[بقلم د. محمد حاج بكري]
لازالت السفينه السورية تتقاذفها الأمواج العاتية وركاب السفينه السوريون لازالوا يتأملون .. بل ويعتقدون بان الفرج آت ، ولكنهم يكتشفون دائما بأن الفرج بعيد ، وان القادم سيكون أشد قسوة من الذي فات. وما يثير الإنتباه ان هذه السفينه تزداد فيها الثقوب وتتمزق اشرعتها يوما بعد يوم ولايعلم ركابها ماينتظرهم من تائهه .
مسار السفينه قاسي وصعب ، ويتطلع كل من على متنها الي يوم جديد مشرق متفائلين بعام افضل مما سبقه وهذا مايجعل السفينه تسير بالتفائل والأمل والصبر ، تظهر السفينه بحلة تعطي للناظر الترتيب والتنظيم بل وتظهر للعيان بأنها تمشي بأمان ، والعكس الصحيح ، فمقاعدها تتاوارثها وتتصارع عليها فئة تتبوأ مقاعد السفينة ، وكل مايجمع عناصر هذه السفينة هو (حكواتىة ) تكرر القول والوعود ويبشرون بأن الشاطىء اصبح قريب جدا ، وان السفينة سترسو قريبا على بر الأمان فتزداد فرصة الحكواتية اكثر، وهم الوحيدون الذي يتملقون ويكذبون ، يتزلفون الحكاوي والقصص لإقناع المحيطين بهم والمستمعين لهم لكي يبعدوهم عن التفكير والانتظار المٌمِل، ولايعلم هؤلاء الحكواتية بأنهم يحتكرون الحديث ولايسمح للركاب بالمساهمة في كل ما من شأنه إيصال السفينة الى بر الأمان.
سفينه بلا قبطان يرأسها حكواتية يعيدون ويكررون الكلام ، يجعل احوال تلك السفينه غريبه وركابها اغرب ، كل واحد منهم يحاول اللوم على الاخر ، والثقوب فيها تكثر والفجوات تزداد ، لا احد يلوم نفسه ولا احد يتوقف عن خرق تلك السفينه ، بعضهم مشغول بالصراخ بلغته التي يراها للنجدة والاستغاثة ، والبعض الآخر يريد تسيير السفينه حسب مزاجه ، واخرين يدعون للفتنه والتشكيك في سير السفينة الصحيح ، وهلم جرا .
بدأ الكثيرون يشعرون باليأس والملل ، واخرون بدأوا في التراجع والانيهار بل والإنصياع الى من هو اقوى على سطح السفينه ، مالم يكن لهذه السفينة قبطان يخرج منها عقلاء راشدون مترفعين عن السلطه والمصلحه الشخصيه لانقاذ مايمكن انقاذه وإيصال السفينه الى بر الامان ، فإنهم غارقين منتهين لامحاله ، وسيكون مصير كل من عليها الغرق او افتراس سمك القرش لركابها.
من يعرف خفايا البحر يدرك جيدا ما ينتظره ، ومن يفهم ويستوعب الوضع بعناية ، يعلم جيدا ان السفينة ستصل الى بر الامان ، فإذا سار كل شيء بانتظام وتوازن سيصلوا الي حل ونتيجة مثمرة ، أما الإنفراد بكل شئ يكون نتائجه غير محمودة،
كل واحد يريد أن يبحر بسفينته لوحده ، ومن المحال أن يواصلوا إبحارهم نحو المرسى اذا لم يتنازلوا لبعضهم البعض ، فلابد أن يضعوا مصلحة الجميع فوق كل شيء ، ويجعلوا إرادتهم فوق كل المسميات ، بعكس مانراه ، ومايجري في صميم أزمة هذه السفينة، منهم المعارض والمناصر ، ومنهم الراضي والغاضب ، منهم المنبطح والساذج ،ومنهم المستاء من طول الإتظار، فليس أمامهم سوى الفرار باحثين عن الأمان والاطمئنان حتى وان كلفهم الأمر الركوب في سفينه بلا ربان فارين بجلودهم من موت محكوم الى حياة مجهوله .
هكذا حالنا نحن السوريين شعب فقد الأمان والاستقرار ، فقد العدل والحرية ، فقد الرأي والديمقراطية ، شعب يعتقد أن ما فقده في داخل وطنه سيجده في أرض اللجوء ، فالجميع يتصارع ويسير في طريق مجهوله ، يتصارعون على من يُسير مركبه الأمان ، ولايعلمون ان صراعهم هذا سينزف حتى يجف النزف، ورغم هذا يرى ركاب مايسمونها بسفينه النجاة بأن مصيرهم هنا أفضل بكثير مما يعانيه شعبنا من الحكم الكهنوتي المتسلط والحياة البائسة القاسية ، عنوانها الجهل والفقر والمرض ومضمونها الاستبداد والتفرقة الجماعية ، حياة عانا شعبها الأمرين ، ولازال يعانيها .
نستيقظ في صباح كل يوم على متن هذه السفينه لنجد انفسنا محاصرين ، لاندري اي مستجدات أو احداث قد تحصل ننام ونحن على يقين بأن غدا سيكون افضل من اليوم الذي مضى ونحلم بعمق عسى ان نصحى على يوم اجمل قد يخبرنا به الحكواتية على متن السفينه ، يقنعونا بعد ان نستيقظ على رؤية شاطىء افتقدناه منذ زمن .
تمضى الليالي تلوى الاخرى وكل يوم يتجدد الحلم بل ويكبر ويزداد شوقا عسى نصل الى شاطىء الأمان ، شاطىء جميل تربطنا به تاريخ واهل وحضاره وزمن .
ألم يحن الوقت ان نجد ربان يقود سفينتنا الى شط الأمان أو الي طريق افضل؟ ألم يحن الوقت ان نعمل سويا برأي واحد وفكر واحد ، ولملمه جروحنا والتخفيف من آهاتنا ؟ أم اننا سنبقى على هذا الحال والحكواتية يحتكرون الكلام والقول ويصفق لهم أمثالهم ؟ بينما أمواج البحر تضرب اطراف السفينة ويجرفها التيار الي مالا نهاية ، قد يكتب الله لها النجاة ، أو انها ستصبح ماض يؤرخ بأن هذه السفينة كانت بلا ربان .. واصبح شعبها في عالم النسيان.
هل وصلت الرسالة دكتور رياض.
إقرأ أيضاً: في أصل المشكلة السورية