بينما إنطلق الأحرار في سوريا نحو مستقبل الكرامة و الحرية ، حين هبت رياح الربيع العربي، انطلقوا بكل إيمان بالتغيير والمضي إلى الحلم الذي طالما انتظره الصامتون ، هذا الحلم الذي لم يتسنى للكثير ممن سبقونا فيه أن يروه يتحقق ولا جزء منه .
وعندما بدأ المبادرون بزارعة حديقة الأمل أخذتنا العاطفة نحول حقول الوهم الشاسعة فمن الرابطة الإنسانية وحقوق الإنسان إلى الرابطة (الدينية ) والأخوية إلى رابطة الدم (العروبة ) إلى الوطنية !
ولم ننتبه إلى أن هذه الحقول هي معنوية لا قيمة لها حين تتغلب المصالح السياسية ومصالح الأنظمة على القيم التي تنتمي إليها تلك الروابط ، وهذا ماجعل من حديقة الثورة حقل لتجارب قوى الهيمنة والإجرام
والتي بدورها أفسدت الكثير من البذور والبراعم التي لم تنمو ولم يشتد عودها بعد .
ولا يمكن تحميل المسؤلية للحالمين ولا للبذور والبراعم فهي ترنو نحو الشمس ولا ترى الوحوش الكبرى بل تعتقد انها جاءت لترعاها .
فلا يُلام صاحب الظن الحسن على حسن ظنه بل من يجب أن يُلام تلك الوحوش المتفلتة من أي رادع .
ومن كنا نعتقد إنتمائهم للروابط القيمية التي نسعى لتحقيقها .
فلننفض عنا الوهم و نتوقف عن لوم أنفسنا ونشرع بإعادة زراعة حديقة التغيير فماتزال البذور في التربة وهي بحاجة للرعاية ونحن أولى بالعناية بحديقتنا.
و هل ستزهر الثورة السورية ؟!
أعتقد الثورة السورية تسير ضمن مسارها الطبيعي و سياقها التاريخي ،
فقد إنطلقت صرخة حرية وكرامة ،ثم إنتقلت إلى تحطيم الأصنام مادياً ومعنوياً،
ثم غدت ساحة مشاريع وافكار ورؤى تتصارع و تتناقض و تنتج أفكاراً جديدة و رؤى أخرى.
،فهي صيرورة تاريخية لم تنضج بعد فهي لم تخرج عن نطاقها الطبيعي ، ولا تخضع لمفهوم الهزيمة ، فهي خطوات ومراحل حتمية نحو التغيير الذي لايخضع أيضاً للربح والخسارة إنما يخضع لمنطق الإرتقاء.
ولكل مرحلة سلاحها فمرحلة الصرخة كان سلاحها الصوت و المطالبة ،
ومرحلة التحطيم إستخدم فيها السلاح لحمايتها من جهة ولتحطيمها من الطرف المعادي .
ومرحلة المشاريع تأسست هيئات وتشكيلات ، لم تكتمل وترقى لأن توازي حركة التغيير الثوري ،
و مرحلة التدخلات الخارجية حيث مقاومة المنظومة الدولية لولادة مشروع مستقل لا يخضع لهيمنتها وقد يخرج من تحت عبائتها .
وأرى أنها مازالت غير مكتملة النمو وهي بحاجة لمرحلة من الهدوء النسبي على الأقل لتبدأ براعمها بالظهور و لتزهر متفتحة نقية ، ويشتد ساعدها لتصمد في وجه الرياح والأعاصير .
حيث أن جذورها تعمقت فينا سيما وأنها رويت بدماء الشهداء والجرحى ودموع الأمهات و الأبناء وعرق الأبطال و الصابرين وأصبحت جزء أصيل غير ممكن إقتلاعه فهي ضميرنا و مصيرنا ،
ما معنى الثورة ؟؟
رفض واقع سيّء و العمل على تغييره بكل الوسائل المتاحة ،بما في ذلك السلاح عند وجود سلطة قمع ترفض التغيير بل تقف عائقا في وجهه.
وبهذا المعنى ؛
هي ليست مغامرة لتسلم الحكم .
وهي ليست موجة للوصول .
وهي ليست مرحلة وتنتهي .
هي روح التغيير و سَنَن الكون وما على المبادرين إلا وعيها و ترشيد مساراتها .
لا تنتهي ولا تموت هي البذور التي ستنمو في مواسمها.
دبلوم في العلاقات الدبلوماسية الدولية
المقال التالي