ليس خافيا على أحد الورطة الهائلة التي وجد بوتين نفسه فيها وهو في الشهر العاشر من حربه على أوكرانيا…
وليس أدل على ذلك من قرارين اتخذهما في الآونة الأخيرة وهما قرار التعبئة واستدعاء قوات من الاحتياط…وقرار ضم اربع مقاطعات أوكرانيا الى الإتحاد الروسي بعد استفتاءات هزلية
فقرار التعبئة يعكس مدى المصاعب والاخفاقات التي يواجهها الجيش الروسي مؤخرا حيث فشلت قوات الصف الاول المحترفة والمفترض انها مدربة تدريبا جيدا..فماذا ستقدم قوات الاحتياط من إضافة ميدانية مهمة ..وقد تمكنّا من رؤية بعض ردود أفعال الشباب الروس على ذلك القرار ..بالاحتجاج عليه بشوارع المدن الروسية او طوابير السيارات المغادرة للاراضي الروسية والهارب ركابها من التعبئة العسكرية إضافة الى حجز كل تذاكر الطيران الممكنة إلى الدول المجاورة والتي تمنح دخول السكان الروس بدون تاشيرات دخول
لقد فقد الجيش الروسي بعد هزائمه الاخيرة في خاركيف وليمان وخيرسون زمام المبادرة وبات الانسحاب العشوائي وترك الاسلحة والعتاد لاهم الخطوط الدفاعية التي بنتها موسكو مؤخرا هي المشهد الغالب..وبالتالي لن يمكّن الجيش الاوكراني من بناء دفاع خطوط قوية ثانية ويستغل حالة الارتباك القائمة الان في مسرح العمليات….
حتى إن النصر الوهمي الذي حاول الرئيس الروسي تقديمه للداخل والحلفاء بالخارج بضم اراض دولة مجاورة كان باهتا وغير مقنعا ..
ولم يردع ذلك الجيش الاوكراني من دحر القوات الروسية من مدينة ليمان وهي من الاراضي التي ضمتها روسيا مؤخرا…بمعنى لم يعترف الجيش الاوكراني بذلك الضم ولم يعتبرها اراض روسية وسيستمر بمهاجمتها..
يبدو ان الرئيس الروسي وجيشه لم يعد يتمتع باي درجة من درجات الهيبة وباتت تهديداته لاتخيف احدا ولاتصرف في سوق الصراع
وكان للرئيس الروسي وبعض المسؤولين الكبار في الدولة الروسية قد هددوا مرارا وتكرارا باستخدام السلاح النووي في الحرب الدائرة حاليا ..واظن ان القيادات السياسية للدول الغربية تدرك ان تلك التهديدات ليست حقيقية بمعنى عدم القدرة على تنفيذها عمليا على الارض وإنما المقصود منها طمأنة الداخل الروسي ورفع حالته المعنوية وموجهة للجمهور في الديمقراطيات الغربية لتخويفه والضغط على حكوماته لتخفيف دعمها لاوكرانيا والبحث عن حل سياسي
وقد كان رهان بوتين منذ البداية إحداث الشرخ بين الدول الاوربية نفسها وببنها جميعا وبين الولايات المتحدة..و التاثير ايضا على الراي العام الغربي بتخويفه من قطع امدادات الطاقة وارتفاع معدلات التضخم والغلاء واكتساح اليمين المتطرف للانتخابات العامة فبعد فشل اليمين الفرنسي بالانتخابات الرئاسية تقدّم اليمين السويدي والايطالي في الانتخابات العامة
التورط الروسي في اوكرانيا يشابه التورط الأمريكي في فيتنام والسوفيبتي في أفغانستان
تورّطت الولايات المتحدة في الحرب الأهلية الفيتنامية وتدخلت بكامل قوتها الى جانب الفيتناميون الجنوبيون في محاولة منع قوات الشمال الفيتنامي الشيوعي من السيطرة على البلاد وفرض سلطة الحزب الشيوعي…
وقد كانت الولايات المتحدة خارجة لتوّها من نصر كبير في الحرب العالمية الثانية واستخدت فيها قنابل نووية القيت على هيروشيما وناغازاكي ..وكانت المقاومة الشمالية الفيتنامية تلقى دعما كبيرا من عدوتي الولايات المتحدة في الحرب الباردة الدائرة رحاها في ذلك الوقت وهما الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية …وصحيح ان القوات الامريكية قتلت 500 الف فيتنامي شمالي لكنها بالمقابل خسرت 58 الف جندي امريكي وتعرضت لهزيمة مذلة واندحرت من فيتنام مع حلفاءها وخلقت عقدة فيتنام عند الشعب الامريكي ..إلا أنها لم تستخدم السلاح النووي لحسم الحرب ووهن عزيمة الخصوم…
أيضا عندما واجه الاتحاد السوفييتي في حربه الطويلة التي دامت عقدا كاملا في افغانستان وتعرض لخسائر هائلة وهزيمة نكراء…الا انه ايضا لم يفكر القادة السوفييت باستخدام سلاح نووي تكتيكي على الاقل في اي منطقة من مناطق الصراع…
يبدو ان تفاهما دوليا (غير مكتوب) بين القوى النووية في العالم ان القنابل الامريكية النووية والتي القيت على اليابان بخواتيم الحرب العالمية الثانية هي اول وآخر الاسلحة النووية التي يتم استخدامها…بمعنى أن السلاح النووي هو سلاح دفاعي استراتيجي وضعت كل دولة عقيدتها النووية بشكل اظنه متقارب من الاخرين …
العقيدة النووية الروسية
في حديث في شهر آذار الماضي لصحيفة الغارديان قال ديمتري ميدفيدف ( والذي يشغل حاليا نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي وفد شغل سابقا منصب رئيس روسيا ورئيس وزرائها) قال إن العقيدة النووية لروسيا لن تتطلب من دولة معادية إطلاق النار أولا وادرج اربعة سيناريوهات لاستخدام روسيا اسلحتها النووية:
1– إذا تعرضت روسيا لهجوم بصاروخ نووي.
2– إذا تم استخدام أي اسلحة نووية اخرى ضد روسيا او حلفاءها.
3–اذا تعرضت البنية التحتية الحيوية لهجوم يشل الردع النووي
4– إذا تم إرتكاب عمل عدواني ضد روسيا وحلفائها يهدد وجود الدولة.
لم ولن ينزلق الناتو لاختراق بنود العقيدة النووية الروسية وقد صرح مرارا انه ليس طرفا بالحرب ولاينوي ان يكون ..انما يقدم الدعم للمقاومة الاوكرانية والشعب الاوكراني وهم يلقنون الروس دروسا لن ينسوها…
وقد اثبتت الحرب الاخيرة ان اي دولة نووية عظمى وتريد خرق القانون الدولي لن تستطيع فعل ذلك ولن يعطيها امتلاك الاسلحة المدمرة هذا الحق وهي ستعاقب ويمكن لقوى محلية صغيرة محاربتها بل الانتصار عليها …وهذا الدرس موجه للدول النووية المارقة كالصين وكوريا الشمالية وإيران الساعية لذلك السلاح…
ولابد من الاشارة في النهاية لرواية تروى عن بوتين في إجابته عن سؤال لصحفي ماذا ستفعل روسيا إذا تعرضت لهجوم نووي من دولة ما؟؟ أجاب نذهب كلانا الى العالم الآخر..