[بقلم أ. محمد صبرا]
بعد صدور قرار محكمة كوبلنز الألمانية، بالحكم على أحد المنشقين بالسجن أربعة أعوام ونصف نتيجة دوره في المساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم حرب، انقسمت آراء السوريين بين مؤيد للحكم بشدة، وبين معارض بشدة للحكم.
وبعيدا عن التهويل المبالغ به وتصوير أن هذا الحكم هو انتصار للعدالة الدولية، وأنه بداية الطريق لمسار كامل من العدالة بحق مجرمي نظام بشار الأسد، وبعيدا أيضا عن الهجوم على الحكم وتسخيفه واعتباره أنه خطيئة كبرى، فإن بعض التعامل الموضوعي مع ما حدث قد يساعدنا على بناد تصور أفضل لجميع النواحي، من دون الإفراط في التهويل أو التفريط بقيمة هذا الحكم:
- الحكم صادر عن محكمة ألمانية وفق القانون الألماني، وبالتالي فإن الحكم ليس جزءا من مسار العدالة الشاملة التي ينادي بها المجتمع السوري، وهو لم يصدر عن محكمة دولية ذات ولاية بمحاكمة جرائم الحرب، بل صدر استنادا للولاية القضائية الشاملة ضمن سياق التعاون الإنساني لمنع الإفلات من العقاب.
- الأصل أن العدالة بمفهومها الشامل لا يمكن تحقيقها إلا من خلال القضاء الوطني، باعتبار أنها ليست مجرد إقامة الحكم على أفراد، ارتكبوا جرائم وحسب، بل إنها غائية أيضا من خلال دور العدالة في إعادة التوازن للمجتمع وتحقيق الإنصاف والشعور بالرضا العام.
- القضاء الجنائي الدولي هو قضاء تكميلي، وولايته تنعقد عندما يعجز النظام القضائي الوطني عن إقامة العدالة إما بسبب ظروف موضوعية ” انهيار النظام القضائي الوطني” أو بسبب ظروف تتعلق بعدم رغبة السلطات بإقامة العدالة ومحاكمة الانتهاكات الجسيمة التي حدثت.
- لا يجب النظر للآثار القانونية للحكم وهي بسيطة برأيي، لأن الحكم كما قلت هو حكم وطني ألماني، ويتمتع بالحجية في الإقليم الألماني فقط، لكن الآثار السياسية له هي المهمة، وهي التي يجب أن تلفت انتباهنا.
- يمكن الاستفادة من الحكم في ألمانيا لبناء تحالف سوري من المنظمات الحقوقية السورية والألمانية لتشكيل لوبي ضاغط على الحكومة الألمانية وعلى الحكومات الأوروبية يتعلق بدفعها للبدء بإجراءات محددة لتفعيل مسار العدالة، ومنع الانزلاق لفكرة أن بشار شر موجود ويجب التعامل معه. وهناك أكثر من مسار يمكن العمل عليه وعدم انتظار قرار من مجلس الأمن لإحالة ملف سورية إلى محكمة الجنايات الدولية، وتحديدا البحث في تقديم شكوى وإبلاغ إلى مدعي عام محكمة الجنايات الدولية وفقا للمادة 15 من نظام روما الأساسي، بحق الشركات الأوربية ولا سيما شركة انتراكوم اليونانية والتي صدرت لنظام بشار معدات تقنية من صنع شركة سيليكس الإيطالية في شهر أيار من عام 2011 وتتضمن أجهزة تعقب الكتروني رغم علم الشركة بالاستخدام الأمني لهذه المعدات ، وقد ساهمت إلى حد كبير في إلقاء القبض على آلاف الناشطين وتعذيبهم حتى الموت في المعتقلات، وقد سبق للمدعي العام الإيطالي أن فتح تحقيقا حول هذا الموضوع المتعلق بتصدير نظام تترا الإيطالي إلى بشار الأسد، على الرغم من أن فرص نجاح هذا الطريق شبه معدومة، إلا أن طرح هذه القضايا على مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أو على المحاكم الأوربية هو أمر مهم، لأنه يبقي القضية السورية وقضية الانتهاكات الجسيمة بحق السوريين حية ومطروحة على الطاولة، مع ضرورة إدراك أن الشكوى لا تعني إقامة الدعوى ولا تعني انعقاد الولاية للمحكمة الجنائية الدولية، التي تبقى قواعد انعقاد ولايتها محددة في النظام الأساسي بالطرق الثلاث المنصوص عنها.
- الاستفادة من الحكم الألماني لخلق زخم للدفع بدول الاتحاد الأوروبي باللجوء لمحكمة العدل الدولية والتي تختلف عن محكمة الجنايات من حيث طبيعتها المدنية، لكن ممكن الاستفادة كثيرا من واقعة مقاضاة غامبيا لدولة بورما.
- أخيرا فإن العدالة في سورية لن تتحقق إلا ضمن سياق المحاكمات الوطنية الشاملة لكل مجرمي الحرب وأي حكم الآن هو نوع من عدالة جزئية بديلة لا بد من الاستفادة منها.
إقرأ أيضاً: سورية وحكم الأسد