على مدى الشهور الماضية شهدت المنطقة العربية انعقاد عدة قمم مصغّرة، انصبّ اهتمامها على مناقشة توجهات دول هذه القمم إزاء الفرص والمخاطر المحتملة أمام منطقة الشرق الأوسط. ويعدُّ لقاء النقب في 27 و28 مارس الماضي الأخطر على الرابطة العربية، التي يعاني نظامها الإقليمي من عطالة ذاتية، حيث أصبحت القمم العربية مجرد تقاليد بروتوكولية، دون أن ترافقها إجراءات عملية للتعاطي المجدي مع تحديات ومطالب الشعوب العربية.
إذ إنّ اللقاء عبّر عن اتساع دائرة التعاون الأمني والإستراتيجي بين إسرائيل وبعض الدول العربية، على طريق تشكيل ناتو عربي – إسرائيلي، الأمر الذي يضاعف القوة الإسرائيلية ويعزز مكانتها في الشرق الأوسط الجديد، من خلال منتدى دائم لهندسة الأمن الإقليمي، للانتقال من التطبيع إلى استراتيجية عمل مشترك، لإرساء لبنةً جديدةً في مشروع إنشاء حلف أمني سياسي إقليمي، عماده “الاتفاقيات الإبراهيمية” بحيث تصبح اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل مرفقة بالتسليم بالحق الصهيوني في فلسطين.
ومما أكسب اللقاء أهمية خاصة انضمام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى وزراء خارجية إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمغرب ومصر، مما أدرج اللقاء ضمن إطار الصراع الدولي، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فيفري 2022، حيث تمَّ تناول الدور الروسي في الشرق الأوسط وتداعيات حرب أوكرانيا على الأسعار العالمية للطاقة.
وفي الأيام الأخيرة عُقدت قمم مصغّرة: في 17 جانفي قمة ثلاثية مصرية – أردنية – فلسطينية في القاهرة لبحث تطورات القضية الفلسطينية، في ضوء تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، والأوضاع الإقليمية والدولية. واتفق القادة على استمرار التشاور والتنسيق المكثف “من أجل بلورة تصوّر لتفعيل الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، وإحياء عملية السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، وفقاً للمرجعيات المعتمدة”.
وفي 18 كانون الثاني استضاف رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قمة تشاورية، حضرها سلطان عمان هيثم بن طارق، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وعُقدت القمة تحت عنوان “الازدهار والاستقرار في المنطقة” بهدف ترسيخ التعاون وتعميقه بين الدول في جميع المجالات، وذلك عبر مزيد من العمل المشترك والتعاون و”التكامل الإقليمي”، وبناء الشراكات الاقتصادية والتنموية بين دولهم، وصنع مستقبل أفضل للشعوب في ظل عالم يموج بالتحولات في مختلف المجالات.
وثمة تقدير بأنّ هذه القمم التشاورية هي تمهيد لتطبيق ما تمَّ الاتفاق عليه في لقاء النقب، وفي هذا السياق من الملاحظ غياب الكويت والمملكة العربية السعودية من دول مجلس التعاون الخليجي، إذ تبدي الرياض تمسّكها بحل الدولتين بوصفها الوسيلة الوحيدة لتحقيق السلام في المنطقة، وبناء علاقة مع إسرائيل كما تنص المبادرة العربية. وعليه فإنّ جهود بناء ناتو عربي، تعنى بحماية أجواء المنطقة من الصواريخ والمسيرات من دون الدولة التي تشكل المساحة الأكبر التي تفصل إسرائيل مع الدول الخليجية ذات العلاقة بها تعد خطوة غير عملية، إضافة إلى أنّ الممرات المائية الأكثر عرضة للتهديد تتطلب حضور السعودية المطلة على أجزاء كبيرة منها في أي تحرك يهدف إلى حمايتها.
ويمكن فهم الموقف السعودي من خلال ما عبّر عنه ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عندما أكد أنّ بلاده لا تنظر إلى إسرائيل على أنها عدو بل “حليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن السعي لتحقيقها معاً”، لكن هناك قضايا يجب أن تُحلَّ قبل تحقيق ذلك.