وكذلك من ناحية تمويل روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
ويفيد تقرير “أن بي سي” إن إدارة بايدن “تجازف” من ناحية أن الشركات الأمريكية قد لا تستجيب لها لو طلبت منها عدم التعامل مع السعودية.
ويقول باولو فان شيراك إن الإدارة لا تستطيع أن تطلب من الشركات الأمريكية عدم توسيع أعمالها في السعودية “ما لم يكن هناك أمر تنفيذي يقول أن هناك عقوبات على الرياض وهو ما لن يحدث”.
ويضيف: “أن يطلب البيت الأبيض من الشركات الحد من نشاطها، وترد هي بوقف أعمالها وحزم أمتعتها وتعود إلى الوطن أمر غير ممكن”. “ما لم يكن هناك حظر واضح من قبل حكومة الولايات المتحدة، لا أعتقد أننا سنرى الكثير من التغيير في التأثير الاقتصادي”.
ونقلت “أن بي سي” بيانا لأدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، قالت فيه إن الإدارة لم تتواصل مع الشركات الأمريكية لحثها على عدم ممارسة أنشطة تجارية في السعودية.
وذكرت في بيان: “نحن لا نتواصل مع الشركات لتقديم مثل هذه الطلبات… تتخذ الشركات الأمريكية قراراتها الخاصة بشأن وجودها ومكان الاستثمار، مع مراعاة مجموعة من العوامل، بما في ذلك القيود القانونية وبيئة الأعمال والمخاوف المتعلقة بالسمعة التي يمكن أن تنشأ عن السياسة العامة الخيارات التي حددتها البلدان المضيفة”.
ويشير شيراك إلى أن الشركات الأمريكية تعمل في السعودية بموجب التزامات تعاقدية. ولا يمكن وقف أنشطتها بقرارات من هذا النوع.
وقد تستطيع الإدارة أن تثني الشركات الأمريكية عن بدء أعمال جديدة في المملكة “لكن لا أعتقد أن هذا أيضا سيحدث”.
ويشير غاري هوفباور إلى أنه بمقدور السعودية إيجاد بدائل مثل الصين.
ويرى المحلل السعودي، مبارك العاتي أن مثل هذا القرار سيكون تأثيره على السعودية “محدود لانفتاح السوق السعودي على العالم وتحوله إلى سوق جاذب للاستثمارات العالمية التي تريد المشاركة في ما تتيحه رؤية 2030 من فرص اقتصادية واستثمارية كبيرة جدا”.
ويعتقد أن هذا القرار “قد يقابل بقرار سعودي مماثل من باب المعاملة بالمثل، ما قد يؤدي لحرمان الشركات الأمريكية من الفرص الواعدة في الاقتصاد السعودي، كما قد يؤدي إلى عزوف استثمارات السعودية عن السوق الأمريكي” مشيرا إلى الاستثمارات الهائلة للصندوق السيادي السعودي في السوق الأمريكية.
ويدير الصندوق محفظة من الأسهم الأمريكية تبلغ قيمتها حوالي 40 مليار دولار، بما في ذلك حصص في شركات مثل “أوبر” و”جيه بي مورغان” و”بلاك روك” ويضاف إلى ذلك حوالي 116 مليار دولار من سندات الخزينة الأمريكية.
عدم اليقين في سوق النفط
جاء في تقرير اقتصادي نشر يوم الاثنين 24 أكتوبر: توقع محللون نفطيون، استمرار تقلبات أسعار النفط الخام خلال الأسبوع الجاري بعدما أنهت الأسبوع الماضي على مكاسب بنحو 2 في المائة، رغم القرار الأمريكي بطرح مزيد من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي في الأسواق.
وأوضح المحللون، أن أسعار النفط تميل إلى الارتفاع بسبب مخاوف شح المعروض بعد خفض إنتاج “أوبك +” بنحو مليوني برميل يوميا في نوفمبر، إضافة إلى اقتراب موعد الحظر الأوروبي على استيراد النفط الروسي بدءا من ديسمبر، وعلى المنتجات النفطية بدءا من فبراير من عام 2023.
وأشار المحللون إلى أن أهم ما يكبح المكاسب بشكل رئيس هو مخاوف الركود والتباطؤ الاقتصادي بعد الاستمرار في سياسات مالية متشددة وقيام “الفيدرالي الأمريكي” مع بنوك مركزية أخرى برفع متكرر لأسعار الفائدة، إضافة إلى الشكوك في سرعة تعافي الطلب الصيني بسبب التمسك بسياسات “صفر كوفيد” في مكافحة الجائحة.
ولفت المحللون إلى أن ملفات ساخنة عدة تزيد حالة عدم اليقين في أسواق النفط وتجعل معنويات أسواق المنتجات النفطية في آسيا متقلبة، ومنها أزمة الطاقة في آسيا والمحيط الهادئ وتجدد إصابات فيروس كورونا وأزمة أسعار الطاقة في أوروبا والحرب في أوكرانيا، إلى جانب ترقب تأثير وآلية تنفيذ تخفيضات “أوبك +” بدءا من شهر نوفمبر.
ويقول روس كيندي العضو المنتدب لشركة ” كيو إتش أيه ” لخدمات الطاقة لـ”الاقتصادية”: إن التقلبات السعرية ستستمر كسمة رئيسة في السوق بسبب غياب اليقين واستمرار تأثير العوامل المتضادة، خاصة خفض الإنتاج مقابل توقعات التباطؤ والركود الاقتصادي العالمي، لافتا إلى أن قرار وزراء الطاقة في تحالف “أوبك +” بتخفيض إنتاج النفط مليوني برميل يوميا أدى إلى نمو توقعات ارتفاع الأسعار، ما من شأنه أن يمكن المنقبينالأمريكيين من توسيع أنشطة الحفر.
وذكر أن دعم الأسعار في هذه المرحلة قد يكون أمرا ضروريا لزيادة ثقة المستثمرين في الصناعة، ولتعزيز الاستثمارات خاصة في مشاريع المنبع، التي تقلصت كثيرا في فترة اندلاع جائحة كورونا، وعلى مدار أكثر من عامين، حيث إن السوق تواجه حاليا تحديات كثيرة ومتجددة، ولعل أبرزها في المرحلة الراهنة مخاطر الركود التي ألقت بثقلها على الصناعة.
رسالة واضحة
من جانبه، يقول دامير تسبرات مدير تنمية الأعمال في شركة تكنيك غروب الدولية: إن السوق تتأثر باستمرار من تقلبات توقعات الطلب العالمي خاصة مع التفاؤل أحيانا، والتشاؤم في أحيان أخرى بأن الصين قد تخفف قيود الحجر الصحي، ما أدى أيضا إلى تقلب معنويات المخاطرة في الأسواق.
ولفت إلى وقوع السوق بين مخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي مقابل قيود الإمدادات من تحالف “أوبك +”، بينما أفرجت الولايات المتحدة عن النفط من احتياطيات الطوارئ لتهدئة الأسعار مع التعهد بأنها ستعيد ملء هذا العرض إذا كانت الأسعار عند أو أقل من 67 دولارا إلى 72 دولارا.
من ناحيته، يقول بيتر باخر المحلل الاقتصادي ومختص الشؤون القانونية للطاقة: إن خفض إنتاج “أوبك +” بمقدار مليوني برميل في اليوم من مستويات الإنتاج المطلوبة في أغسطس 2022 بدءا من نوفمبر كان بهدف تعزيز التوجيه طويل الأجل لسوق النفط بما يتماشى مع النهج الناجح لتحالف “أوبك +”، المتمثل في ضرورة أن يكون التحالف استباقيا ووقائيا.
وأشار إلى أن رسالة “أوبك +” كانت واضحة للسوق فيما يتعلق بقرار تعديل الإنتاج إلى أسفل، حيث إن حالة عدم اليقين الاقتصادي السائدة جنبا إلى جنب مع عودة ظهور حالات وباء كورونا في كل من الصين وأجزاء أخرى من العالم كانت من العوامل المساهمة الرئيسة في قرار “أوبك +”.
بدورها، تقول إرفي ناهار مختص شؤون النفط والغاز في شركة أفريكان ليدرشيب الدولية: إن خريطة الطاقة في العالم تتغير وتواجه كثيرا من الصعاب والتحديات، لافتة إلى أن سوق النفط الخام تواجه تحديا هو الأكبر في تاريخ الصناعة، يتمثل في ضرورة تحقيق التوازن بين أهداف عدة وأبرزها حاليا أمن الطاقة إلى جانب ضمان التنمية المستدامة لتلبية الطلب العالمي على الوقود، الذي يعكس نمو الاقتصاد العالمي.
وأوضحت أن أسعار النفط أقرب إلى الارتفاع في الأسبوع الجاري، حيث يعاني إنتاج النفط النيجيري انقطاعات مرتبطة بالسرقة وتخريب خطوط الأنابيب والصيانة غير المخطط لها، والمشكلات الفنية منذ أوائل 2021، إلى جانب انعدام الأمن في دلتا النيجر.
وارتفع إجمالي عدد أجهزة الحفر النشطة في الولايات المتحدة بمقدار 2 هذا الأسبوع، حيث ارتفع إجمالي عدد الحفارات إلى 771 – بزيادة 229 منصة عن عدد الحفارات هذه المرة في 2021.
وأشار تقرير “بيكر هيوز” الأمريكي الأسبوعي المعني بأنشطة الحفر، إلى ارتفاع الحفارات النفطية في الولايات المتحدة بمقدار 2 هذا الأسبوع لتصل إلى 612، بينما ظلت منصات الغاز على حالها عند 157، كما بقيت منصات متنوعة على حالها عند 2.
ولفت التقرير إلى بقاء عدد الحفارات في حوض بيرميان ثابتا عند 346 هذا الأسبوع، فيما بقيت الحفارات في إيجل فورد على حالها عند 71.
ونوه التقرير إلى ارتفاع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة بشكل طفيف في الأسبوع المنتهي في 14 أكتوبر إلى 12 مليون برميل يوميا، وفقا لآخر تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأسبوعية، فيما ارتفعت مستويات الإنتاج في الولايات المتحدة 300 ألف برميل يوميا فقط حتى الآن هذا العام وزادت 700 ألف برميل يوميا مقارنة بعام 2021.
أزمة سيئة للغاية وغير ضرورية
جاء في تحليل نشر يوم 18 أكتوبر لحسين إيبش وهو باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية بواشنطن:
إن اندلاع الاتهامات المتبادلة الغاضبة بين تحالف عريض من القادة السياسيين من الحزبين في الولايات المتحدة -وخاصة الديمقراطيين في الكونغرس- والحكومة السعودية وأنصارها هو واحد من أكثر العلاقات مرارة والأضرار محتملة في شراكة استمرت 80 عاما بين البلدين، كما أنه من المحتمل أيضا أن تكون واحدة من أكثر الخلافات العديدة الغير ضرورية والتي يمكن تجنبها، والتي تتخللها علاقة يعود تاريخها على الأقل إلى الدعم الأمريكي لإسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 وما نتج عنها من حظر نفطي بقيادة السعودية.
وللوهلة الأولى تبدو الأسباب المباشرة للتناقضات الحالية أقل حدة من أزمة عام 1973 أو للتوترات والخلافات التي أعقبت 11 سبتمبر 2001 وكلاهما لا يزال يترك آثارا في الذاكرة الجماعية والثقافة السياسية على كلا الجانبين. ومع ذلك فإن التوترات الكامنة وراء التوترات الحالية تتمثل في الافتقار العميق للثقة الذي كان يتطور منذ ما يقارب 20 عاما، وله جوانب شخصية وأيديولوجية وحزبية، فضلا عن التداعيات المشوهة للأزمة الأوكرانية والتي من شأنها عقد أعمال الإصلاح اللازمة لاستعادة الوضع الطبيعي في علاقة لا تزال ضرورية لكلا الجانبين.
والسبب المباشر للغضب الحالي يعود لقرار مجموعة (أوبك+) التي تقودها السعودية والمكونة من (أوبك) ومنتجي النفط من خارجها -والتي تشمل روسيا- وتتضمن الشروع في تخفيضات الإنتاج من أجل وقف وعكس طفيف والانخفاض المطرد في سعر النفط لكل برميل في الأسواق الدولية.
وتكمن المشكلة في أن كلا من السعوديين والأمريكيين يشعرون بالصدمة والخيانة من تصرفات بعضهم البعض وردود أفعالهم، مما يدل ذلك ليس فقط على انعدام الثقة وحسب ولكن يدل أيضاعلى عدم الفهم المتبادل مما يشير ذلك إلى أن الجانبين لم يعرفا اهتماما كافيا لمقتضيات ووجهات نظر كل منهما، وتعد إعادة بناء الثقة ليس بالأمر السهل أبدا، لكن الأساسيات المهمة للشراكة تظل قوية، لذلك إذا سادت المصالح الوطنية والمنطقية فسيحدث ذلك بمرور الوقت.
إلا أنه من الضروري أن تهدأ الأعصاب وأن يتم منع المزيد من تآكل الثقة من خلال استئناف الحوار الهادف القائم على الاحترام المتبادل بدءا من المشاورات قبل اجتماع (أوبك+) القادم المقرر عقده في 4 ديسمبر 2022.
خطر الفوضى
من المنظور السعودي لا يمكن استقرار سوق النفط دون اتفاق بين المنتجين في أوبك+، وبخلاف ذلك سيتم تحديد السعر من خلال قوى غير متوقعة وحتى فوضوية، حيث يقوم المنتجون المختلفون بزيادة وتقليل إنتاج هذه السلعة القابلة للاستبدال وفقا لأجندتهم الخاصة، و في حين التزم السعوديون بعدم السماح بارتفاع أسعار النفط إلا أنهم يصرون على أنهم يعتزمون دائما بالحفاظ على السعر عند مستوى مقبول ومنع انهياره الذي يلوح في الأفق. وفي الأسابيع الأخيرة قامت السعودية بمراقبة سعر برميل النفط ورأت أنه ينخفض بشكل مطرد، ويبدو أن الرياض شعرت بضرورة تدخل مقتضيات الأمن القومي لمنع الانزلاق وعكس مساره بشكل متواضع وبسيط.
كما ظلت السعودية لسنوات عديدة تؤكد أن السعر المناسب للنفط يتراوح بين 80 دولارا و 100 دولار للبرميل، وكانت واشنطن مرتاحة لمثل هذا الترتيب أيضا، خاصة وأن التكسير الهيدروليكي أصبح مربحا في الولايات المتحدة.
وكان الهدف السعودي في (أوبك +) هو الحفاظ على سعر أدنى قدره 80 دولارا للبرميل على أمل استقراره عند 90 دولارا للبرميل، بينما يؤكد المتحدثون السعوديون أن هذا قرار “اقتصادي بحت” لذا فإنه في الواقع يعمل على أعلى مستوى من الإستراتيجية الوطنية الكبرى -على الرغم من أن هذا ليس مفهوما في واشنطن-.
وفي ظل حكم (الملك سلمان بن عبد العزيز ومحمد بن سلمان) قامت السعودية بالانخراط في جهد ملحوظ وغير مسبوق من نواح كثيرة لتغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بسرعة في دولة كبيرة ومكتظة بالسكان من خلال توجيهات من أعلى إلى أسفل، كما يعرف القادة السعوديون أنه لم يتبق لديهم سوى عقود قليلة من عائدات النفط الرئيسية لاستخدام الموارد الهيدروكربونية كأساس للتحول إلى اقتصاد ما بعد الهيدروكربون القابل للحياة، ويعد هذا أمر ملح وخطير ولا يمكن تأجيله.
لذلك بالنسبة للحكومة السعودية- فإنه يتم النظر إلى القضايا المتعلقة بتسعير النفط من منظور أجندة التنمية والتحول الاقتصادي الطموحة للغاية والهشة للغاية. و من الواضح أنهم لم ينظروا إلى اتفاقية (أوبك +) بشكل أساسي بينهم وبين الروس وفي المقام الأول من خلال عدسة الحرب الأوكرانية – على الرغم من أنه كان ينبغي عليهم أن يفهموا كيف سيبدو العالم الغربي وخاصة واشنطن- و لقد رأوا ذلك من خلال عدسة أجندتهم الاقتصادية المحلية العاجلة ولم ينظروا إليها على أنها انحياز لروسيا، ناهيك عن خيانة واشنطن أو إلقاء أوكرانيا في أيدي الذئاب.
ويكاد يكون هذا غير مقدر بالكامل وغير معترف به في واشنطن. ولكن ما لا يبدو أن الكثير من الأمريكيين يفهمونه هو أنهم غاضبون من السعودية لأنها أقدمت على توجيه ضربة كبيرة لجهود الغرب في دعم أوكرانيا، و لا تعتبر أي من وجهتي النظر غير منطقية وكلاهما صحيحة من الناحية الموضوعية. كما تعمل السعودية بالفعل لمصالحها وبطريقة اعتبرت تقليديا مشروعة لأهداف تسعير النفط التي كانت تعتبر أيضا معقولة منذ فترة طويلة، و في الوقت نفسه تساعد الخطوة السعودية في تقوية الاقتصاد الروسي وتقويض حملة العقوبات والعزلة الغربية لموسكو، كما تؤدي الضرورات والأجندات المختلفة إلى ظهور وجهات نظر مختلفة أدت إلى سوء فهم كلا الجانبين وإساءة تفسير نوايا الآخر.