[بقلم الدكتور محمود الحمزة]
لولا تدخل موسكو العسكري في 2015 لسقطت دمشق قالها الوزير لافروف وقبله قالها حسن نصر الله والمسؤولون الإيرانيون. وكل منهم يحاول تثبيت انتصاره في الحرب الظالمة ضد الشعب السوري دعما لنظام استبدادي اجرامي فاسد.
بالفعل استطاعت موسكو ان تغير معادلة الصراع بين النظام ومعارضيه عسكرياً، بان استعادت مناطق واسعة لسيطرة الأسد. وقال لافروف العام الماضي ان الوضع في سورية هادئ ومستقر ويقصد ان العمليات العسكرية توقفت ولا مبرر لعدم تقديم التمويل لإعادة اعمار سورية!
تحالفت موسكو مع نظام الملالي والميليشيات الطائفية لإبقاء نظام الأسد ونجحت شكليا في ذلك. لكن توقف القتال في مناطق ادلب، وليس القصف الجوي الروسي الأخير للمشافي والمدنيين، فتح الأبواب على مصراعيها أمام منافسة شرسة مع إيران، وعلى قتال مع خلايا داعش النائمة. والمنافسة مع إيران قصة لوحدها ويرتبط بها الصراع غير الظاهر تماما بين موسكو والنظام الاسدي.
وقد شهدنا حالات كثيرة حول التنافس الروسي الإيراني على مدى سنوات في المجالات الاقتصادية والجيوسياسية والعسكرية والأمنية. وكلما تحدثنا مع الروس يقولون ان ايران مسيطرة على الوضع السوري وان الأسد يميل الى ايران وبالتالي لا ثقة به كحليف ولا كصديق قدمت له موسكو خدمات هائلة.
ولكن السؤال لماذا لا تتخلى موسكو عن الأسد وتختار بديلا يضمن مصالحها، ويحظى بموافقة السوريين والقوى المؤثرة في المشهد السوري وخاصة الولايات المتحدة.
اعتقد ان الوقت يمضي ليس لصالح موسكو، علما ان النظام وطهران يريدان إطالة الوقت والتهرب من استحقاقات الحل السياسي فهم لا يؤمنون الا بالحل الأمني العسكري. وهذا لا يناسب موسكو كونها دخلت سوريا لأهداف خاصة بها وتريد جني ثمار تدخلها ودعمها اللامحدود لنظام الأسد.
ولكن الواقع يقول ان موسكو تخشى من التغيير في سوريا، الذي قد يؤدي الى خروجها من “المولد بلا حمص” كما يقول المثل. ويبدو ان الامريكان يلعبون على هذا الوتر بالذات وهم غير مستعجلين على الحل من بداية الثورة وحتى اليوم. فهم من جهة يزيدون العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا وبسبب اعتقال المعارض الروسي نافالني والناشطين الآخرين، ووصل الامر الى درجة وصف بايدن لبوتين بأنه قاتل وهذه حادثة تستحق التوقف عندها فلها دلالاتها الكبيرة في العلاقات الدولية. وبالطبع يتزامن كل ذلك بتوتر وتصعيد غير مسبوق في العلاقات الروسية الأوروبية.
لقد كتب محلل روسي منذ سنوات بأن الولايات المتحدة نجحت في جر روسيا الى المستنقع السوري. ونحن نضيف “دخول الحمام ليس كالخروج منه” على قول المثل الشعبي. فلو فكرت موسكو بالانسحاب من سوريا فهذا يعني سقوط النظام في موسكو كما حصل بعد التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان 1979-1989، حيث تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. ولكن موسكو تقف اليوم في سورية امام جدار أصم لا تعرف كيف تخترقه.
مازال الموقف الروسي الرسمي يراوغ ويحاول اللعب على الوقت من جهة ليضغط على النظام ليتجاوب مع عمل اللجنة الدستورية لأنها ورقة ذكية اخترعتها موسكو وتلهي بها كل الأطراف الا النظام فهو لا يكترث لها. ولكنها تبحث عن مخرج ولكن ببطء شديد وقد يفوتها القطار.
يرى بعض الخبراء الروس أن نظام الأسد هو “الأكثر وحشية” في الشرق الأوسط، وأنه لا يقبل الحلول السياسية، ويضيف آخرون بأن نظام الأسد ليس حليفا ولا صديقا لموسكو. ويرى غيرهم أن النظام غير قادر على إدارة البلاد نتيجة ضعف القيادة وتفشي الفساد، بالإضافة الى الصراعات داخل النخبة الاسدية الحاكمة وتذمر السوريين معارضة وموالاة وشرائح رمادية من غلاء المعيشة المرعب.
إذا كيف يمكن الرهان على الأسد في المستقبل؟
سؤال برسم القيادة الروسية التي أرسلت احدث طائراتها وعتادها العسكري مع مرتزقتها وخبرائها لكي يدافعون عن الأسد، علما انهم قالوا انهم ذهبوا لمحاربة الإرهاب والوقائع تثبت انه لا أمريكا ولا روسيا قضوا على الإرهاب في سوريا، بل ان داعش دخلت الى سورية بقرار استخباراتي دولي وخرجت بسرعة بنفس طريقة ظهورها، وقد ساعدها في الخروج قوات سورية الديمقراطية (قسد) والنظام وايران والتحالف الدولي وحتى الروس لم يقصفوا قوافل داعش عندما خرجت من تدمر متجهة الى دير الزور بطريق صحراوي طويل، عداك عن اتفاقات حزب الله والنظام مع داعش في انسحاب مقاتليها من منطقة عرسال الى شرقي الفرات، وليس أخيرا شراء النظام النفط والقمح من داعش عن طريق رجال أعمال تابعين لماهر الأسد وعصابة النظام.
واليوم أصبح واضحا للعالم تورط الكثيرين في إراقة الدم السوري واولهم نظام الطاغية في دمشق والميليشيات الطائفية التابعة لإيران وجبهة النصرة وداعش وقسد وبعض الفصائل المسلحة التي تعتبر نفسها معارضة، بالإضافة الى قوى دولية قتلت المدنيين الأبرياء.
ولكن لماذا تتأخر موسكو باقتراح حل سياسي مقبول للخروج من الازمة في سوريا. هل هي عاجزة عن صياغة الحل ام هي غير قادرة على قيادة عملية سياسية، أم انها لا تمتلك الاستراتيجية السياسية في سورية؟
اعتقد ان بيت القصيد يكمن في تخوف موسكو من أي بديل مهما كان شكله بالإضافة الى ان موسكو ليست صاحبة الحل والربط في الحل السوري، بل هناك إدارة بايدن ، التي لم تقل كلمتها كاملة صريحة حتى اليوم.
والرؤساء الأمريكان سواء الديمقراطيين منهم ام الجمهوريين كلهم يعملون وفق استراتيجية واحدة تختلف بعض تفاصيلها ولكنهم يلعبون أدوارا معينة في فترات معينة والنتيجة هي تطبيق خطة متكاملة حول سورية. ولا نشهد تغييرا حقيقيا تجاه سوريا في السياسية الامريكية على مدى 10 سنوات. فهم ينتظرون ويراقبون ولا يبحثون عن حل بل يديرون الأزمة وبالطبع من ورائهم إسرائيل الحاضر الغائب.
وتحاول موسكو الضغط على بعض الدول العربية لتغير موقفها من النظام السوري بحجة اعادتها للحضن العربي، ولكن النظام أصلا واقع في الحضن الإيراني! أو تدعو لرفع العقوبات عن النظام باعتبارها تضر بالمواطنين السوريين، علما ان كل مصائب الشعب السوري وخاصة الاقتصادية والمعيشية منها، ناتجة عن سياسة النظام القائمة على الفساد والنهب ونظام المافيات منذ عقود.
وبتقديري ستدفع موسكو ثمن مواقفها الظالمة في دعم نظام عصابة الأسد، التي اثبت العالم بالدليل القاطع ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا وبدل تقديمه لمحاكم دولية يقومون بتلميع صورته!
ثم أن موسكو في الحقيقة تضع نظام الأسد المافيوي الفاسد في كفة وكل الشعب السوري في كفة أخرى، وهي ترجح كفة النظام. فإلى متى يستمر هذا الموقف؟ حتى ان مصالح موسكو وضمانها في سوريا مرتبط بشكل وثيق برحيل الأسد لأن بقاءه يعني عدم الاستقرار وهو قنبلة موقوتة من التوتر والاحتقان الشعبي.
الشعب السوري وفي الذكرى العاشرة للثورة خرج الى الشوارع والساحات في جنوب سوريا وغربها وشمالها وفي بلدان العالم، وأعلن انه مازال مصر على رحيل الأسد، وأن سوريا هي للسوريين، وان سورية بدها حرية.
إقرأ أيضاً: مخاطر التغيير الديموغرافي في سورية
[…] متى ستحترم موسكو إرادة الشعب السوري ومطالبته بالحرية&h… […]