يصارع غالبية قادة الدول الغربية وفي مقدمتهم هؤلاء الذين يحكمون في واشنطن ولندن لإقناع أنفسهم ومواطنيهم ومختلف دول العالم بأنه يمكن لأوكرانيا إذا تم توفير الدعم الغربي المتواصل لها عسكريا وإعلاميا واقتصاديا وبدون التدخل العسكري المباشر لحلف الناتو أن تهزم روسيا. في نفس الوقت يحاول هؤلاء نسيان تأكيداتهم السابقة التي روجوا لها منذ فبراير 2022 عن أن العقوبات الاقتصادية التي فرضوها على روسيا ستصيب الكرملين بضربة قاضية في الصميم وستجبره على البحث عن التسوية بالشروط الغربية أو ستقود إلى سقوط الرئيس بوتين ومقدم ساسة ملائمين لسياسة الغرب وتفتيت روسيا. نفس محاولة تعديل أو محو الذاكرة تجري بالنسبة للتأكيدات الغربية السابقة عن أن الكرملين سيصبح معزولا على الصعيد الدولي وستنبذه بقية دول العالم. بعد زهاء سبعة أشهر على اندلاع ما تصفه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا وما تسميه دول الغرب بالغزو الروسي، تبقي القوات الروسية سيطرتها على حوالي 160 الف كيلومتر مربع أي ما بين 25 و 23 في المئة من مجموع مساحة أوكرانيا 603700 كلم مربع، والتي يشكل الناطقون بالروسية غالبية سكانها. الهجمات المضادة للجيش الأوكراني التي بدأت في شهر سبتمبر 2022 والتي طغت تفاصيلها في وسائل الإعلام الغربية معتبرة إياها مؤشرا على قرب هزيمة الجيش الروسي لم تسفر وحسب آخر التصريحات سواء للمخابرات الحربية البريطانية أو لمسؤولي البنتاغون الأمريكي سوى عن استعادة حوالي 8000 كيلومتر مربع ثم تقلصت حسب الإعلام الغربي في بداية أكتوبر إلى 2500 كيلومتر مربع من الأراضي التي كانت قبل ذلك تحت سيطرة الجيش الروسي في مناطق خاركيف وليمان أساسا.
وسط هذه المتاهات تزداد الأوضاع الاقتصادية العالمية تأزما وخاصة في الغرب وتتضارب التوقعات حول ماذا سيحل بأوروبا مع مقدم فصل الشتاء واتساع نطاق حروب الطاقة من غاز وبترول وتصاعد المعارضة الشعبية في القارة العجوز تجاه مواصلة تتبع سياسات واشنطن في المواجهة مع روسيا وتحمل أعباء ذلك خاصة على الصعيد الاقتصادي.
يقول محللون غربيون أن الحركية المستمرة في الصراع الدائر في وسط شرق أوروبا لم تصل بعد إلى النقطة التي يمكن أن نحكم فيها بشكل مرجح عن من هو الرابح أو الخاسر، وإن الغرب لا يجب أن يرتكب خطأ السقوط في الأوهام مثل تلك التي عرفها في صراعاته وحروبه السابقة مثل الفيتنام وافغانستان.
وسط هذه الدوامات ويوم الأربعاء 5 أكتوبر 2022 تلقت واشنطن أساسا والغرب بصفة عامة صفعة سيكون لها أبعادها وتأثيراتها على الحرب الدائرة على الساحة الأوروبية وعلى الكثير من التوازنات السياسية والعسكرية العالمية.
فيوم الأربعاء 5 أكتوبر اتفق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” الـ13، وشركاؤهم العشرة بقيادة روسيا أي “الأوبك زائد” ورغم الضغوط والتهديدات الأمريكية والأوروبية خفض إنتاجهم من النفط بمقدار مليوني برميل يوميا ابتداء من شهر نوفمبر 2022 وهو ما يمثل نحو 2 بالمئة من إنتاج النفط العالمي، الأمر الذي اعتبره البيت الأبيض دعما صريحا لروسيا.
الرئيس الأمريكي جو بايدن انفجر غضبا أمام هذا التحدي ورفع سيف العقوبات في وجه دول الأوبك، وذهب إلى حد التهديد بتجميد الأرصدة المالية للدول الرافضة للإملاءات الأمريكية في سندات الخزينة الأمريكية.
بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات العالمية في أذونات وسندات الخزانة الأمريكية حتى نهاية ديسمبر 2021، 7.739 تريليونات دولار.
عمل عدائي
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 6 أكتوبر 2022:
أثارت منظمة الدول المصدرة للنفط وشركاؤها “أوبك بلس” بقيادة السعودية وروسيا، الأربعاء، ردود فعل غاضبة في الولايات المتحدة بعد خفض الإنتاج بمليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر القادم، وهو أكبر خفض الإنتاج منذ تفشي جائحة كورونا عام 2020.
وكشف تقرير نشرته شبكة “سي أن أن” بأن واشنطن قد تعتبر قرار “أوبك بلس” خفض إنتاجها النفطي “عملا عدائيا” ضد الولايات المتحدة.
وأفاد بيان صادر عن البيت الأبيض الأربعاء أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن “يشعر بخيبة أمل من قرار أوبك+ القصير النظر”.
وكشف البيان أن إدارة بايدن “ستتشاور مع الكونغرس حول أدوات وآليات إضافية لتقليص تحكم أوبك في أسعار الطاقة”. وأضاف البيان أن إعلان أوبك + كان بمثابة “تذكير لسبب الأهمية البالغة لقيام الولايات المتحدة بتقليل اعتمادها على مصادر أجنبية للوقود الأحفوري”.
ووصفت مسودة وزعها البيت الأبيض على وزارة الخزانة، وحصلت شبكة سي إن إن على نسخة منها، خفض الإنتاج على أنه “كارثة كاملة” وحذرت من أنه يمكن اعتباره “عملا عدائيا”.
ونقلت الشبكة عن مسؤول في البيت الأبيض، لم تكشف اسمه، قال إن إدارة بايدن “خلعت القفازات” بعد قرار أوبك، في إشارة إلى الجهود الواضحة التي تبذلها للسيطرة على أسعار النفط.
ويقول موقع ايكونومست Economist إن الشركات الأمريكية التي تنتج النفط ستكون أمام مسؤولية أكبر، خاصة بعد أن تزامن الاضطراب في أسعار النفط مع مشروع NOPEC، وهو مشروع قانون في الكونغرس من شأنه أن يسمح بمقاضاة منظمة أوبك بموجب قانون مكافحة الاحتكار، على الرغم من أنه سيتعين عليه التغلب على معارضة المشرعين وشركات النفط الذين يخشون الانتقام.
وتحاول إدارة بايدن أيضا دعم مصادر الطاقة المستدامة مثل الشمس والرياح، ودعم إنتاج السيارات الكهربائية ضمن خطة طموحة للمناخ.
وأفاد البيت الأبيض في بيان بتوقيع مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان وكبير المستشارين الاقتصاديين بريان ديس، أن خفض الإنتاج سيضر بالدول “التي تعاني أصلا” من ارتفاع الأسعار بينما ” يتعامل الاقتصاد العالمي مع استمرار التأثير السلبي” للهجوم الروسي على أوكرانيا.
ماذا يعني هذا؟
تشير صحيفة واشطن بوست في تقرير، إلى تدخل الكونغرس في هذا الخصوص قد يعني أن صناع القرار قد “يلغون إعفاء طويل الأمد من قانون مكافحة الاحتكار الفيدرالي الذي يسمح بمقاضاة أوبك بتهمة التنسيق حول الأسعار”.
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم “إن هذه الخطوة إذا نفذت ستؤدي بدورها إلى رد فعل عنيف من السعودية وحلفائها”.
وفي تصريح لموقع “الحرة” أوضح المحلل السياسي رئيس شبكة الديمقراطيين الجدد في واشنطن، سيمون روزنبرغ، أن البيت الأبيض يشير في بيانه إلى اللجوء لتفعيل قانون فيدرالي يتعلق بمكافحة الاحتكارات أو “الممارسات التجارية غير القانونية”، مشيرا إلى أنه لا يعلم “كيف يمكن تطبيق هذا القانون في حالة أوبك بلس”، لكن من المؤكد، بحسب قوله، أن وجود منظمة “أوبك” يعتبر أمرا غير قانوني أكان في القوانين الدولية أو حتى وفق قوانين الولايات المتحدة التي لا تسمح بتشكيل “كارتيلات” تسيطر على تجارة معينة.
وتعود قوانين مكافحة الاحتكار التي أقرها الكونغرس إلى عام 1890 عندما أقر قانون “شيرمان”، وفي 1914 صدر قانونان إضافيان، لا يزالان ساريي المفعول حتى اليوم، بحسب الموقع الإلكتروني “للجنة االتجارة الفيدرالية”.
وتحظر هذه القوانين “الاحتكار وعمليات الاندماج والممارسات التجارية غير القانونية”، وهي تهدف حسب واشنطن إلى حماية المنافسة لصالح المستهلكين، والحفاظ على جودة وانخفاض الأسعار، في حين أنها تسعى عمليا لفرض الهيمنة الأمريكية.
وزاد روزنبرغ أن قرارات “أوبك بلس” ستدفع بالدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تعزيز استراتيجياتها في تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتوجه للطاقة النظيفة، وهو ما سيعود بالضرر على “أوبك” ولو بعد فترة من الزمن.
في المقابل، يلفت المحلل السعودي، العاتي، إلى أن السعودية وبقية الدول المنتجة في تحالف “أوبك بلس” يدعون دائما إلى تحييد “ملف إنتاج النفط والطاقة وأسعارها عن المقايضات السياسية، خاصة وأن الدول تحتاج لإيرادات النفط للإنفاق على مشاريعها التنموية المختلفة”. ودعا العاتي “الدول الغربية لحل مشاكلها مع روسيا وعدم استخدام النفط كسلاح لتركيع موسكو”.
الطرف الأقوى
صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت أنه على المدى القريب، تميل الكفة لصالح مجموعة أوبك لأن الغرب “ليست لديه تدابير مضادة فعالة تحت تصرفه”.
وتقترب الولايات المتحدة من نهاية السحوبات التاريخية المقررة من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي.
وبينما ترك البيت الأبيض الباب مفتوحا لمزيد من هذه القرارات، “فإن المزيد من السحوبات الكبيرة ستكون محفوفة بالمخاطر مع استنفاد المخزونات”، وفق دان بيكرينغ، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة بييكرينغ إنرجي ” في تغريدة على تويتر.
وفي ظل هذا الوضع، تزداد احتمالات التضخم في الولايات المتحدة، وفق جون أوثرز في بلومببيرغ، بعد أن كان هناك “شعور قوي بأن التضخم العام قد بلغ ذروته بالفعل وأن تكاليف الوقود ستنتقل قريبا من المساهمة في ارتفاع سنوي إلى انخفاض سنوي”.
ويتوقع خورخي ليون، من “ريستاد إنرجي”، في حديثه لأسوشيتد برس، أن يصل خام برنت إلى 100 دولار للبرميل بحلول ديسمبر 2022، وهذا أعلى من توقع سابق حول 89 دولارا، وفق أسوشيتد برس.
ويتوقع الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، أن تعاود أسعار النفط ارتفاعها إلى 100و120 دولارا للبرميل بنهاية العام، لكننا لا زلنا في بداية تأثر الأسواق بهذا الخفض، لأنه سيحدث الشهر المقبل”.
وأضاف: “الضربة كانت مزدوجة للأسواق. التخفيض كبير والمدى طويل. شهرين لنهاية العام الحالي، بالإضافة إلى عوامل ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، منها زيادة الطلب على النفط في فصل الشتاء، بالإضافة إلى حظر النفط الروسي في أوروبا بالتزامن مع مسألة السقوف السعرية، وزيادة حركة السفر، عدا الصدمات التي قد تحدث مثل انقطاعه بسبب اضطرابات أو عوامل جوية”.
وتقول أسوشيتد برس ووول ستريت جورنال إن جزءا من التخفيض البالغ 2 مليون برميل يوميا هو فقط على الورق، لأن بعض دول “أوبك زائد” غير قادرة على الوفاء بحصصها المقررة بالفعل.
وتتوقع الوكالة تخفيضات فعلية بقيمة حوالي 1.2 مليون برميل فقط يوميا، بينما تنقل وول ستريت جورنال عن شين كيم، رئيس تحليلات إمدادات النفط والإنتاج في “آس آند بي غلوبال كوميديتي إنسايتس” خفضا حوالي 0.7-0.8 مليون برميل.
ورغم ذلك، يتوقع ليون أن يكون لذلك تأثير “كبير” على الأسعار حول العالم. وكتب في مذكرة: “ستضيف أسعار النفط المرتفعة حتما إلى أزمة التضخم التي تكافحها البنوك المركزية العالمية، وسيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى المزيد من حسابات زيادة أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد”.
وسيؤدي ذلك، وفق الوكالة، إلى ارتفاع أسعار البنزين والديزل في جميع أنحاء العالم، وتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا المرتبطة إلى حد كبير بالتخفيضات الروسية لإمدادات الغاز الطبيعي المستخدمة للتدفئة والكهرباء وفي المصانع.
ويشير هنري في حديثه إلى أن القرار سيكون له “بعض التأثير في الوقت الحالي على الاقتصاد العالمي، لأنه يتباطأ بالفعل بسبب إجراءات الاحتياطي الفيدرالي، وتباطؤ النمو في الصين، لذا فإن هذا يضيف إلى المشكلة”.
ويشير إلى أن صندوق النقد الدولي توقع نموا عالميا بنسبة 2.7 في المئة فقط العام المقبل، وهو رقم منخفض بالنسبة لمؤسسة تميل إلى التفاؤل.
ويقول: “نحن نتجه نحو الركود”.
ويشير الشوبكي إلى أن أسعار النفط ستزيد من مشكلة التضخم التي “ستكون مستدامة لعدة أشهر”، مشيرا إلى أن العديد من مدخلات النفط تدخل في العديد من الصناعات وهي عنصر أساسي في تحديد الأسعار، ما يحبط جهود البنوك المركزية في خفض الأسعار.
وستؤدي إلى “الهرولة أسرع للركود” في العديد من البلدان، مشيرا إلى توقعات بحدوث هذا الركود في نهاية العام الحالي أو الربع الأول من عام 2023.
ويقول هنري إن الروس “مبتهجون من هذا القرار، لأنهم يحاولون الحفاظ على أسعار النفط مرتفعة، ويواجهون محاولات وضع حد أقصى لأسعار النفط، وهو ما يعرف باسم “السقوف السعرية”.
وتسعى دول، من بينها الولايات المتحدة، إلى وضع سقوف سعرية للنفط الروسي بهدف الحاق الضرر بموسكو. وقد هددت روسيا بوقف عمليات التسليم إلى دول أو شركات تلتزم بهذا الحد الأقصى.
وتقول الوكالة إن ذلك قد يؤدي إلى إخراج المزيد من النفط الروسي من السوق وبالتالي زيادة الأسعار.
ويوضح الشوبكي أن توقعات أسعار النفط هذه لا تأخذ في الاعتبار عودة إيران إلى سوق النفط أو رفع العقوبات عن النفط الفنزويلي.
ودفع القرار بعض المشرعين الأمريكيين إلى إعادة التفكير في تحالف واشنطن مع السعودية.
وطلب السيناتور البارز، بيرني ساندرز، بسحب القوات الأمريكية من السعودية قائلا: “إذا أرادت السعودية أن تتعاون مع روسيا لرفع أسعار النفط، فيمكنها أن تجعل بوتين يدافع عن نظامها”.
ودعا يوم الأحد 9 أكتوبر في مقابلة إلى إعادة تقييم التحالف العسكري مع المملكة، قائلا في برنامج “حالة الاتحاد” على قناة “سي أن أن”: “نبيع كميات هائلة من الأسلحة للسعوديين… أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في تلك المبيعات. أعتقد أننا بحاجة إلى رفع الإعفاء الذي منحناه عن منظمة أوبك بلاس من مسؤولية تحديد الأسعار. أعتقد أننا بحاجة إلى إلقاء نظرة على وجودنا الحقيقي في الشرق الأوسط والسعودية”.
لكن وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، من جانبه، اعتبر في مقابلة أخرى، يوم الأحد كذلك، أن على البلدين الحفاظ على “علاقة أمنية عميقة ومهمة”.
وذكر بومبيو لبرنامج “فوكس نيوز صنداي: “لقد كانوا شريكا أمنيا مهما، ويجب أن يستمروا في ذلك. إدارة بايدن اختارت الطرف الخاطئ من العصا”.
مصالح اقتصادية
يقول بول سوليفان، محلل شؤون الشرق الأوسط، أستاذ اقتصاديات الطاقة في جامعة جونز هوبكنز، لموقع “الحرة” إن “أي فعل يمكن اعتباره عدائيا تجاه الولايات المتحدة، إذا كان ينطوي على إلحاق ضرر متعمد بالبلاد، أو فعل فيه تهديد مباشر أكان للولايات المتحدة أو السياسيين”.
ويرى سوليفان أن قرار “أوبك بلس” والطريقة التي أقر بها “يظهر أن قراراتها اتخذت بناء على مصالح الدول المنتجة للنفط، وآثار هذه القرارات ستطال جميع الدول حول العالم”، ولكن هذا لا يعني أنه “يشكل عملا عدائيا تجاه الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أن “بعض السياسيين قد يدعون لاعتباره فعلا عدائيا تجاه الولايات المتحدة، ولكن هذا الأمر هدفه استقطاب أصوات الناخبين فقط”.
وعلى العكس، يعتقد المحلل السياسي روزنبرغ، أن هناك أربعة مبررات لاعتبار قرار “أوبك بلس” عدائيا تجاه الولايات المتحدة، أولا فهو قد يدفع “الاقتصاد العالمي، والاقتصاد الأمريكي إلى ركود بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة” مدعومة بخفض الكميات المعروضة في السوق العالمية.
ويضيف روزنبرغ في حديث مع موقع “الحرة” أن السبب الثاني يتعلق بتوقيت القرار “الذي يأتي في مرحلة حساسة قبل أسابيع من الانتخابات النصفية.. في خطوة قد ينظر لها على أن الرياض تدعم الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة على حساب الحزب الديمقراطي”، واصفا القرار بـ”الاستفزازي للغاية”.
ويتخلص السبب الثالث في أن خفض الكميات سيرفع الأسعار ما يعني “أن السعودية تساعد روسيا في زيادة إيراداتها، ما يتيح لموسكو الاستمرار في تمويل حربها في أوكرانيا”.
ورابعا، قد يكون هذا القرار، بحسب روزنبرغ، “محفوفا بالمخاطر في ما يتعلق بعلاقات الرياض مع واشنطن أو حتى مع المجتمع الدولي”.
ويلفت المحلل السياسي السعودي، مبارك آلعاتي، إلى أن المحرك لقرار “أوبك بلس” “اقتصادي، يرتبط بعوامل مختلفة، من بينها المخاوف من تراجع أسعار برميل النفط إلى ما دون الـ80 دولارا، وهو ما يعرض مصالح الدول المنتجة للنفط لتداعيات اقتصادية”.
وأكد آلعاتي في رد على استفسارات “الحرة” أن مثل هذا القرار لا يجب أن يؤثر في العلاقات السعودية الأمريكية لأنها “علاقات متينة بنيت على مبدأ الشفافية والوضوح. ووجود تباين في الرؤى حول معالجة بعض القضايا والملفات لا يؤثر على قوة العلاقات التي تعود لـ8 عقود ماضية”.
وفي حال اعتبرت الولايات المتحدة قرار أوبك بلس “عملا عدائيا” ضد الولايات المتحدة، فسيكون ذلك، وفق الباحث السياسي، حسين الإيبش، “رسالة تحذير للسعودية والإمارات بضرورة عدم الوقوف بشكل وثيق مع روسيا”، إذ إن واشنطن تتفهم دور ومصالح هذه الدول في إدارة أسعار الطاقة، ولكن عليهم أن يتذكروا أن “عدم التقارب أكثر من اللازم مع موسكو على حساب واشنطن”.
وأضاف إيبيش أن رسائل واشنطن عليها التأكيد على أن “عمل السعودية مع روسيا ضرورة لإدارة ملف أسعار الطاقة، ولكن ليس على حساب المصالح الأمريكية”.
إحتياطي النفط الأمريكي
قال بيان البيت الأبيض إن الرئيس بايدن سيأمر بخفض احتياطي النفط الأمريكي الاستراتيجي. ومن المقرر طرح 10 ملايين برميل في السوق الشهر المقبل للحد من ارتفاع الأسعار.
لكن الاحتياطيات تنفد بسرعة بعد عمليات السحب القياسية التي أمرت بها الإدارة بدءا من مارس. والاحتياطيات الآن عند أدنى مستوى لها منذ يوليو 1984 وليس من الواضح متى أو كيف تخطط الإدارة لإعادة تعبئتها.
وأفاد البيان أن عمليات السحب المقبلة ستستمر “حسب الاقتضاء لحماية المستهلكين الأمريكيين وتعزيز أمن الطاقة. ووجه بايدن وزيرة الطاقة لبحث أي إجراءات مسؤولة إضافية لمواصلة زيادة الإنتاج المحلي في المدى القريب”.
ووفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس يمكن أن يؤدي قرار أوبك بلس إلى زيادة أسعار النفط الخام، ما سيفاقم التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية منذ عقود في العديد من البلدان، ويساهم في تباطؤ الاقتصاد العالمي.
ويمكن للقرار كذلك أن يعزز خزائن روسيا قبل حظر الاتحاد الأوروبي لمعظم صادراته من نفطها في وقت لاحق من هذا العام ومحاولة مجموعة الدول السبع للحد من أسعار النفط.
وذكر وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان بعد الاجتماع الحضوري الأول لأعضاء التحالف منذ مارس 2020، إن أولوية “أوبك زائد” هي “الحفاظ على سوق نفط مستدام”.
وقاومت السعودية إلى حد كبير الدعوات إلى ضخ مزيد من النفط بالتنسيق مع مجموعة “أوبك بلاس” التي تقودها إلى جانب روسيا، وقد استفادت السعودية من الحرب، حيث أعلنت شركة النفط العملاقة أرامكو عن أرباح قياسية. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد السعودية بنسبة 7.6 في المئة عام 2022، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجي الفرنسية العملاقة باتريك بويان في مؤتمر لصناعة النفط في لندن “هناك سبب يجعل روسيا مستعدة للمشاركة في خفض إنتاج أوبك، لأنها غير متأكدة مما إذا كانت ستجد من يشتري النفط”.
سياق مختلف
اعتبر مراقبون أن قرار أوبك زائد يؤشر إلى تقارب سعودي روسي موجه ضد الدول الغربية، لكن محللين سعوديين تحدثوا لموقع “الحرة”، وضعوا القضية في سياق مختلف.
المحلل السعودي، مبارك العاتي، صرح أن الرياض “أجادت ونجحت في قيادة دول أوبك وأوبك زائد من أجل إنقاذ أسعار النفط من انهيارها، ورأينا الأسعار تعود للتعافي”. تراجعت أسعار النفط إلى ما دون 90 دولارا للبرميل في الأشهر القليلة الماضية، بسبب مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي، بعد أن ارتفعت إلى 140 دولارا في أعقاب التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022.
ويرى المحلل السعودي، أحمد آل إبراهيم، إن “دول أوبك زائد تصطف مع مصالحها فقط، فهي قوة اقتصادية جبارة، تتفق مع بعض سياسات واشنطن وتختلف مع بعضها، وتتفق مع بعض سياسات الصين وروسيا وتختلف مع بعضها، ولكن مما لاشك فيه أن أوبك زائد هي ليست لخدمة مصالح البيت الأبيض”.
واعتبر ريتشارد وايتز، المحلل سياسي في معهد هدسون الأمريكي، في حديث لموقع “الحرة” أن منظمة “أوبك” تسعى إلى تحقيق مزيد من الربح”.
صحيفة “الغارديان” البريطانية هاجمت الرياض بشدة وقالت: بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، وصلت العلاقات بين الرياض وموسكو إلى نقطة الذروة. ومع مضاعفة الولايات المتحدة والدول الغربية جهودها لمكافحة فلاديمير بوتين، الزعيم الروسي الأكثر تهديدا للغرب من أي وقت مضى، اختار الأمير محمد بدلا من ذلك تعميق العلاقات.
وتقول الصحيفة إن اجتماع أوبك زائد في فيينا، هو أحدث علامة فارقة على علاقة متنامية تتحدى بشكل متزايد مطالب حلفاء الرياض، ويبدو أنها تمنح بوتين الراحة في منعطف حاسم في الحرب. ومن المرجح أن يسعى كلا البلدين إلى رفع أسعار النفط عن طريق خفض الإمدادات العالمية بمقدار 2.1 مليون برميل يوميا.
ويلمح المحلل السعودي، مبارك العاتي، إلى وجود علاقة بين قرار أوبك زائد والموقف من محادثات النووي الإيراني، مشيرا إلى أن “السعودية معنية بالسلوك الإيراني، فيما لا تزال الولايات متحدة تتفاوض مع طهران دون مراعاة لمصالح الدول في المنطقة”.
المحلل السعودي، أحمد آل إبراهيم، يستغرب، في حديثه القول بأن الرياض اصطفت إلى جانب موسكو، ويشير إلى أن ” أسعار الغاز التي تبيعها أمريكا إلى ألمانيا والدول الأوربية تمثل ضعفي ما كانت عليه أسعار الغاز القادم من روسيا”.
ويضيف المحلل أن “واشنطن تبحث عن مصالحها. لماذا يغضب البيت الأبيض وواشنطن عندما تبحث أوبك عن مصالحها؟”.
أما عن الآراء التي ترى أن الرياض اختارت الاصطفاف جانب موسكو، فيضيف آل أحمد أن “السعودية هي من توسطت في إفراج سجناء الحرب الأوكرانيين ومنهم أمريكيان” مشيرا إلى أن “الرياض تصطف إلى جانب السلام ولا تقف لا مع روسيا ولا مع أمريكا”.
غضب أوروبي من واشنطن
تزايدت الانتقادات الأوروبية للولايات المتحدة بشأن بيعها الغاز بأسعار مرتفعة وصلت أربعة أضعاف السعر المقدم لصناعتها المحلية.
وفي تململ علني أوروبي بشأن ارتفاع أسعار الغاز تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحديث بصرامة عن مسألة أسعار الغاز مع مجموعة السبع.
وبحسب وكالة “بلومبرغ”، قال ماكرون بسخرية في كلمة له أمام مؤتمر عقد بباريس لرجال الأعمال قبل أيام : “سنقول لأصدقائنا الأمريكيين والنرويجيين، بروح الصداقة العظيمة: أنتم رائعون، لأنكم تزودوننا بالطاقة والغاز، لكن هناك شيء واحد لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وهو أن ندفع أربعة أضعاف السعر الذي تقومون بالبيع به للصناعة لديكم… ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة”.
العتاب الفرنسي لأمريكا، سبقه انتقاد ألماني حاد لواشنطن وبيعها الغاز الطبيعي بأسعار “فلكية”، إذ استنكر وزير الاقتصاد الألماني، طلب دول “صديقة”، في مقدمتها الولايات المتحدة، من ألمانيا، أسعاراً “خيالية” لتوريد الغاز من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية.
وذكر الوزير روبرت هابيك في مقابلة مع صحيفة “نيو أوسنابروكر تسايتونغ”: “بعض الدول، حتى الصديقة، تحصل أحيانا على أسعار خيالية”.
ولجأت ألمانيا، كحال القارة الأوروبية بأكملها، بشكل خاص إلى الولايات المتحدة التي زادت صادرات الغاز الطبيعي المسال نحو أوروبا من 28 في المائة إلى 45 في المائة بين عامي 2021 و2022.
يأتي الرفع الأمريكي لأسعار للغاز في وقت تنتقد فيه إدارة الرئيس جو بايدن ارتفاع أسعار الخام، وقرار أوبك زائد خفض الإنتاج مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر 2022 لعوامل اقتصادية بحتة تتعلق بالركود العالمي وضعف الطلب، فيما تبدو أسعار الخام مستقرة حاليا قرب مستويات ما قبل الحرب الروسية في أوكرانيا.
في المقابل يواجه وضع حد أقصى لأسعار الغاز انقساما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وتعارض ألمانيا والدنمارك وهولندا وضع سقف للأسعار، خشية أن يعيق شراء الغاز الذي تحتاجه اقتصادياتها، ويقلل من تأثير أي حافز لخفض الاستهلاك.
ووضع حد أقصى لأسعار الغاز هو واحد من بين مجموعة من المقترحات والمبادرات المقدمة من الدول الأوروبية للتعايش مع انخفاض إمدادات الغاز من روسيا، التي كانت توفر 40 في المائة من احتياجات أوروبا، فضلا عن الارتفاع الهائل للأسعار التي لا تزال أعلى بأكثر من 200 في المائة مقارنة بما كانت عليه في بداية سبتمبر من عام 2021.
ويرى خبراء أن المطالب بوضع سقف لسعر الغاز، لا تخدم مصلحة المنتجين ولا المستهلكين والتوازن في العرض والطلب مع احترام “آليات السوق” الحرة، وفي نفس الوقت تخدم الاقتصاد الروسي.
علاقة مختلفة
تقدر مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين وبعد زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس للرياض يوم السبت 24 سبتمبر 2022 وبعدها للإمارات العربية وقطر، أن كلا من الرياض وأبو ظبي اقتنعتا أن العلاقات مع واشنطن يجب أن تبنى على أسس مختلفة جذريا عن السابق. وكثير من الأوساط العربية في الخليج تقدر أن لواشنطن مخططات مناهضة لإستقرار ووحدة أراضي دول المنطقة وقد كان ذلك جليا في برنامج المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد والقاضي بإعادة رسم حدود دوله وتقسيمها إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية. غالبية ساسة الدول الخليجية العربية وحلفاؤها في المنطقة وخارجها حذروا من استغلال واشنطن للصراع بين إيران وجيرانها العرب لإضعاف الطرفين وفي نفس الوقت تحقيق مكاسب من وراء الصراعات والمواجهات الحالية والمستقبلية سواء لتغيير الأنظمة أو تفتيتها تحت غطاء نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
يوم 5 أكتوبر ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو لسؤال طرح على وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان.
عند دخول الأمير لمقر اجتماع أوبك في فيينا، سألته مراسلة قناة “CNBC” الأمريكية:”هل خفض الإنتاج يستحق تعريض العلاقة الأمريكية السعودية للخطر؟. رد الأمير قائلا: “”أنصحكم بالاستمتاع بالشمس أنه يوم مشمس”.
بعد ذلك بساعات رفض وزير الطاقة السعودي، الإجابة عن سؤال مراسل وكالة “رويترز”، خلال المؤتمر الصحفي بعد اجتماع “أوبك +” في فيينا.
وقاطع الوزير السعودي المراسل قبل أن يطرح سؤاله قائلا: “لا لا أليكس علي التحدث إليك.. لقد أخطأتم مرتين وستخطؤون للمرة الثالثة، رويترز لم تقم بعمل جيد، تحدثتم أن روسيا تقوم بهذا وذاك، وفي الحقيقة اليوم الذي نشرت فيه قصتكم لم يتحدث أي أحد من روسيا معي وأنا لم أتحدث مع أي أحد من روسيا..”
وأضاف الأمير بن سلمان: “رويترز خرجت بقصة عن روسيا والسعودية وأنهما يتأمران حول سعر 100 دولار وهذا غير صحيح”.
كما استشهد وزير الطاقة السعودي، بإحدى المسرحيات لدى إجابته على سؤال حول قول البعض إن قرار خفض الإنتاج لن يكون له الأثر الحقيقي المأمول لأداء السوق، بينما سيكون أثره طويل المدى على الاقتصاديات العالمية بنفس الوقت.
وذكر الأمير: “ما فيه نسب، إذا كان ما له أثر فمعناه كيف يؤثر على التضخم، ما أدري إذا كان مناسبا أن أذكر مسرحية عادل إمام أم لا، عندما قال يا تنتن يا تنتن، يا هذا يا هذا.. يا فيه أثر نحاول قياسه، يا ما فيه أثر وصلى الله على محمد وهادينا”.
واشنطن فقدت السيطرة على النفس
في موسكو صرح المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، في حديث تلفزيوني يوم الاحد 9 أكتوبر، إن قرار “أوبك+” حول تخفيض إنتاج النفط الخام، كان نصرا للفكر السليم. وأضاف: “لا أميل للقول إنه كان انتصارنا. لا. هذا انتصار للفكر السليم”.
وشدد بيسكوف، على أن زيارات الرئيس فلاديمير بوتين للسعودية والإمارات في عام 2019 لعبت دورا في ذلك، وأضاف: “خلالها تمكن الرئيس بوتين من إقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، وعلاقات تقوم على المنفعة المتبادلة وعلى الثقة المتبادلة”.
وأشار بيسكوف إلى أن قرارات “أوبك+”، أثارت حفيظة الولايات المتحدة وجعلتها تفقد السيطرة على النفس.
ونوه بأن هدف الأمريكيين الأساسي، كان “يكمن في تمرير القرارات التي أقرها الاتحاد الأوروبي جزئيا في حزمة العقوبات الأخيرة، حتى لو كان ذلك على حساب زعزعة استقرار سوق الطاقة العالمية. الحديث هنا عن فرض سقف لأسعار النفط وغيرها”.
ووفقا لممثل الكرملين، تحاول الولايات المتحدة التأثير على السوق من خلال استخدام احتياطياتها النفطية وضخ كميات إضافية. وهذا التلاعب، لن يسفر حتما عن أي شيء حميد.
وشدد بيسكوف، على أنه تم ضد هذا الطيش والتهور، طرح العمل المتوازن والمدروس والمخطط له من جانب مجموعة “أوبك+” والدول الأعضاء فيها بما في ذلك روسيا.