حساب الربح والخسارة في الحملة الأمريكية على السعودية… البيت الأبيض يركب المخاطر للإبقاء على هيمنته العالمية
تشن الإدارة الأمريكية منذ يوم الأربعاء 5 أكتوبر 2022 حملة معادية للرياض وتتوعدها بعواقب مؤلمة وذلك تحت غطاء الإدعاء بأن قرار خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يوميا انطلاقا من شهر نوفمبر، الذي اتخذه تحالف “أوبك بلاس” بقيادة السعودية يشكل دعما روسيا في حربها في أوكرانيا ضد تحالف الناتو.
خطوة التخفيض طبيعية ومنطقية من تجمع الدول 23 المصدرة للبترول، الذي يضم الأعضاء 13 في منظمة الأوبك، وعشر دول أخرى وهو ما يمثل 2 في المائة من حجم الإنتاج اليومي العالمي من النفط، خوفا من تكرار سيناريو جائحة كورونا 2020، حين هوت الأسعار في السوق الدولية إلى ما دون 40 دولارا للبرميل. علاوة على أن القرار يعمل على مواكبة التوجه العالمي للأسعار، إذ لا يعقل أن تعاكس أسعار النفط الارتفاع العالمي المشهود، في أسعار المواد الغذائية والصناعية وحتى الخدمية. بذلك يعلن التكتل انتهاء زمن النفط الرخيص، برفضه مقايضة البترول بسلع يتزايد سعرها باطراد.
يختلف المحللون والسياسيون حول الأبعاد التي ستصلها التهديدات الأمريكية، البعض يقدر أنها ستكون مؤثرة على السعودية وكذلك على بقية دول الأوبك وأنها ستنجح في النهاية في فرض إرادة واشنطن، فيما يرى آخرون أن حملة واشنطن لن تكلل بالنجاح خاصة وأنها عند حساب الربح والخسارة ستكتشف أنها مثل الذي يطلق الرصاص على قدميه. ويضيف هؤلاء أن الرياض تملك بالفعل أدوات فعالة في المواجهة مع واشنطن أولها سندات الخزينة الأمريكية التي تزيد قيمتها على 121 مليار دولار وثانيها تعديل تسعير النفط بعملة أخرى غير الدولار. كما في إمكان الرياض الاستغناء عن الدعم العسكري الأمريكي الموجود على أراضيها بوجود عسكري روسي.
بتاريخ 24 ديسمبر 2021 نشرت في واشنطن تقارير لشبكتين اعلاميتين عن مصادر استخبارية أمريكية حول تطوير السعودية لصواريخ باليستية بمساعدة من الصين. وقيمت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن تعمل الآن بنشاط على تصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة الصين، بحسب ما علمته شبكة “سي ان ان”. وقالت مصادر مطلعة على أحدث المعلومات الإستخباراتية الأمريكية إنه من المعروف أن السعودية اشترت صواريخ باليستية من الصين في الماضي لكنها لم تكن قادرة على بناء صواريخها حتى الآن. كما تشير صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها CNN إلى أن المملكة تقوم حاليا بتصنيع الأسلحة في موقع واحد على الأقل.
وقالت مصادر لشبكة CNN إنه تم إطلاع بعض أعضاء الكونغرس خلال الأشهر القليلة السابقة على معلومات استخباراتية جديدة حول عمليات نقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية بين الصين والمملكة العربية السعودية.
وفي ذلك الحين أي ديسمبر 2021 أضافت المصادر أن إدارة بايدن تستعد لمعاقبة بعض المنظمات المشاركة في عمليات النقل، على الرغم من أن البعض في الكونغرس قلقون من أن البيت الأبيض ليس على استعداد لفرض عقوبات كبيرة على الحكومة السعودية.
يذكر أنه في شهر نوفمبر 2021 وفي نطاق تتبع واشنطن تطور علاقات دول الخليج العربي مع مختلف الدول ووفق تحقيق نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”. ادعى جهاز الاستخبارات الأمريكي أن الصين شرعت في بناء موقع عسكري سرا، في أحد المواني الإماراتية قرب أبو ظبي.
وادعت مصادر مطّلعة إن الاستخبارات الأمريكية رصدت قبل نحو عام نشاطاً صينياً في ميناء خليفة بأبو ظبي، وهو المكان الذي تعمل فيه مجموعة “كوسكو” الصينية للشحن البحري، وفق حديثهم للصحيفة الأمريكية.
ولفتت تلك المصادر إلى أن التقارير لم تؤد إلى معرفة ماهية تلك النشاطات، حتى تمكنت الاستخبارات الأمريكية من التقاط مشاهد عبر الأقمار الصناعية، استنتجت من خلالها بناء موقع عسكري.
الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في ظل إدارتها الحالية مستعدة لركوب مخاطر كبيرة جدا لأنها مقتنعة بأنها تخوض معركة مصيرية على عدة جبهات وضد خصوم متعددين على كل قارات العالم الذين يحاولون الخروج من طوق هيمنتها وتعطيل قدرتها على إلحاق الضرر بخصومها بفضل تحكمها عبر عملتها الدولار والمؤسسات الاقتصادية الدولية والنظام العالمي الأحادي القطب.
واشنطن في معركتها أساسا ضد الصين وروسيا بإعتبارهما أخطر الخصوم تعول على دعم مجموعة من الحلفاء، هؤلاء في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي إضافة إلى استراليا واليابان وكوريا الجنوبية وأطراف أخرى أقل أهمية من حيث الوزن الاقتصادي والعسكري. إلا أن هذه التحالفات ليست بالمتانة التي يتصورها البعض في البيت الأبيض أو البنتاغون حيث أن بعض أطرافها على استعداد للترحيب بخفض حجم الهيمنة الأمريكية لأن هذه الهيمنة لا تسمح لهم سوى بجني ما تتركه لهم واشنطن من منافع اقتصادية وسياسية. المانيا وفرنسا مثلا يدركان منذ عقود أن البيت الأبيض ورغم تبدل الجالسين على عرشه يعمل دائما على إضعاف الاتحاد الأوروبي حتى لا يكون ندا. اليابان ترى أن الولايات المتحدة تحد من نفوذها اقتصاديا وسياسيا في جنوب آسيا وتضع لها خطوطا حمراء وتستخدم طوكيو أساسا كموازن للصين في منطقة المحيط الهادئ.
دول أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها البرازيل والمكسيك تتخلص تدريجيا وبمشقة من الإملاءات الأمريكية وهي سترحب بفقدان واشنطن دورها الريادي والمهيمن.
ضم دول الأوبك وخاصة أعضاء مجلس التعاون الخليجي العرب إلى قائمة الأطراف المتخاصمة أو المتعادية مع واشنطن لن يسهل على الإدارة الأمريكية تسيير معركتها للحفاظ على استمرار ما يسميه البعض بالقرن الأمريكي وهو مشابه لوصف الفترة 1815–1914 بأنها القرن الإمبراطوري البريطاني.
كلما تقدمت الحرب الروسية الأوكرانية في الزمن، كشفت مزيدا من الضغط والضعف والخلل في المعسكر الغربي، حتى باتت واشنطن غير قادرة على إدراك سبب الخلل في النظام الكوني مواصلة رفض الاعتراف بالتيه الاستراتيجي للإدارة الأمريكية، أوقصور دبلوماسيتها عن فهم السياق العالمي القائم.
أسباب اقتصادية
يوم الأحد 16 أكتوبر 2022 أعرب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، عن “استغرابه” من اتهام المملكة بالوقوف مع روسيا في حربها ضد أوكرانيا، بعد قرار خفض إنتاج النفط، وقال في تغريدة على حسابه على تويتر: “على الرغم من أن قرار أوبك، الذي اتخذ بالإجماع، كان لدوافع اقتصادية بحتة، فإن البعض اتهم المملكة بوقوفها إلى جانب روسيا”. وأضاف “إيران كذلك عضو في أوبك، فهل يعني هذا أن المملكة وقفت بجانب إيران أيضا؟”.
من جانبه أكد الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص، من الجزائر، أن قرار تحالف أوبك بلاس خفض حصص إنتاج النفط لا يتضمن “أي رسائل لأحد”.
وأضاف الغيص في مؤتمر صحفي: “نحن لا نوجه رسالة إلى أحد. اتفاقنا مبني على أسس ودراسات وبيانات فنية بحتة ليس فيها رسائل اقتصادية ولا سياسية ولا غيرها”.
وأوضح أن “العالم مقبل على مرحلة ركود اقتصادي، وبالتالي هذا له انعكاس مباشر على الطلب على النفط كما في الصين”، أحد أكبر المستوردين للنفط.
وخفض حصص إنتاج النفط يهدف دعم أسعار النفط الخام التي كانت تتراجع.
وأضاف الغيص، أن القرار “لا يستهدف الوصول إلى سعر معين، فبالعكس شاهدنا أن الأسعار انخفضت بعد اجتماعنا” لأن المنظمة “لا تتحكم في الأسعار وإنما هناك جهات أخرى تتحكم في أسعار كل السلع ومن ضمنها النفط، وهي البورصات كما في لندن ونيويورك”.
وفي رد على إدعاءات أمريكية بأن السعودية وروسيا اجبرتا بقية دول المنظمة على خفض الإنتاج، ذكرت شركة تسويق النفط العراقية “سومو” في بيان، يوم الأحد، إن قرارات “أوبك بلاس” تستند إلى قراءات ومؤشرات اقتصادية وتتخذ بأسلوب مهني موضوعي وبالإجماع.
وأضافت أن “هناك توافقا تاما بين دول أوبك بلاس، بأن أفضل نهج في التعامل مع أوضاع سوق البترول خلال الفترة الراهنة هو النهج الاستباقي الذي يدعم استقرار السوق ويوفر الإرشاد المستقبلي الذي تحتاجه”.
كما رحب الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، يوم الأحد، بقرار أوبك بلاس خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميا. وأكد الشيخ نواف الصباح حرص الكويت على الحفاظ على التوازن في أسواق النفط بما يعود بالنفع على المستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأضاف أن تزايد المخاوف الاقتصادية وتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أديا إلى مزيد من الاضطراب في التوازن بين العرض والطلب في أسواق النفط.
من جهتها، أعربت سلطنة عمان، الأحد، عن أن قرارات أوبك بلس، تبنى على اعتبارات “اقتصادية بحتة” وعلى حقائق العرض والطلب في السوق.
وقالت وزارة الطاقة العمانية، إن قرار خفض إنتاج أوبك بلس، مهم وضروري لطمأنة السوق ودعم استقرارها.
كما نقلت وكالة أنباء البحرين عن وزير النفط، محمد بن مبارك، الأحد، تأكيده أن قرار “أوبك بلاس” بخفض الإنتاج جاء بالتوافق والإجماع بين جميع الدول الأعضاء.
وأضاف الوزير أن الدول الأعضاء حريصة على اتخاذ قرارات تهدف إلى استقرار الأسواق النفطية، وأنه خلال الاجتماعات المقبلة ستتم دراسة أي مستجدات اقتصادية لضمان استقرار الأسواق والإمدادات العالمية والتوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين.
حرب معلنة
في العاصمة الأمريكية استمرت لهجة التهديد بعد أن أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في مقابلة مع “سي أن أن”، أنه سيعمل مع الكونغرس على “إعادة تقييم” العلاقة بين الرياض وواشنطن.
في حين دعا عضو مجلس الشيوخ البارز، بوب ميننديز، إلى تجميد صفقات الأسلحة الأمريكية مع السعودية.
وأصدر السيناتور، ريتشارد بلومنتال، والنائب في الكونغرس، رو خانا، مشروع قانون لوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة بشكل مؤقت.
واقترح كريس مورفي، العضو الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، تحويل شحنة من 280 صاروخا جو-جو موجهة للسعودية إلى أوكرانيا ونقل أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية “باتريوت” في المملكة العربية السعودية إلى أوكرانيا.
يوم الأحد 16 أكتوبر استبعد مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، جيك سوليفان، لقاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مؤكدا أن أي قرار حول تغيير السياسة الأمريكية تجاه السعودية سيخضع لدراسة دقيقة، وفقا لما ذكره لشبكة “سي إن إن”.
وفي مقابلة عبر برنامج “حالة الاتحاد” قال سوليفان إن بايدن “لا يملك خططا” للقاء ولي العهد في قمة مجموعة العشرين، التي تقام، شهر نوفمبر القادم، في إندونيسيا، وفقا لما نقلته “ذا هيل”.
وحول تعليقه عن زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض، في يوليو 2022، قال سوليفان إن بايدن “يركز، في كل الأحوال، في أن يحرص على أن كل انخراط يجري عبر المجلس بالبحث ليس فقط عن مصلحة الولايات المتحدة بل أيضا حلفاءنا”.
وأضاف أن “أحد أهم الأمور التي تمكن من إنجازها في اللقاء الذي عقد في يوليو كان الافتتاح التاريخي للأجواء السعودية أمام الرحلات الجوية التجارية الإسرائيلية، وهي أول خطوة اتخذتها السعودية على طريق التطبيع مع إسرائيل، ونرى أنه كان أمرا إيجابيا له “بايدن” ليقدمه لحليف قويا لدينا”.
وفيما يخص تبعات قرار “أوبك بلاس” بخفض الإنتاج ومطالبات المشرعين الأمريكيين بالحد من مبيعات الأسلحة للرياض، قال سوليفان: “هذه علاقة بنيت على مر عقود بناء على أساس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي”.
وأضاف “وبالتالي، فإن الرئيس لن يتصرف بتعجل، سيتصرف بصورة منهجية وإستراتيجية”، مؤكدا أن بايدن “سيأخذ الوقت اللازم للتشاور مع أعضاء كلا الحزبين، بالإضافة إلى فرصة الجلوس مع الكونغرس لدى عودته حتى يتمكن من لقائهم شخصيا”.
وجاء القرار الأوبك رغم تحذير الرئيس الأمريكي، من أنه ستكون هناك “عواقب” للخطوة التي قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وبالتالي ملء خزائن روسيا من عائداتها النفطية لتمويل حربها في أوكرانيا.
وحذرت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، من أن خفض إنتاج أوبك النفطي سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي.
وأثار قرار أوبك بلاس الذي اتخذ خلال إجازة الكونغرس، مخاوف في واشنطن بشأن احتمال ارتفاع أسعار البنزين قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، والتي يدافع فيها الديمقراطيون عن سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ.
حدود المناورة
جاء في تقرير صدر في العاصمة الأمريكية يوم الأحد 16 أكتوبر: بينما يواجه بايدن دعوات متزايدة من المشرعين الأمريكيين الذين يحثون على اتخاذ رد قوي وإرسال رسالة قوية إلى السعودية، فإن محللين يحذرون من أن سلوك هذا الطريق قد يؤدي إلى تعريض علاقة لا يمكن التخلي عنها، للخطر.
وأرجأت إدارة بايدن اجتماع “مجموعة العمل” لمجلس التعاون الأمريكي الخليجي الذي كان من المقرر عقده في الرياض شهر أكتوبر، وهو تجمع يناقش فيه المسؤولون التعاون العسكري والتهديدات الإقليمية، لا سيما من إيران. و ينظر إلى هذه الخطوة على أنها رمزية إلى حد كبير.
واعتبر خبير الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، إميل حكيم، أن واشنطن يمكن أن تظهر استياءها من خلال تأخير مبيعات الأسلحة أو الإمدادات، وخفض التمثيل الرسمي في الإعدادات الأمنية، بحسب ما نقلت عنه “فاينانشال تايمز”.
لكن الحكيم يؤكد، أنه “في النهاية لا يمكن للولايات المتحدة أن تقطع التعاون مع السعودية في مجال مكافحة الإرهاب، ولا يمكنها أن تشيح بنظرها عن إيران”.
ويرى مدير برنامج الصواريخ في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، توم كاراكو، أن “هناك مصلحة قوية ومشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية في ردع التهديدات الإيرانية”.
كما اعترف المسؤولون في الولايات المتحدة، بأن التواجد الأمريكي في السعودية يحمي أصول البنتاغون في المنطقة، وأشاروا إلى أنهم يتوقعون استمرار التعاون العسكري.
والسعودية هي واحدة من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية، وبلغ الإنفاق العسكري المقدر للرياض بحوالي 55.6 مليار دولار في عام 2021.
وشكلت السعودية ما يقرب من ربع المبيعات العسكرية الأمريكية خلال 2017 إلى 2021، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
لكن منذ أن تولى بايدن منصبه، كانت الشراكة الأمنية إحدى نقاط الاحتكاك الرئيسية في العلاقة. إذ غضبت الرياض عندما أوقف بايدن مبيعات الأسلحة الهجومية، وانتقد أيضا مقتل الصحفي، جمال خاشقجي.
كانت هناك مؤشرات على تخفيف مؤقت للتوترات هذا العام حيث كرر كبار المسؤولين في الإدارة التزام واشنطن طويل الأمد بالدفاع عن السعودية وبدؤوا في تقدير أن الرياض كانت جادة بشأن إنهاء حربها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
وفي يوليو، سافر بايدن إلى السعودية وأجرى محادثات مع ولي العهد، “لكن رهان الرياض بخفض إنتاج النفط سيدمر على الأقل أي فرصة في أن تعمق واشنطن العلاقة الأمنية”، بحسب فاينانشال تايمز.
في غضون ذلك، انخفض سعر النفط الخام، بعد ارتفاعه بعد إعلان أوبك، في الأيام الأخيرة. ويقول بعض محللي الطاقة إن العديد من دول أوبك كانت تنتج أقل من حصصها قبل إعلان خفض الإنتاج، لذلك قد يكون التأثير أقل مما كان متوقعا في البداية.
يؤكد كاراكو، لـ”فاينانشيال تايمز”، أن “الجميع غاضبون قليلا من بعضهم البعض في الوقت الحالي، لكنهم إلى حد ما يحتاجون إلى بعضهم البعض وهناك القليل من المناورة من قبل بايدن يمكنه فعله”.
وأوضح: “لا أعتقد أن هذه ستكون نهاية العلاقة، لكن علينا العمل خلالها”.
سيف ذو حدين
فكرة أخرى حظيت باهتمام متجدد في الأسابيع الأخيرة من طرف الساسة الأمريكيين الذين يرغبون في تسيير شؤون العالم على الأسس الأمريكية، وهي مشروع قانون من الحزبين انتعش في الكونغرس لسنوات أطلق عليه اسم “نوبك”.
أقرت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، يوم الخميس 6 أكتوبر 2022، مشروع قانون من شأنه أن يعرض الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول وشركاءها للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، وذلك لتنسيقها خفضا في الإمدادات بما يرفع أسعار النفط العالمية.
ويهدف مشروع قانون “لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط” المعروف اختصارا باسم “نوبك” إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتعمدة في أسعار البنزين وزيت التدفئة، لكن بعض المحللين يحذرون من أن تطبيقه قد يكون له بعض التداعيات الخطيرة غير المقصودة.
وفيما يلي بعض التفاصيل عن مشروع القانون:
ما هو مشروع قانون نوبك؟
مشروع قانون نوبك، المقدم من الحزبين الرئيسيين، سيدخل تعديلات على قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي، لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي أوبك وشركات النفط الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية.
وإذا أصبح نوبك قانونا ساريا، سيكون بمقدور المدعي العام الأمريكي مقاضاة أوبك أو أعضائها -مثل السعودية- أمام محكمة اتحادية.
كما سيمكنه كذلك مقاضاة منتجين آخرين متحالفين مع أوبك -مثل روسيا- يعملون مع المنظمة على خفض الإمدادات ضمن ما يعرف باسم مجموعة أوبك+.
ولم يتضح كيف يمكن لمحكمة اتحادية تنفيذ أحكام قضائية لمكافحة الاحتكار على دولة أجنبية.
لكن العديد من المحاولات لسن قانون نوبك على مدى أكثر من 20 عاما أثارت قلق السعودية، الزعيم الفعلي لأوبك، مما دفعها لممارسة ضغوط قوية في كل مرة تطرح فيها نسخة عن هذا القانون، بحسب ما تقول وكالة رويترز.
وبعد أن أقرت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ أحدث نسخة من مشروع القانون، الخميس، بتأييد 17 عضوا مقابل رفض أربعة، يتعين إقراره من قبل مجلسي الشيوخ والنواب، ثم يوقعه الرئيس جو بايدن ليصبح قانونا ساريا.
ولم يوضح البيت الأبيض ما إذا كان بايدن يؤيد مشروع القانون، ولم يتضح ما إذا كان يحظى بتأييد كاف في الكونغرس للوصول إلى هذه المرحلة.
ما الذي تغير الآن؟
فشلت النسخ السابقة عن مشروع قانون نوبك بسبب مقاومة مجموعات داخل قطاع الطاقة في الولايات المتحدة مثل معهد البترول الأمريكي.
لكن الغضب تنامى في الفترة الأخيرة داخل الكونغرس من ارتفاع أسعار البنزين الذي أسهم في وصول التضخم إلى أعلى مستوياته في عقود، مما يزيد من فرص نجاح سن القانون هذه المرة.
هناك سلاح أمريكي آخر ممكن ضد الرياض، وهو قانون “جاستا” وقد هددت السعودية ببيع الأرصدة التي تملكها في الولايات المتحدة بعد إقرار الكونغرس الأمريكي عام 2016 قانون “العدالة ضد رعاة الارهاب” والمعروف باسم جاستا والذي يتيح لذوي وأقارب هجمات 11 سبتمبر2001 مقاضاة الحكومة السعودية أمام المحاكم الأمريكية.
انتكاسة محتملة
ذكر بعض المحللين إن الإسراع بسن القانون قد يؤدي إلى انتكاسة غير مقصودة تشمل إمكانية أن تتخذ دول أخرى خطوات مماثلة ضد الولايات المتحدة لخفضها إمدادات منتجات زراعية لدعم الزراعة المحلية على سبيل المثال.
وقال مارك فينلي، الزميل بمعهد “بيكر” بجامعة “رايس”، المختص بشؤون الطاقة والنفط العالمية، والمحلل والمدير السابق بوكالة المخابرات المركزية: “إنها لخطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حالة غضب”.
وقد ترد دول أوبك بأشكال أخرى.
ففي 2019، على سبيل المثال، هددت السعودية ببيع نفطها بعملات غير الدولار إذا ما أقرت واشنطن نسخة سابقة عن مشروع قانون نوبك.
ومن شأن ذلك تقويض وضع الدولار كعملة احتياط رئيسية في العالم، مما يخفض من نفوذ واشنطن على التجارة العالمية ويضعف من قدرتها على فرض عقوبات على دول أخرى.
وقد تقرر الرياض كذلك شراء، ولو بعض أسلحتها من دول غير الولايات المتحدة، مما يضر بتجارة رائجة لشركات السلاح الأمريكية.
وبالإضافة إلى ذلك يمكن للسعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط أن تقلص الاستثمارات الأمريكية فيها أو حتى ترفع أسعار بيع النفط للولايات المتحدة مما يقوض الهدف الأساسي لسن القانون.
وصرح بول سوليفان، محلل شؤون الشرق الأوسط، والزميل غير المقيم بمركز الطاقة العالمي في المجلس الأطلسي، إن الولايات المتحدة وحلفاءها يواجهون بالفعل تحديات كبرى في تأمين إمدادات من الطاقة يعول عليها. وأضاف “آخر ما نحتاج لفعله هو إلقاء قنبلة على هذا”.
معهد البترول الأمريكي، وهو أكبر تكتل في قطاع صناعة النفط في الولايات المتحدة، أبدى اعتراضه على مشروع قانون نوبك، قائلا إنه قد يضر بمنتجي النفط والغاز في الداخل.
ومن مخاوف القطاع أن يؤدي مشروع قانون نوبك في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج أوبك عن حاجة السوق مما قد يخفض الأسعار بدرجة تجد معها شركات الطاقة الأمريكية صعوبة في تعزيز الإنتاج.
ولدى السعودية ودول أخرى من أعضاء أوبك بعض من أرخص الاحتياطيات النفطية تكلفة وأسهلها في الاستخراج.
مجموعة “كلير فيو إنرجي بارتنرز” البحثية ذكرت في مذكرة، إن أي ضخ إضافي للنفط من منتجي أوبك، حتى في وقت تهيمن عليه المخاوف من نقص إمدادات روسيا، “قد يجمد أنشطة الحفر في الولايات المتحدة مما قد يعرض للخطر أمن الطاقة المحلي وكذلك انتعاش الاقتصاد الأمريكي المحلي”.
الصين والمخاوف الأمريكية
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية يوم 15 أكتوبر تحت عنوان هل تركب الصين موجة التوتر الأمريكي السعودي؟.
تقرير وكالة بلومبرغ قال إن العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والسعودية لم تكن دائما على ما يرام، وإنها صمدت أمام عدة عقبات منذ أكثر من قرن، بينما المتغير الوحيد هو محاولة الصين القفز عليه لتحقيق هيمنتها الاقتصادية التي تسعى لها.
وذكر تقرير الوكالة، بالحظر النفطي الذي قادته الرياض في سبعينيات القرن الماضي ووصفه بـ”المثال البارز” على أن الخلاف بين واشنطن والرياض لم يكن عائقا دائما لبقاء العلاقة الاقتصادية متينة بينهما.
يُشير التقرير إلى أن “هناك أساسا قويا للتعاون بين أكبر مستهلك للطاقة في العالم والسعودية ذات الاحتياطيات العملاقة من النفط”.
بوادر الأزمة الأخيرة تعود لوقت سابق، وفق التقرير، إذ بدأت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد تقويض النفوذ السعودي على سوق النفط العالمي من خلال تكثيف الاستثمار في الغاز النظيف واحتياطيات الغاز الصخري، حيث تبنت الولايات المتحدة تحولا لم يسبق له مثيل نحو الطاقات النظيفة.
“وقد أدى هذا إلى تقويض الأساس الأصلي للعلاقة الاقتصادية بين البلدين” وفق التقرير.
يضاف إلى هذه الأزمة “القديمة الجديدة” آخر محاولة للرياض لخفض كبير في إنتاج النفط ضمن اتفاق “أوبك+”، وهي الخطوة التي أثارت خلافا دبلوماسيا كبيرا مع البيت الأبيض.
مع اتساع الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية، عمدت الصين إلى تعميق علاقاتها ليس فقط مع السعوديين، ولكن مع الاقتصاديات في جميع أنحاء منطقة الخليج العربي، ما يزيد من احتمالية إعادة تقييم جيو استراتيجي كبير.
بينما يتحدث الرئيس جو بايدن عن “معركة بين الحكم المطلق والديمقراطية” وملفات من قبيل احترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير، فإن الصين ليس لديها أي أجندة من شأنها أن تزعج السعودية.
وبينما تقوم باستثمارات هائلة في الطاقة المتجددة، فإن بكين ليست جزءا من أي حملة ضد الوقود الأحفوري، مع استمرار الصين نفسها في تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في جميع أنحاء العالم النامي.
أصبحت الصين، الشريك التجاري الأكبر للعربية السعودية، ومصدر أساسي لزيادة الاستثمار في المملكة، وهو ما تحتاجه الرياض لتحقيق مشروع ولي العهد، محمد بن سلمان، المتعلق بـ”رؤية 2030″.
ومشروع محمد بن سلمان وفق بلومبرغ “يتناسب تماما مع مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ”.
وقد دعمت الصين مشروعات كبيرة مثل خط سكة حديد فائق السرعة بين جدة والمدينة ومجمع رأس الخير البحري.
وبلغت التجارة الثنائية أكثر من 65 مليار دولار اعتبارا من عام 2020، مقارنة بأقل من 20 مليار دولار للتدفقات الأمريكية، وفقا للبيانات التي جمعها معهد مركاتور الألماني للدراسات الصينية.
يقول جوناثان بانيكوف، المدير في المجلس الأطلسي الذي خدم سابقا في مكتب الولايات المتحدة للاستخبارات الوطنية، إن محمد بن سلمان “أظهر تفضيله للانخراط العالمي القائم على المعاملات، على غرار الطريقة التي تنخرط بها كل من الصين وروسيا بشكل عام في العالم”.
وتابع “المشكلة هي أن هذه ليست هي الطريقة التي تدير بها واشنطن علاقاتها الخارجية”.
في عام 2021، منحت الرياض صفة مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مجموعة أمنية دولية بقيادة الصين تركز في الأصل على آسيا الوسطى ولكنها تتوسع الآن نحو الشرق الأوسط.
وتولي الصين أهمية كبيرة، إذ كانت أول رحلة قام بها شي خارج الصين منذ وباء كورونا حضوره قمة منظمة شنغهاي للتعاون شهر سبتمبر 2022.
وتتزايد التكهنات بأنه قد يزور السعودية هذا العام أو عام 2023، خصوصا بعد تلقيه دعوة رسمية من الرياض في مارس الماضي.
واستثمرت الصين أيضا في سلسلة من الموانئ على طول الطرق البحرية بينها وبين الشرق الأوسط لتأمين التجارة مع المنطقة، فضلا عن الروابط البرية عبر باكستان.
في الصدد، كتب ناصر التميمي، وهو خبير اقتصادي سياسي في معهد مركاتور “تنظر النخب السياسية والتجارية السعودية بشكل متزايد إلى الصين كقوة عظمى في طور التكوين وتتوقع أن تظل الوجهة الأولى لصادراتها من الطاقة في المستقبل، مما يجعل من الضروري تنمية العلاقات الإستراتيجية مع القوة الصاعدة”.
يذكر أنه قبل الخلاف الحالي بين إدارة بايدن والرياض، كانت التكهنات تقول بأن السعودية كانت تسعى إلى تحقيق توازن بين بكين وواشنطن.
إعادة تشكيل النظام العالمي
لفتت دراسة الإستراتيجية العسكرية الأمريكية الجديدة إلى أن الصين وروسيا “متحالفتان بشكل متزايد” مضيفة أن الصين تملك بشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لإعادة تشكيل النظام العالمي.
صنفت إدارة بايدن الصين في طليعة البلدان المنافسة للولايات المتحدة، في حين أبقت على روسيا بوصفها خطراً يجب احتواؤه.
ونقلت وكالة “بلومبيرغ” عن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، قوله إن الولايات المتحدة في “السنوات الأولى من عقد حاسم”، وستحدد فيه “شروط منافستنا مع جمهورية الصين الشعبية”. وأضاف سوليفان في مناسبة استضافتها جامعة جورجتاون بعد صدور تقرير الإستراتيجية التي طال انتظاره “تعزز صلابة جمهورية الصين الشعبية في الداخل والخارج رؤية غير ليبرالية في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والتكنولوجية – في منافسة مع الغرب”.
ودفع تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا إلى إعادة كتابة واسعة للوثيقة التي كلف بوضعها الكونغرس، وتوفر نافذة إلى تفكير البيت الأبيض في شأن السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي. وتصف الوثيقة العامة الجديدة المؤلفة من 48 صفحة الصين وروسيا بأنهما “متوافقتان في شكل متزايد” مع بعضهما بعضاً، لكنها تؤكد أن البلدين يشكلان تحديات مختلفة.
ولفتت “بلومبيرغ” إلى أن الوثيقة تصف الصين بأنها المنافس الوحيد للولايات المتحدة “من خلال امتلاكها النية بإعادة تشكيل النظام الدولي، وأيضا على نحو متزايد، القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك”. وتصف التحدي المتمثل في التعامل مع روسيا بأنه تحد يتمثل في “تقييد قوة لا تزال خطرة للغاية”.
وبحلول عام 2030، وفق ما نقلت الوكالة عن الوثيقة، ستحتاج الولايات المتحدة للمرة الأولى إلى ردع قوتين نوويتين رئيستين، في إشارة إلى البلدين.
وأشارت الوثيقة أيضا إلى التضخم، وهو أكبر مسؤولية سياسية يواجهها الديمقراطيون، بوصفه تهديدا من بين التهديدات الماثلة أمام الأمن العالمي، وذلك قبل أقل من شهر من انتخابات منتصف الولاية الرئاسية التي ستحدد ما إذا كان حزب الرئيس بايدن سيحتفظ بالسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ. وتدرج الوثيقة التضخم كواحدة من المسائل العابرة للحدود “التي يعاني الناس في أنحاء العالم كلها من أجل التعامل معها”. والتضخم المرتفع في شكل عنيد يشكل عبئاً على آفاق الديمقراطيين في الانتخابات.